العجز التجاري الأميركي مع الصين يتراجع بالتزامن مع المفاوضات

العجز التجاري الأميركي مع الصين يتراجع بالتزامن مع المفاوضات

08 نوفمبر 2019
هدوء على جبهة الحرب التجارية (Getty)
+ الخط -
تسير المفاوضات التجارية ما بين الصين وأميركا على طريق التوافق على خفض حدة الحرب التجارية ما بين عملاقي الاقتصاد العالمي. وزارة التجارة الصينية قالت الخميس إن بكين وواشنطن اتفقتا على مدى الأسبوعين الأخيرين على إلغاء رسوم جمركية تبادل البلدان فرضها في الحرب التجارية المستمرة منذ شهور على مراحل مختلفة. 

وشرح قاو فنغ المتحدث باسم الوزارة أنه يتعين على الصين والولايات المتحدة أن يتبادلا إلغاء بعض الرسوم من أجل الوصول إلى "أول مرحلة" من اتفاق التجارة.

وأضاف أن إلغاء الرسوم شرط مهم لإبرام أي اتفاق، وأن نسبة الرسوم الملغاة يتعين أن تكون متماثلة مع ضرورة التفاوض بشأن حجم الرسوم التي ستلغى. وتابع: "بدأت الحرب التجارية بالرسوم وينبغي أن تنتهي بإلغائها".

ويريد المفاوضون الصينيون من الولايات المتحدة أن تلغي رسوما بنسبة 15% على سلع صينية قيمتها نحو 125 مليار دولار بدأ سريانها منذ أول سبتمبر/ أيلول. ويسعون أيضا إلى إلغاء رسوم جمركية مفروضة في وقت سابق على واردات تشمل الآلات وأشباه الموصلات والأثاث قيمتها نحو 250 مليار دولار. وتضغط بكين على واشنطن لإلغاء جميع الرسوم في أقرب وقت ممكن. وقد يوقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ اتفاقاً خلال أسابيع في موقع لم يتحدد بعد.

ولكن ماذا عن تأثيرات التعريفات على الميزان التجاري الأميركي حتى الآن؟

في نتيجة مباشرة لبدء تنفيذ أحدث حزمة من التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب مطلع سبتمبر/أيلول الماضي بنسبة 15% على ما قيمته 111 مليار دولار من المنتجات الصينية، انخفض العجز التجاري الأميركي مع الصين بصورة واضحة، إلا أن ذلك لم يفلح في إقناع المواطن الأميركي أن بلاده انتصرت في الحرب التجارية مع الغريم الصيني.

وأظهرت البيانات الصادرة من وزارة التجارة الأميركية الثلاثاء انخفاض حجم التجارة بين الولايات المتحدة والصين في شهر سبتمبر الماضي، بعد أن انخفضت الصادرات الأميركية إلى الصين بنسبة 10% مقارنة بالشهر السابق، لتصل إلى أقل مستوى لها في خمسة أشهر.

وانخفضت واردات الولايات المتحدة من البضائع الصينية بنسبة 4.9% مقارنة بالشهر السابق، لتصل إلى 37 مليار دولار، وهو أقل مستوى لها منذ أكثر من ثلاثة أعوام، لينخفض العجز التجاري الأميركي مع الصين في البضائع والخدمات إلى 52.5 مليار دولار، وهو أقل مستوى له في خمسة أشهر أيضاً، بعد أن كان في أغسطس / آب الماضي 55 مليار دولار.

وعلى صفحته على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، عبر ويلبور روس، وزير التجارة الأميركي عن سعادته بالبيانات الصادرة، واعتبر أن "سياسات الرئيس ترامب تؤتي نتائجها".

وتزامناً مع إعلان وزارة التجارة الأميركية عن تراجع العجز التجاري مع الصين، أكد معهد بيترسون للاقتصاد الدولي بواشنطن، أحد أكبر مراكز الأبحاث غير الحزبية وغير الهادفة للربح في العالم، أن "التصعيد في فرض التعريفات تسبب في خسائر اقتصادية موثقة في البلدين"، محذراً من توسيع الصراع، كونه "لن يؤدي إلا إلى زيادة الخسائر، وسيمتد أثره إلى الاقتصاد العالمي".

واستخدم المعهد في دراسة حديثة صدرت قبل يومين، نموذجاً عاماً يمكن حسابه لتوازن الاقتصاد العالمي، افترض فيه ثلاثة سيناريوهات لتطور النزاع التجاري بين الاقتصادين الأكبر في العالم. ووفقاً للمعهد، عبر السيناريو الأول عن بقاء الوضع الحالي (كما في يونيو/حزيران الماضي) على ما هو عليه، بينما افترض السيناريوهان الآخران تطبيق الولايات المتحدة للتعريفات التي تم الإعلان عنها، ورد الصين بتعرفات انتقامية.

وتوقع المعهد حدوث بعض المتغيرات التي تضبط بها دول العالم علاقاتها التجارية مع بعضها البعض، بعد تطبيق التعريفات، وهو ما سيحتاج لفترة ثلاث إلى خمس سنوات، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة ستتحمل العبء الأكبر من تكلفة تلك التغيرات في مختلف السيناريوهات.

وقال المعهد إن "ارتفاع التعريفات يعني زيادة الأسعار وانخفاض الطلب من المستهلكين والمنتجين في الولايات المتحدة، وسيعني الأمر نفسه بالنسبة للمستهلكين الصينيين، إلا أنه لن يكون له تأثير مباشر على المنتجين الصينيين، بعد أن أعفت الصين بعض المنتجات الوسيطة من التعريفات الجمركية".

ومن ناحية أخرى، فقد توقع المعهد أن تتسبب السيناريوهات الثلاثة في انخفاض الصادرات والواردات في الولايات المتحدة، مؤكداً في الوقت نفسه أن ذلك لن يحدث في الصين "التي تمكنت من تحويل العديد من صادراتها إلى بلدان أخرى، بعيداً عن الولايات المتحدة، من أجل الحد من خسائرها الاقتصادية".

وأظهرت بيانات صادرة عن وزارة التجارة الأميركية أيضاً أن الشهور التسعة الأولى من العام الحالي شهدت تراجعاً في واردات الولايات المتحدة من الصين، بنسبة 13.5%، مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، الذي شهد تطبيق أول مجموعة من التعريفات الأميركية الجديدة.

وخلال نفس الفترة، انخفضت صادرات الولايات المتحدة إلى الصين بنسبة 14.6%، بعد أن فرضت الصين تعريفات انتقامية، وامتنع التجار الصينيون عن شراء المنتجات الأميركية.

وتوقع أندرو هانتر، كبير الاقتصاديين في مركز الأبحاث الشهير "كابيتال إيكونوميكس"، أن يتسبب التوصل إلى اتفاق بين العملاقين في زيادة الصادرات الأميركية، "خصوصاً أنه شمل اتفاقاً على زيادة استيراد الصين للمنتجات الزراعية الأميركية"، إلا أنه أشار إلى احتمالات وجود "تأثيرات سلبية للنزاع التجاري بين البلدين مجدداً خلال الربع الأخير من العام".

غير أن تلك التوقعات كانت قبل إعلان وكالة رويترز يوم الأربعاء، نقلاً عن مسؤول رفيع في الإدارة الأميركية، عن تزايد احتمالات تأجيل لقاء ترامب ونظيره الصيني شي جينبينغ، للتوقيع على الاتفاق التجاري المبدئي، إلى شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل. وينوي ترامب تطبيق تعريفات جديدة، على ما قيمته 160 مليار دولار من المنتجات الصينية، وتشمل هذه المرة منتجات إلكترونية وهواتف محمولة، في ديسمبر/كانون الأول المقبل، لو لم يتوصل الطرفان إلى اتفاق قبلها.

وعلى نحوٍ متصل، وفي دليل على تعقد حسابات المكسب والخسارة المرتبطة بالحرب التجارية بين العملاقين، أظهر تحليل البيانات الصادرة من وزارة التجارة الأميركية حصول السلطات الأميركية على 7 مليارات دولار من التعريفات الجمركية، خلال شهر سبتمبر / أيلول من العام الحالي، الذي شهد مطلعه بدء تطبيق تعريفات جديدة.

وأكد التحليل، الذي نقلت جريدة وول ستريت جورنال نتائجه عن شركة الاستشارات الاقتصادية تريد بارتنرشيب، أنه في حين مثلت تلك الحصيلة، التي تعد الأعلى في أي شهر في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، والتي يخص الواردات من الصين ما يقرب من 5 مليار دولار منها، ميزة كبيرة للحكومة الأميركية، التي تعاني من تزايد عجز موازنتها، وارتفاع دينها العام، اعتبر العديد من المحللين أنها تمثل عبئاً متزايداً على الشركات الأميركية التي تستورد المنتجات الصينية، وزبائنها.

وفي الوقت الذي زادت فيه حصيلة التعريفات، ارتفعت أيضاً التكاليف المترتبة على الحرب التجارية، والتي اضطرت الحكومة الأميركية لتقديم تعويضات للمتضررين منها، لتجنب غضبهم، ولضمان أصواتهم في أي انتخابات مقبلة.

وخلال الشهور الاثني عشر الأخيرة، دفعت وزارة الزراعة الأميركية ما لا يقل عن 28 مليار دولار للمزارعين الأميركيين لتخفيف خسائرهم، بعد انخفاض صادراتهم إلى الصين، بسبب الحرب التجارية والتعريفات المفروضة على منتجاتها. ويقول دان أنتوني نائب رئيس شركة الاستشارات إن هذا المبلغ لا يمثل إلا العبء المباشر لفرض التعريفات، وهو ما يعد أقل كثيراً من عبئها الحقيقي، "كونه لا يشمل تكلفة البحث عن بدائل للموردين، وتحمل تكاليف إنتاج أعلى في بعض الأحيان".

المساهمون