تجسس اقتصادي صيني يقلق الصناعة الألمانية

تجسس اقتصادي صيني يقلق الصناعة الألمانية

29 ابريل 2024
عامل يُنجز مجمع حراري كهروضوئي بالقرب من دريسدن، 15 أبريل 2024 (شون غالوب/ Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تم الكشف عن شبكة تجسس ألمانية تعمل لصالح الاستخبارات الصينية، مما أثار قلقاً بشأن أمن الشركات الألمانية وتأثير ذلك على أدائها، خاصة بعد شراء جهاز ليزر بتمويل صيني دون تصاريح وتسليم معلومات حساسة للصين.
- الاقتصاد الألماني يخسر حوالي 200 مليار يورو سنوياً بسبب التجسس الاقتصادي، مما دفع لمناقشات بين ممثلين حكوميين وقطاع الأعمال للتأكيد على ضرورة الحزم في التعامل مع هذه التهديدات والرقابة على العلاقات مع بكين.
- تم التأكيد على أهمية التكيف مع التهديدات الديناميكية للتجسس الاقتصادي الصيني وضرورة التدقيق في المشاريع المشتركة مع الصين، وسط تحذيرات من مخاطر التجسس الصناعي والسيبراني، خاصة عبر استخدام الهواتف الذكية دون تقنيات تشفير مناسبة.

أعاد الكشف عن شبكة تجسس ألمانية، الأسبوع الماضي، تعمل لمصلحة الاستخبارات الصينية، وضع مخاطر هذه التصرفات المتواصلة على أمن وأداء الشركات الألمانية على طاولة البحث، وهو ما استدعى موقفاً واضحاً من أي تجسس اقتصادي صيني على اقتصاد البلاد، خاصة بعدما ثبت شراء أعضاء الشبكة الثلاثة جهاز ليزر بتفويض وتمويل من بكين لا يسمح بتصديره دون الحصول على تصريح خاص بذلك، وتسليم الشبكة بكين معلومات تتعلق بالصناعات البحرية العسكرية الألمانية.

وتبين الدراسات أن الاقتصاد الألماني يتكبد نحو 200 مليار يورو كل عام من الأضرار الناجمة عن أنشطة تجسس اقتصادي صيني وغيره، حتى أن هناك شركات لا تنشر البيانات المتعلقة بهذه الأفعال، خوفاً من الإضرار بسمعتها. هذه الوقائع، استدعت إجراء مناقشات بين ممثلين عن مكتب حماية الدستور وقطاع الأعمال في برلين، الذين دعوا إلى عدم التراخي في التعامل مع تجسس اقتصادي صيني مستجد.

ولم يتردد نائب رئيس المكتب الفيدرالي سينان سيلين في التأكيد، وبكلمات واضحة، أنه من الواجب على رواد الأعمال أن يوازنوا ما بين الفرص والمخاطر الاقتصادية، وبالتالي فإن الأمر يعتمد على الحزم في الرقابة تجاه العلاقات التجارية مع بكين في ظل المخاطر المحتملة، بينها تنامي الصراعات الجيوسياسية، على سبيل المثال مع تايوان، ومدى تأثيرات ذلك على سلاسل التوريد، وتزايد الجرائم الإلكترونية والتجسس الصناعي.

وخلصت المناقشات، بحسب وسائل إعلام محلية، إلى أن من المهم ضرورة التكيف باستمرار مع مواقف التهديد الديناميكية الناتجة من تجسس اقتصادي صيني في أي وقت. وحول خصوصية العلاقة مع الصين، يشير خبراء ألمان لوسائل إعلام محلية إلى أنه يجب التمييز بين عالمين، عالم ترغب فيه الشركات الألمانية بممارسة أعمالها التجارية الجيدة، وعالم آخر يخص الشركات الصينية التي تعتمد كثيراً على السياسة أولاً، إذ يجب عليها الالتزام والتعاون مع الدولة، وهذا ما يشكل تحديا لنحو خمسة الاف شركة ألمانية تعمل في الصين، فضلاً عن الشركات التي لديها مستثمرون صينيون.

في هذا الإطار، قالت الخبيرة في شؤون العلاقات مع الصين بجامعة بريمن ساندرا هييب، في مقابلة مع شبكة "إيه أردي الإخبارية" أخيراً، إن القيادة الصينية معنية بشكل أساسي بضمان عدم اتساق الاقتصاد ككل على النحو الذي يجعل بكين أقل عرضة للخطر، وربما على العكس من ذلك، أكثر قدرة على إيذاء الآخرين أو أن تصبح خطرة عليهم. وفي خضم ذلك، أبرزت تقارير استقصائية، أنه يمكن الوصول الى المعلومات والبيانات والأنظمة الحساسة التي يفترض أنها ذات صلة وأهمية لشركة ما، على سبيل المثال عبر الأوراق العلمية والبحثية أو مواقع التواصل أو الويب التي زادت من مخاطر تجسس اقتصادي صيني لا سيما على القطاع الصناعي.

ومن أشكال التجسس الصناعي المستخدمة بشكل متكرر ما يسمى الهندسة الاجتماعية، وتقوم على التلاعب الاجتماعي بالأشخاص العاملين في الشركات من أجل الحصول على معلومات مهمة، وفي حالات أخرى يتم التنكر في هيئة صحافيين أو رجال أعمال أو دبلوماسيين، حتى إن هناك طريقة شائعة أخرى ترتكز على استئجار عملاء لتنفيذ أنشطة الخيانة، والتسلل إليهم باستخدام هويات مزورة. وتفيد معلومات أمنية لوسائل إعلام ألمانية بأن وجهة تجسس اقتصادي جديد بدت أكثر اهتماماً بالتكنولوجيات التي يمكن استخدامها عسكرياً، وتقنيات الدفع للصواريخ أو صواريخ الكروز، وكذلك تقنيات أشعة الليزر والرقائق الدقيقة والروبوتات وأنظمة الذكاء الاصطناعي.

وبحسب شبكة "إيه دي" الإخبارية فإنه في كثير من الأحيان لا يُستخدم التجسس فحسب، بل تُنقل المعرفة من خلال عمليات الاستحواذ على الشركات أو الاستثمارات المباشرة.
من جهة ثانية، تتزايد أهمية التجسس الاقتصادية، بعدما بات يلعب موضوع الأمن السيبراني دوراً متزايد الأهمية في العصر الرقمي، وأصبحت فيه تقنيات الاتصالات الحديثة والوسائط الإلكترونية أكثر عرضة لاستخدام البرامج الضارة من أي وقت مضى.

ويجري باستمرار تطوير نواقل هجومية جديدة تشكل مستوى مرتفعاً من الخطر باستمرار، وفي مقدمتها على الهواتف الذكية حيث يمكن نقل محتوى المحادثات إلى المهاجمين المحتملين، وتطلق تحذيرات بعدم استخدام الهواتف الذكية الخاصة مطلقاً لأغراض العمل أو حملها خلال الاجتماعات المهمة من دون تقنيات تشفير مناسبة، وفقاً للشبكة ذاتها. وكل ذلك يدفع إلى التنبه لكيفية التصرف استراتيجياً واتخاذ الاحتياطات اللازمة، وأهمها ما يخص عقود التسليم إلى خطط التطوير واتفاقيات الدفع مع الموردين.

وأمام كل ذلك، نقل موقع "ميسترفونغ" عن خبراء أن تدريب الموظفين يعد خطوة مهمة في مكافحة التجسس الصناعي، ويمكن أن تساعد المعرفة الشاملة بأنواع التجسس ومكافحة التخريب، مع التشدد في أن يكون كل موظف على علم بأن الإهمال في التعامل مع البيانات الحساسة للشركات يمكن أن تكون له عواقب خطيرة، وبالتالي التعاطي بوعي وباتباع إرشادات الأمان للحماية.

ومن العناصر المهمة لمفهوم الأمان الشامل، المراقبة المستمرة لجميع الخوادم أو مواقع الإنتاج التي توجد فيها المعلومات الأكثر أهمية للشركة، فضلا عن حماية جميع مواقع التخزين. والإجراءات يجب أن تضمن بأن يكون أمن تكنولوجيا المعلومات الخاص بالشركة محدّثاً دائماً، وبأعلى المعايير التقنية التي توفر المزيد من مزايا الأمان.

وتعبيراً عن حالة الغضب الألماني من التجسس الصيني دعت وزيرة التعليم والبحث الألمانية، بيتينا شتارك- فاتسينغر، الجامعات إلى التدقيق في أي مشاريع مشتركة مع الصين، وذلك في ضوء الاعتقالات الأخيرة التي تمت على خلفية مزاعم التجسس. وقالت السياسية الليبرالية لمجلة "فيرتشافتسفوخه" الألمانية الإخبارية يوم الأحد إن "اعتقال ثلاثة ألمان للاشتباه في تورطهم في أعمال تجسس، يوضح مجدداً بصورة جلية، أننا يجب ألا نكون ساذجين في تعاملاتنا مع الصين".

ووفقا للتقديرات يوجد حاليا في ألمانيا أكثر من 40 ألف طالب صيني، ويفترض مكتب حماية الدستور أن نسبة كبيرة من هؤلاء الأشخاص تربطهم علاقات وثيقة بالدولة الصينية، على سبيل المثال السفارة أو القنصليات، إلى مجموعات دردشة خاصة، وهذا ما ينطبق على أولئك الذين يُرسلون إلى ألمانيا من خلال برامج معينة للمنح الدراسية.

وكان قد ألقي القبض على ستة جواسيس مشتبه بهم في ألمانيا خلال هذا الشهر فقط، وسط سيل من مزاعم التجسس من قبل روسيا والصين. وكان الأمر محرجاً للغاية لحزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، لأن مرشحَيه، صاحبَي الحظ الأوفر للانتخابات الأوروبية في يونيو/حزيران، طاولتهما تلك المزاعم. واعتُقل مساعد عضو البرلمان الأوروبي ماكسيميليان كراه، الذي يترأس قائمة الحزب، للاشتباه في تجسسه لمصلحة الصين. كما اتُّهم جيان جي بأنه "موظف في جهاز المخابرات الصيني".

المساهمون