النفط الرخيص والحروب يفقران المنطقة العربية

النفط الرخيص والحروب يفقران المنطقة العربية

13 ديسمبر 2015
الفقر يتزايد في دولة العراق النفطية،(Getty)
+ الخط -


يبدو أن ما يدور الآن في العالم العربي، من حروب واستنزاف لأهم مورد اقتصادي بها وهو النفط، هو استمرار لإفقار المنطقة. إذ إن ثمة حقائق تقول إنه منذ الحرب العالمية الأولى والمنطقة العربية مكان لتصفية حسابات الكبار، حيث دفعت المنطقة من ثرواتها ومواطنيها الكثير، وعلى الرغم من ذلك لم تنل استقلالاً كاملا يتيح لها التمتع بمواردها لترسيخ مشروعات حقيقية للتنمية.

* استنزاف النفط

وتقاسي الدول العربية بسبب تراجع أسعار النفط لمستويات 40 دولارا للبرميل مقابل ما يربو على 115 دولارا للبرميل في صيف عام 2014، ما أفقد الدول النفطية وحدها على مدار عام واحد من تهاوي أسعار الذهب الأسود نحو 500 مليار دولار.

وفي الوقت الذي أدت فيه الأزمة إلى عجز بموازنات الدول النفطية بالمنطقة، وعزم بعضها على الاقتراض من الخارج، ساد الرخاء في الاقتصاد الأميركي فوصلت معدلات البطالة هناك لما دون نسبة 5%، واستقوى الدولار على معظم العملات الدولية، وأصبحت خطة مجلس الاحتياط الفدرالي رفع سعر الفائدة، بعد أن ظلت أميركا لنحو عقد من الزمن تستهدف سعر فائدة يتراوح ما بين صفر و0.25%، وكذلك منطقة اليورو بدأت تشهد تعافيًا وإن كان بطيئًا، بسبب الحصول على النفط الرخيص، أو ما يمكن أن نطلق عليه النفط بدون مقابل.

ويقول المحللون إن سعر دون 40 دولارا لبرميل النفط بالمنطقة، واستهداف أن يصل إلى ما دون الـ 30 دولارا خلال المرحلة المقبلة، من شأنه أن يؤدي إلى عدم إنتاج النفط في المنطقة لاعتبارات اقتصادية تتعلق بالتكلفة والعائد، ما يحيل إلى أن مشكلة انهيار أسعار النفط، هي إحدى أدوات إفقار، سواء كان ذلك من خلال مخططات الدول الكبرى، أو سياسات منظمة الأوبك، أو السياسات الوطنية لبعض الدول النفطية بالمنطقة، وبخاصة السعودية وإيران، فكلا الدولتين تخوضان حربا تدور رحاها في أروقة منظمة الأوبك، وكذلك في أسواق النفط، وفي الصراع على من ينتج أكبر كمية من النفط، ليستمر مسلسل انهيار الأسعار بالسوق الدولية.

ويدفع ثمن الصراع الدولي، أو الإقليمي بين الدول النفطية للمنطقة، المواطن، الذي بدأ يتوقع أياما عجافا، بدأت بالإعلان عن تبني سياسات صندوق النقد الدولي بضرورة ترشيد الدعم، بما فيها دعم الطاقة، وتقليص الوظائف الحكومية، واتجاه الدول النفطية بالمنطقة لتسريح العمالة الأجنبية، ووقف مشروعات استثمارية كانت تنتظر الدخول إلى مرحلة التنفيذ خلال هذه الأيام أو في السنوات القليلة القادمة.

* تأجيج الصراعات

شهدت المنطقة العربية حالة من عدم الاستقرار، منذ خمس سنوات مضت، بصورة تنبئ بأن القادم أسوأ، فالدول العربية بها حروب أهلية في كل من سورية واليمن وليبيا والعراق، وحالة شديدة من عدم الاستقرار السياسي والأمني في كل من تونس ومصر، أدت إلى فقدان الدولتين لأهم نشاط اقتصادي بهما وهو السياحة، فضلا عن تراجع معدلات الاستثمار الأجنبي.

وأصبح إنفاق المنطقة على التسليح من أعلى معدلات الإنفاق بين أقاليم العالم، في الوقت الذي يشقى فيه مواطنو هذه المنطقة من تبعات متطلبات الحياة، ويظهر ذلك من خلال معدلات الهجرة منها إلى باقي دول العالم، وبخاصة إلى الدول الأوروبية.

ومؤخرا، طلبت دولة الكويت من البرلمان اعتماد زيادة في مخصصات الإنفاق على التسليح على مدار السنوات العشر القادمة، في الوقت الذي تعلن فيه الكويت أن موازنتها ستشهد أكبر عجز مالي، وأنها ترتب للاقتراض الخارجي.

اقرأ أيضاً: مخاوف من تدهور الاحتياطي النقدي في العراق

وليست الكويت وحدها من تتجه لزيادة الإنفاق على التسليح، حيث ذكرت منظمة الشفافية الدولية أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن الإنفاق "السري" على التسليح في دول المنطقة، بلغ نحو 135 مليار دولار في عام 2014.

وأفادت المنظمة في تقرير بعنوان "مؤشر مكافحة الفساد في قطاع الدفاع" أن دول "الشرق الأوسط" زادت من إنفاقها "السري" في مجال الدفاع، حيث باتت تستحوذ حالياً على ما يقرب من 25% من الإنفاق الدفاعي المبهم في العالم.

وتستحوذ السعودية والإمارات على النصيب الأكبر من نفقات التسليح بالمنطقة، وكانت السعودية في المرتبة الرابعة عالميا في هذا الشأن.

ومن المحتمل أن كل هذه الدلالات تؤدي إلى نتائج سلبية سوف تظهر خلال الفترة القادمة، من ارتفاع معدلات العاطلين بالمنطقة، واستمرار عمليات نزوح المهاجرين إلى باقي دول العالم، واتساع دائرة الفقر، ولن يتوقف الأمر على الدول النفطية فقط، بل سينعكس كذلك على باقي دول المنطقة، إما بسبب الصراعات الداخلية، أو تأثرا بما يحدث من تراجع اقتصادية ومادي بدول الخليج على الدول غير النفطية.


* إيران وتركيا

لإيران حضورها الملحوظ في المشهد المتعلق بالصراعات بالمنطقة، وبخاصة في دول الربيع العربي بسورية واليمن، وكذلك في لبنان والعراق، وأيضا صراعها في دائرة النفط مع السعودية، ومهما يقال عن نتائج إيجابية متوقعة من اتفاق إنهاء العقوبات الاقتصادية عن إيران، فإن وجود طهران في دوائر الصراع المختلفة بالمنطقة، سوف يفرغ طاقات إيران من مضمونها اقتصاديا.

وتشير دلالات نتائج اجتماع أوبك الأخير، إلى أن الصراع الإقليمي باق لسنوات، وأن أطراف الصراع على استعداد لإهدار المزيد من الثروة النفطية، لتستمر دوامة أزمة انهيار أسعار النفط، إذ يقول المحللون إن بديهيات العرض والطلب، توضح أن اتخاذ قرار تراجع معدلات الإنتاج أصبح من الأوراق المهمة لإنقاذ سعر النفط في السوق الدولية، ولكن تحت دعاوى غامضة خرج قرار أوبك دون الحديث عن سقف للإنتاج، مما أدى لهبوط سعر النفط لما دون 40 دولارا للبرميل، ويتوقع أن يشهد مزيدا من الانخفاض.

أما تركيا، فتبدو على غير ما يظنه البعض من أنها بمنأى عما يدور بالمنطقة على الأقل على الصعيد الاقتصادي، فالتضييق الاقتصادي على أنقرة يوحي بأن ما يراد بهذه الدولة هو تجربتها الاقتصادية والتنموية، لأنها الورقة التي يُخاطب بها مواطنو المنطقة، والتي تركز على أن إمكانية النجاح اقتصاديا واردة، وتحققت على أرض الواقع في تجربة عمرها نحو 13 سنة في تركيا.

وقد عكست حالة النزاع الروسي التركي بعد حادثة إسقاط تركيا لطائرة روسية، مدة حساسية القضية الاقتصادية بتركيا، فتم اتخاذ قرارات من قبل روسيا بمنع السياحة لتركيا، وكذلك منع استيراد بعض السلع التركية، والأمر قابل للتصعيد في هذا المضمار.



اقرأ أيضاً:
تكهنات بقرب خفض الريال السعودي..ومصادر قريبة من السلطات تستبعد
السعودية: مؤشرات على تغيرات اقتصادية كبرى

المساهمون