ريتا الجميلة كالقمر

ريتا الجميلة كالقمر

29 ديسمبر 2014
ريتا هي أمي وأنا ابنتها الصغرى (Getty)
+ الخط -

كانت ريتا تبكي كثيراً في صغرها. إن حصلت على هديّتين في العيد، تبكي لشدّة فرحها. وإن لم تحصل على أية هديّة، تبكي لشدّة حزنها. تبكي إن تعثّرت ووقعت أرضاً. تبكي إن سمعت أمها تشكو لخالتها تصرفات أبيها الذي تحبه كثيراً، والذي كان يفضّلها على إخوتها.

ربما تقرر طفولتنا أحياناً ألا تنتهي. كبرت ريتا وظلّت تبكي. كلما تأثرت بكت. إن أخبروها في المدرسة أن ابنتها تتغيّب عن الصف بكت، وإن أخبروها أن ابنتها الأخرى مجتهدة بكت أيضاً. كان يفترض بريتا أن تكون سعيدة. هي الأوفر حظاً بين كل صاحباتها. تزوجت من حبيبها أو توأم روحها كما تحب أن تسمّيه: رجل وسيم جداً كما حلمت دوماً، يحبها حباً جماً ويرى أن "الشمس تشرق من عينيها". لكن ريتا الصغيرة غفت قليلاً واستيقظت بعد خمس سنوات. توفي زوجها، وكان لهما ابنتان صغيرتان.

ريتا هي أمي وأنا ابنتها الصغرى. لكننا نتبادل الأدوار من حين إلى آخر. تغفو على الكنبة أمام التلفزيون فآتيها بغطاء. أشتاق إليها إن خرجت من البيت فأتصل بها لأطلب منها ألّا تتأخر. تحزن قليلاً فأحضنها من الخلف وأقبّلها حتى تكاد تختنق. ضحكت ريتا كثيراً عندما سألتها بجدية من تحبّ أكثر: أنا أم جارنا "ساكو" الذي كان يلعب معي بالقرب من منزلنا. ضحكت ثم قالت إنها تحبني أكثر، وأنها لا تحب أحداً أكثر مني ومن أختي. لكنها بعد ذلك، كلما سألتها إن كانت تحبني، تضحك وتقول إنها تحب "ساكو" أكثر.

فرحت ريتا كثيراً عندما أخبرها أبي أنني أشبه أمها كما لو أنها هي من ولدتني. فكرت أن تسميني كاترين تيمناً بها، لكنها فضلت أورنيلا تيمناً بالممثلة الإيطالية أورنيلا موتي. يقول بعض من يرانا سوياً اليوم إنني وأمي نشبه بعضنا قليلاً. تبتسم ريتا قبل أن تصحح المعلومة، وتقول إنني أشبه أمها أكثر. ثم تهمس لي أنها تعتبر تشبيه ملامحي بملامحها بمثابة إطراء لها. في جميع الأحوال، أنا وريتا نعرف أننا نشبه بعضنا البعض، لو اختلف الوجهان.

في طريقها إلى طوارئ المستشفى، تتوقف ريتا أمام المرآة في مدخل المبنى كي تتفقد مظهرها. أنا أيضاً لا أفوّت فرصة للتمعن بانعكاسي في المرآة. وإن صدف أن توقفت أمام واجهة متجر ما، فالأغلب أنني أنتبه لصورتي في زجاج الواجهة أكثر من الثياب المعروضة. ريتا الصغيرة كانت تنجز فروض التعبير الكتابي بسرور كبير. كذلك أنا. أمضي معظم سهراتي منذ سبتمبر/أيلول الماضي حتى اليوم، في كتابة تعليق حول مسيرة بول أيلوار الشعرية.

إنها ريتا الجميلة كالقمر. ربما لا تكون بجماله مع أنها كذلك. لكنها مثله، قريبة وبعيدة. لا تطالها يد، ولا تشوبها شائبة.

دلالات

المساهمون