جيش ليبي من العاطلين عن العمل

جيش ليبي من العاطلين عن العمل

31 يوليو 2014
سوق العمل بين الفائض والعسكر (محمود تركية/فرانس برس/getty)
+ الخط -
تهيمن البطالة في ليبيا، وترهق الشباب. وللبطالة هنا أنواع، الأولى التي تعني عدم حصول الفرد على عمل برغم أنه قادر على العمل ويبحث عنه ولا يجده. 
أما النوع الثاني، فهو ما يُعرف بالبطالة المقنعة، وهي تلك التي يكون فيها عدد العمال يفوق الحاجة الفعلية لسوق العمل في القطاعات الحكومية، مما يعني وجود عمالة فائضة لا تنتج شيئاً تقريباً، وتتقاضى الرواتب، وإذا ما سحبت من أماكن عملها فإن حجم الإنتاج لن ينخفض، إضافة إلى البطالة غير المنظورة، التي تنتج عن استقطاب المليشيات المسلحة عدداً كبيراً من الشباب (العاطل عن العمل بمعظمه) لقاء أجور ورواتب شهرية.

وتغلغل النوع الأخير في ليبيا بعد ظاهرة الكتائب المسلحة التي يتقاضى منتسبوها مرتبات عالية نسبياً قياساً بالقطاع الحكومي من دون ممارسة أي عمل، بل إن منهم من لم يشترك أصلاً في جبهات القتال، ولكن تم تسجيله بسبب العصبيات القبلية وتفشي الوساطة والمحسوبية في مجتمع قبلي وجهوي.

لا أرقام... وعجائب

تكمن المشكلة الرئيسية في عدم معرفة حجم الظاهرة بدقة في ليبيا، فقبل ثورة السابع عشر من فبراير، تكتمت السلطات الليبية عن رصد حجم نسبة البطالة في ليبيا تحسباً لتوجيه انتقادات للنظام من قبل معارضيه، وبعد الثورة لم تكن دراسة ظاهرة البطالة ومعرفة حجمها والسيطرة عليها من أولويات الحكومات المتعاقبة بحجة الاهتمام بقطاعات وأولويات أخرى كبناء قطاع الأمن.

أيضا ارتأت حكومة الرئيس علي زيدان أن الحل يكمن في منح أكبر عدد ممكن من المتقدمين للعمل رواتب، سواء عملوا أم لم يعملوا، لذلك قفز بند المرتبات بميزانية عام 2013 من ثمانية مليارات دينار ليبي قبل الثورة إلى 26 ملياراً بعدها.

في حين كشفت إحدى اللجان في المؤتمر الوطني العام "البرلمان الليبي" عن حالة عجيبة، لمواطن ليبي يتقاضى 126 راتباً من الدولة الليبية، ويتوقع خبراء أن يقضي نظام الرقم الوطني إذا ما تم تعميمه على ازدواجية الرواتب.

واحتلت ليبيا المرتبة التاسعة في ترتيب الدول العربية حسب معدل البطالة الذي بلغ في آخر إحصاء متوفر عن وزارة العمل  15 في المائة مقارنة بعام 2010 إذ بلغت النسبة تقريبا 30 في المائة.

وكان وزير العمل والتأهيل الليبي محمد الفيتوري سوالم، قد قال في تصريحات سابقة إن نسبة البطالة في ليبيا تصل إلى 15 في المائة، يمثلون نحو 400 ألف مواطن من القوة القادرة على العمل. 

تمويل الرواتب بدل خلق الفرص

وعجزت ميزانيات ما بعد ثورة فبراير في خلق فرص عمل جديدة، بل ركنت إلى تمويل قطاع الرواتب بشكل شبه جنوني على حساب قطاع التنمية والمشروعات المحلية.

 ففي عام 2013 سجلت الرواتب نحو 20 مليار دينار من أصل 69 ملياراً، وعام 2014 سجلت 26 مليار دينار من ميزانية بلغت 58 مليار دينار.

وسجل القطاع الحكومي زيادة في نسبة رواتب العاملين في الجهاز الحكومي بنسبة تجاوزت 50 في المائة، خاصة في قطاعات العدل والشرطة والتعليم والصحة.

كما ارتفعت رواتب الضمان الاجتماعي وصندوق الإعانات، إذ أصبح الحد الأدنى لأصحاب المعاشات الأساسية وللمساعدات التي تتقاضاها فئات كالعجزة والأرامل والمطلقات لا يقل عن 450 ديناراً ليبياً بنسبة 350 في المائة، مما تسبب في إرهاق كاهل اقتصاد يعتمد في 95 في المائة من عائداته وتمويله على البترول، والـ5 في المائة الباقية تأتي من عائدات الضرائب والجمارك والدخول السيادية الأخرى، وهي نسبة أصبح مشكوكا في تحصيلها بعد ثورة فبراير/ شباط بسبب ضعف السلطة المركزية، ورفض بعض المدن الليبية تحويل الإيرادات السيادية إلى الخزانة العامة.

 كما أن تدني وانخفاض عائدات البترول بسبب إغلاق الحقول والمرافئ النفطية من قبل مليشيات ليبية ساهم في إضعاف قدرة الدولة على الاستمرار في تمويل بند المرتبات بالميزانية. 

عدم القدرة على المنافسة

وبدأت ظاهرة البطالة تلقي بظلالها على المجتمع الليبي بعد ثورة السابع عشر من فبراير، وتحلل الأجهزة الشرطية والأمنية، وذلك بانتشار الجريمة المنظمة في ليبيا، حيث انتشرت ظاهرة السطو المسلح على السيارات وأموال المصارف المنقولة، وخطف أبناء رجال أعمال مقابل طلب فدية، فمدينة درنة الساحلية شرق ليبيا وحدها سجلت ست حالات اختطاف مقابل فدية في النصف الأول من شهر يوليو/تموز الجاري.

إلى ذلك انتشرت مشكلة كبيرة تواجه اليد العاملة في ليبيا، وهو افتقداها القدرة في منافسة اليد العاملة الأجنبية في سوق العمل الليبية من ناحية التدريب والتأهيل.

وبلغ عدد العاملين المصريين في قطاع الزراعة والبناء والحرف الفنية المختلفة نحو 2.5 مليون عامل مصري، في حين أن نسبة الليبيين العاملين في هذه القطاعات لا تتجاوز 50 في المائة من عدد الشباب العاطلين من العمل والبالغ عددهم حسب إحصائية تقريبية لوزارة العمل والتأهيل الليبية 170 ألف عاطل من العمل.

فالاستثمارات الأجنبية التي تعتمد على اليد العاملة المحلية وتساهم في تدريبها وتأهيلها تحتاج إلى بيئة مستقرة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً ودستورياً وقانونياً، وهي أمور غير متوافرة في الوقت الراهن في ليبيا على جميع المستويات السابقة، مع أن هناك حسب محللين اقتصادين يوجد فرص كبيرة للاستثمار في مجال الصيد البحري والصناعة واستخدام ليبيا كمنطقة وصل وعبور بين أوروبا وأفريقيا، إلا أن تردي الأوضاع الأمنية سيحول دائما دون جذب هذه الاستثمارات.

المساهمون