العراق حديقة خلفية لتسويق منتجات إيران

العراق حديقة خلفية لتسويق منتجات إيران

07 يوليو 2016
سوق بغداد أصبح نافذة لتسويق منتجات الخضر والحبوب الإيرانية(Getty)
+ الخط -
أصبح العراق أحد أهم المصادر المنشطة للاقتصاد الإيراني، والمركز المهم للاستثمارات الإيرانية التي تشمل قطاعات مختلفة فيه، في وقت تتجنب شركات دول أخرى الدخول في استثمارات بالعراق لعدم توفر الأمن الكافي لممارسة نشاطاتها الاستثمارية.
وتعتبر خطورة عمل الشركات الأجنبية في العراق فرصة لإيران لتكون البديل لتلك الدول، وهو ما أدى إلى دخولها مجمل القطاعات الاقتصادية في البلاد.
وتجد الشركات الإيرانية الأبواب أمامها مفتوحة لعقد اتفاقيات مباشرة مع إدارة المحافظات العراقية، لا سيما الجنوبية، التي تعرف استقراراً أمنياً كبيراً مقارنة بمحافظات أخرى، سعياً للاستثمار فيها.
ففي مايو/ أيار الماضي، ذكرت شبكة معلومات البترول والطاقة الإيرانية، أن رئيس غرفة التجارة الإيرانية - العراقية يحيى على إسحاق، حث المستثمرين الإيرانيين على زيادة الاستثمار والتجارة مع محافظات جنوب العراق، ومن بينها البصرة (450 كلم جنوب بغداد).
وقال المسؤول إن محافظة البصرة العراقية سوق جيدة لتصدير السلع الإيرانية، ومن بينها النفط والغاز والطعام ومواد البناء والخدمات الفنية والهندسية.
ودعا المسؤول الإيراني إلى إقامة علاقات أوثق بين إيران والعراق، وحث على تسهيل الجمارك والتأشيرة والصناعة المصرفية والنقل والشؤون الأخرى ذات الصلة بالتجار ورجال الأعمال العراقيين والإيرانيين.
من جانبه، قال مسؤول الشؤون العراقية في هيئة تنمية التجارة الإيرانية مهدي نجات نيا، إن شركات إيرانية استأجرت أخيراً أراض زراعية في العراق.
وحسب تصريحاته لوكالة "إرنا" الإيرانية، استأجرت هذه الشركات الأراضي في محافظة واسط العراقية (160 كلم جنوب شرق بغداد)، وبدأت تنتج فيها أنواعاً عديدة من المنتجات الزراعية. وأضاف نجات نيا، أن الحكومة المركزية في بغداد تدعم هذه الشركات، بهدف زيادة الاستثمارات الأجنبية في البلاد. ودعا المستثمرين الإيرانيين إلى اغتنام الفرصة ورفع مستوى استثماراتهم في السوق العراقية.

المراقد الدينية والاستثمار

كذلك تعتبر المراقد الدينية "الشيعية" أهم أماكن الاستثمارات الناجحة في العراق، وهو ما سعت إيران لترسيخ قوائمها الاقتصادية في المدن التي تضم "المراقد"، وأهم الاستثمارات الإيرانية في تلك المدن كانت في القطاع السياحي.
وهو السبب الذي يراه مراقبون، يقف وراء سعي "المليشيات" للسيطرة على مرقدي الإمامين العسكريين في سامراء (الإمامان العسكريان علي الهادي المتوفى سنة 868 ميلادية، وابنه الحسن العسكري المتوفى سنة 874، وهما من الأئمة الـ12 الذين يعتقد الشيعة بعصمتهم).


يشار إلى أن عملية تفجير منظمة حدثت في فبراير/ شباط 2006 استهدفت ضريح الإمامين علي الهادي والحسن العسكري، وكان التفجير الشرارة التي أدت إلى اشتعال الفتنة بين الشيعة والسنة في العراق، حيث كانت بغداد مسرحاً لأعمال التصفية الطائفية.
واليوم تلعب المليشيات دوراً مهماً في تأمين "المرقدين العسكريين" وجميع المراقد "الشيعية" الأخرى في باقي المحافظات، حيث تعتبر المناطق التي توجد فيها تلك المراقد من أهم مصادر الدخل بالنسبة للمستثمرين، لارتفاع الوافدين إليها بأعداد كبيرة، وهو ما جعل السياحة الدينية رافداً مهماً من روافد الاقتصاد.
ومن أبرز المراقد الدينية في العراق مرقد الإمام علي بن أبي طالب في النجف (160 كلم جنوب بغداد)، ومرقدا ولديه الحسين والعباس في كربلاء (105 كلم جنوب غرب بغداد)، وموسى بن جعفر وحفيده محمد الجواد (شمال غربي بغداد)، بالإضافة إلى مرقدي علي الهادي وولده الحسن العسكري في سامراء (110 كلم شمال بغداد).

السوق العراقية والمنتوجات الإيرانية

وبحسب مراقبين، فإن بقاء الإنتاج العراقي معطلاً يصب في صالح إيران، التي أغرقت السوق العراقية بمختلف المنتجات، حتى الرديئة منها، حيث تخلصت منها الأسواق الإيرانية لتصرفها في أسواق الجارة الغربية لها.
إيران أصبحت أكبر المستثمرين في العراق منذ عام 2003، إذ وصلت الاستثمارات الإيرانية في العراق إلى ما يقارب 12 مليار دولار، وتوجد 4 مصارف مشتركة بين الدولتين لتعزيز التدفقات المالية، وتتولى الشركات الإيرانية مشاريع بناء 4 ملايين وحدة سكنية في العراق، بحسب تقرير للمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية نشر في مطلع مارس/ آذار 2015.

ولم تحصل إيران على تلك الفرصة، التي من خلالها وزعت شركاتها ومستثمريها في مختلف القطاعات العراقية، لولا فرض وجودها داخل البلاد، من خلال شخصيات سياسية وأحزاب ومليشيات موالية لها، بحسب المحلل السياسي محمد الأمين.
الأمين يرى، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن إيران كانت تخطط منذ سنين طويلة للسيطرة على العراق، وحققت رؤيتها بتولي الشخصيات المعارضة والأحزاب والمليشيات المسلحة التي كانت تأويها طهران منذ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي الحكم في العراق بعد 2003.
وأضاف: "تلك الشخصيات والأحزاب ما زالت تعتمد إيران مرجعاً لها في تسديد رؤيتها، وهو ما نشهده في كل خلاف ينشب بين تلك الجهات السلطوية التي تربت داخل إيران، إذ نراهم يسافرون نحو إيران ليعودوا مرة أخرى وقد صَفّروا مشاكلهم".
وبيّن أن "المليشيات صارت هي من تملك القوة ودونها القوات الأمنية الرسمية؛ والسبب أن المليشيات هي ذراع إيران العسكري في العراق، ومن يقود المليشيات تلك هم مقاتلون سابقون في المعارضة العراقية التي كانت تحتضنها إيران، وأثبتوا ولاءهم لها، لذلك فإن المليشيات وقادتها يعتبرون إيران خطا أحمر".
وكان لإيران، بحسب مطلعين، دور بارز في هروب الشركات الاستثمارية الأجنبية من العراق، إذ تمارس المليشيات المسلحة عمليات ابتزاز للشركات الأجنبية التي تقدم للعمل في البلاد.
وفي وقت سابق، ذكرت مصادر لـ"العربي الجديد"، أن شركات كانت تسعى لإنجاز مشاريع في الاتصالات والبنى التحتية، تأكدت أنها ستجازف بسمعتها في حال وافقت على الدخول إلى الساحة العراقية، التي كانت خلال السنوات الماضية غنية بالمشاريع العملاقة الواعدة بوجود ميزانيات ضخمة بسبب ارتفاع أسعار النفط حينها.
وقال عبد الخالق الدايني، أحد المستثمرين العاملين في قطاع الاتصالات والمشاريع الكهربائية، إن جميع الشركات الأجنبية التي عملت وتعمل في العراق "تدفع حصصاً للمليشيات لأجل استمرار أعمالها في العراق".
وأضاف لـ"العربي الجديد"، أن "بعض الشركات الأجنبية التي أنجزت مشاريع في العراق صارت تربطها علاقات مع شخصيات كبيرة في المليشيات، تدفع لها مبلغاً مالياً أو نسبة من الأرباح مقابل عدم تعرضها لمضايقات من قبل فصائل أخرى".
وهو ما أكده قائد في مليشيا "سرايا السلام" التي تتبع لقائد التيار الصدري مقتدى الصدر، بالقول إن "عمليات الابتزاز ليست عشوائية بل مخطط لها من قبل قيادات تلك المليشيات".
وأضاف حميد السماوي، لـ"العربي الجديد"، أن "جميع الشركات الأجنبية تتعرض للابتزاز، ولم تستطع الحكومة العراقية ردع تلك المليشيات، لأنها تعلم قوتها ومن يقف وراءها (في إشارة إلى إيران)"، لافتاً النظر إلى أن "الشركات الإيرانية هي الوحيدة التي لا تتعرض للابتزاز".

المساهمون