أوشام موروثة لكن مرفوضة

أوشام موروثة لكن مرفوضة

10 ابريل 2016
يفضل الشبان الأشكال التي تدلّ على القوة (العربي الجديد)
+ الخط -
صورتها واسمها على كتفه هما فقط ما بقي له من ذكريات عن حبيبته التي ماتت قبل أربع سنوات في حادث كان هو السبب فيه. يروي أحمد وسلاتي قصته مع الوشم، الذي اختار أن يذكّره بقصة حبه. هو يعلم أنّ الوشم يرفضه المجتمع لكنّه لا يعتبر الأمر جريمة قد ينبذ من أجلها: "في نهاية الأمر لكلّ جيل طريقته في الحياة".
ينتشر الوشم بين شباب تونس بشكل كبير أخيراً. ظاهرة تثير امتعاض ورفض الآباء، خصوصاً أنّها تنتشر وسط التلاميذ والطلاب بذكورهم وإناثهم.

بالنسبة للأشكال، فهي تختلف بين شاب وآخر، فعادة ما يفضل الشبان الأشكال التي تدل على القوة كالتنين والنسر والأفعى. بينما تفضّل الفتيات صور الفراشات والورود. كذلك، يختار البعض تخليد اسم أو ذكرى حبيب. وغيرهم يفضّل ما يشير إلى مفاهيم كبرى تدل على الحرية والثورة.

ليس الوشم ظاهرة جديدة في تونس. فهو من الموروثات الشعبية القديمة المعروفة، خصوصاً أنّ معظم الأجداد من الجنسين يحملون أوشاماً مختلفة على أجسادهم تمتد إلى الوجه حتى. مع ذلك، فإنّ الأجيال القديمة بالذات ترفض مبادرة الشباب إلى هذه الأوشام. فالجدة أو الجد بالرغم من حملهما الوشم يرفضان إقبال الشباب عليه لاعتبارهما الفعل "انحرافاً وقلة أخلاق، ولا يمتّ إلى الموروثات الشعبية بصلة".

البعض يفسّر انتشار الوشم سابقاً بالديانات القديمة أو الحضارات التي مرّت على البلاد وتركت آثارها حتى فترة قريبة كجزء من التمائم المضادة للحسد. بينما يفسرها آخرون بالتعبير عن الانتماء إلى قبيلة ما يحمل الموشوم رمزها. لكنّ بعض الأوشام القديمة تختلف عن ذلك وتحمل رموزاً للخير والخصب وغير ذلك. أما الرفض الحالي فناشئ من كون ما ينتشر من أوشام اليوم متأثر بالغرب وثقافته.

ليلى عابد (25 عاماً) أعجبت بأشكال الأوشام لدى بعض العارضات. هي تعتبر الأمر حرية شخصية "بالرغم من أنّ الغالبية في المجتمع ترفضها وتعتبرها ظاهرة غريبة عنّا". تقول إنّ جدّتها بالذات تحمل أوشاماً على وجهها ويديها وقدميها، مع ذلك، انتقدت وضع ليلى وشم فراشات على ذراعها الأيسر.
تقول ليلى إنّها تستغرب من مجتمع انتشر فيه الوشم منذ القدم خصوصاً لدى الأمازيغ ومع ذلك يرفضه اليوم: "حتى لو وضع الشباب نفس أشكال الأوشام التي كانت للأجداد يبقى لديهم فعلاً مرفوضاً".

اقــرأ أيضاً


من جهتها، تبلغ فاطمة من العمر ستين عاماً. تعيش في أحد أرياف مدينة سليانة في الشمال الغربي. تحمل أوشاماً على خديها وجبينها. هي أشكال تمتاز بها الكثير من نساء الشمال الغربي، لكنّ معظمهن لا يعرف معنى لتلك الرموز ودلالاتها. ترسمها الأمهات لبناتهن منذ بلوغهن العاشرة. لا تسأل الفتيات عن سبب ذلك فهي عادة معروفة. لكنّ فاطمة تبدي معرفتها بالأمر: "تلك الرسوم كانت تعوّض الحلي والأساور في الجبين والرقبة واليدين، وتختلف من منطقة إلى أخرى". تتابع: "نرفضها اليوم لأنّ الشباب ليسوا مجبرين عليها كما كنّا نحن. كذلك، فهم يضعون أشكالاً غريبة جداً".

من ناحية أخرى، فإنّ الوشم ظلّ حتى وقت قريب يرسم بواسطة أدوات وأساليب بسيطة وبدائية، كالاعتماد على الإبر لإدخال الحبر تحت الجلد وكتابة كلمات ورموز بحسب رغبة الشخص. إلاّ أنّ الأساليب تطورت، فالمتاجر المخصصة لرسم الأوشام باتت أشبه بالعيادات الطبية، خصوصاً مع ما فيها من أدوات.
أحد هذه المتاجر في منطقة المرسى في تونس العاصمة يملكه فواز زهمول. حصل على ترخيص من وزارة الصحة قبل فترة بعد الخضوع إلى عدّة اختبارات والتعهد بتطبيق القوانين. يأخذ زهمول قبل بداية رسمه على جسد أي شخص توقيعه كدليل على القبول بالرسم من دون أي ضغوط إذا تجاوز عمره ثمانية عشر عاماً. أما من هم دون ذلك فيحصل على توقيع أحد الوالدين. كلّ هذا كي يتفادى أي إشكال قانوني.

يشير فواز إلى أنّ "هناك إقبالاً من كافة الشرائح العمرية، حتى ممن هم فوق الخمسين أحياناً. تختلف رغبة كلّ واحد منهم في الأشكال التي يريدها. معظم الشباب يرسم أو يكتب اسم حبيبته أو والدته كتعبير عن حبّه لها". يتابع: "أحياناً أجري تصحيحات في الرسم ارتكبها غيري".
في هذا الإطار، ينبّه زهمول إلى وجود العديد من المتاجر غير القانونية المخصصة للوشم، فهي تعمل من دون الحصول على ترخيص من وزارة الصحة. يؤكد أنّ بعض هذه المتاجر تسبب في تشوهات أو أضرار للعديد من الأشخاص. وهو ما يفتح أمامه باب عمل آخر، هو إجراء عمليات إزالة الأوشام المشوهة من أجساد هؤلاء.



المساهمون