البيئة هبة تقتضي التبجيل

البيئة هبة تقتضي التبجيل

21 يوليو 2015
لا ينبغي تغيير الطبيعة تبعاً لنزوات (Getty)
+ الخط -

فوجئت في زيارتي إلى قريتي الصغيرة في شمال السودان بأنّ المساحة التي تفصلنا عن القرى الشرقية قد تم تخصيصها لأحد المستثمرين المحليين في إطار فض النزاع حولها بأسلوب الهيمنة. جلست إلى أحد المعمّرين الذين أمضوا عمرهم في تلك المساحة يذهبون إلى مزارعهم على ضفة النيل ويعودون منها. وجدته في حالة حزن عميق، وقد ساق لي الأمر من زاوية فقدان الأشجار القديمة، والمساحة التي ظلت تستقبل مياه الأمطار من القرية. فحتى النهر في أوج فيضانه يستفيد من تلك الأمطار كأنها البديل الطبيعي للحوض الفيضي الذي أزيل قبل أربعة عقود لإقامة مشروع زراعي لم يحقق أهدافه المعلنة حتى الآن.

يقول الكاتب ريتشارد ويفر (1910 - 1963): "لقد قيل لنا طوال قرون إنّ سعادتنا تتطلب انقضاضاً لا يرحم على الطبيعة. الهيمنة والإخضاع والانتصار، كل هذه المسميات استخدمت كما لو أننا في حملة عسكرية". السعادة في حالة قريتي تعود على فرد أو أسرة صغيرة في مقابل حرمان مجتمع بأكمله من الممنوح البيئي الطبيعي. ولعل أسباب النزاع حولها أنها ظلت متروكة عبر السنوات لتقوم بدورها البيئي، من دون أن تمتد إليها عيون الطامعين في كل شيء.

ويتفق مع ويفر الكاتب راسل كيرك (1918 – 1994) في قوله: "يحمل الإنسان المتحضر وازعاً لسلوكه إزاء الطبيعة والكائنات المثيلة له، أول وازع هو البر والثاني هو الاخلاق". وتفسير البر لديه أن تفكر ككائن فانٍ، ليس لك أن تعرف كل شيء أو تتحكم بكل شيء. إنه اعتراف بحدودنا الخاصة. فلماذا هذا التعدي السافر.. هل هو غياب الوعي أم غياب الوازع؟

الموقف ازاء الطبيعة هو مسألة أساسية بالنسبة إلى نظرة المرء العامة إلى الحياة أو لفلسفته في الحياة. إذ يميل الشخص الورع إلى النظر إلى الطبيعة كهبة ربانية ليست لفرد من دون الآخرين، أو جيل من دون الأجيال اللاحقة، الأمر الذي يلزم الانسان بتبجيل الطبيعة، وكل ما هو طبيعي. ويذهب كيرك إلى أن الطبيعة ليست شيئاً تنبغي محاربته وإخضاعه وتغييره تبعاً لأي نزوات بشرية.

قد يقول قائل إنّ في هذا منعاً للنفع.. بالطبع لا بد من استخدام الموارد، لكن إلى درجة معينة. أي أنّ "ما يجب على الانسان التماسه في علاقته بالطبيعة ليس الهيمنة الكاملة عليها بل طريقة في العيش والتفاهم مع شيء كان قبلنا وسوف يستمر بعدنا" بحسب ويفر. كما يؤكد الكاتب أنّ الحضارة لا يمكن معادلتها بالنجاح المادي حين يقول: "ليس ثمة صلة بين درجة الرفاهية التي يُستمتع بها وتحقيق الحضارة. بل على العكس، فالاستغراق في راحة البال هو أكثر العلامات الدالة على الاضمحلال الحالي أو الوشيك".

*متخصص في شؤون البيئة

اقرأ أيضاً: عندما كانت الإدارة الأهلية تحكم في السودان