2014.. عام الاقتصاد المجتمعي التبادلي

2014.. عام الاقتصاد المجتمعي التبادلي

29 ديسمبر 2014
سائقو سيارات الأجرة بباريس يحتجون ضد نظام "أَبر"(فرانس برس)
+ الخط -

حملت السنة الماضية 2014 تجربة أميركية ريادية في مجال الاقتصاد المجتمعي التبادلي. تجربة انتقلت سريعا إلى عدد من البلدان الأوروبية، بالرغم من الاعتراضات والعثرات التي واجهتها، وخصوصا من
أصحاب المصالح في مجالات مختلفة، وخصوصا خدمة التوصيل "التاكسي"؛ إذ احتج هؤلاء وبشدة على انتشار تبادل الخدمات بين المواطنين بعيدا عن احتكار شركات تسيير سيارات الأجرة (التاكسي) والتي تعتبر في بعض البلدان باهظة التكلفة.

خدمة "أَبر" (Uber) هي واحدة من تلك التي اختارها مواطنون لتبادل الخدمات في مجال التوصيل، بتكاليف رمزية وتبادلية أحيانا.

عالمياً، باتت ظاهرة "أَبر" تجد قبولا من خلال الإقدام على عرض الأفراد خدماتهم أو تأجير سياراتهم وما لديهم بدون وسطاء وسماسرة، بحيث يعتبر هؤلاء المواطنون أنفسهم هم اللاعبين التجاريين، وليس الوسطاء والشركات.

يتوقع الخبراء بأن تصبح ظاهرة الاقتصاد المجتمعي التبادلي ظاهرة عالمية بحلول عام 2025، تستغني عن ما هو متعارف عليه بين الناس في المجتمعات. وتتوقع شركة "بي دبليو سي" للحسابات أن يصل حجم التبادل المجتمعي إلى 340 مليار دولار، بعد 9 سنوات من الآن.

تلك التقديرات دفعت خبراء في مجال التبادل الاقتصادي الغربي إلى أخذ الظاهرة على محمل الجد، وذلك بعد أن كان يتعامل البعض معها كنوع من الصرعة العابرة.

في عدد من الدول الاسكندنافية، على سبيل المثال، باتت عولمة الخدمة التبادلية تشق طريقها وبقوة. وبحسب أكبر بنوك دول الشمال الأوروبي "نورديا"، فإنه وخلال فترة بسيطة، 6 أشهر منذ انطلاقها، أصبح ما بين 3% و4% من مواطني الدول الاسكندنافية يتعاملون فيما بينهم بدون وسطاء على صعد مختلفة، منها استئجار وتأجير ومشاركة السيارات والسكن والثياب وغيرها من الأمور.

وفي بحث قامت به مسؤولة اقتصاد المستهلكين في المصرف المذكور، آن ليهمان، أشارت فيه إلى أن نسبة المعارضين لهذا النوع من الاقتصاد المجتمعي لا تتعدى 22 بالمئة. وهذا يعني أن 3 من 4 أشخاص يوافقون على انتشار هذا الاقتصاد والمشاركة فيه، وعلى إمكانية الاستفادة المستقبلية منه.

أحد الخبراء الاقتصاديين، كلاوس سكوتا، عبر في برنامج تلفزيوني متعلق بانتشار هذا النوع من الاقتصاد عن أن "قفزة نشهدها في عملية المنفعة المتبادلة بين المواطنين". واعتبر الخبير في الاقتصاد المجتمعي أن "المسألة مسألة وقت ليس إلا، فنحن أمام انتشار محموم للظاهرة يذكرنا ببدايات مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصا "فيسبوك"، عند اكتشاف الناس له، ففي بداية الألفية لم يكن كثيرون قد فتحوا حسابات، ولننظر الآن أين نحن؟ فما بالك لو كانت المنفعة محسوسة؟".

ومثل أي شيء جديد لا بد أن يعارضه كثيرون، راح معارضون ألمان يرفعون شكاوى على نظام "أَبر"، باعتباره يضر بمصالحهم. تم إيقاف الخدمة في ألمانيا بداية، ثم ومن خلال حكم قضائي في فرانكفورت، في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، أعطيت الخدمة حقا قانونيا للعمل، بعد أن خسرت نقابات سائقي الأجرة الدعوى القضائية، بحجة "القيادة الرعناء، والإضرار بالمصالح". عادت خدمة أَبر لتنتشر من جديد في برلين أيضا وبقية المدن الألمانية.

اخترع مشجعو هذه الخدمات نظام تقييم للسائقين الجيدين، والتحذير من سائقين آخرين، حتى يتقيدوا بسياقة جيدة، ولا يفقدوا مكانهم أو يوصموا بعدم اللياقة، مما يفقدهم الاحترام والمنفعة في تبادل الخدمات.

وإلى جانب الخدمات المحلية، تنتشر في هولندا وغيرها من الدول الأوروبية ظاهرة التوصيل بين بلدان الاتحاد. فلنفترض أن شخصا سيسافر بسيارته من لاهاي أو أمستردام باتجاه كوبنهاجن أو ستوكهولم شمالا، هو أو هي يضعان إعلانا يعرض على من يرغب في السفر معه أو معها مبلغا زهيدا (بين 30 و40 يورو)، وهو أقل من عشر تكلفة طائرة أو قطار.

ما يزعج سائقي سيارات الأجرة، خسارتهم لزبائن كثيرين، لمصلحة سيارات مواطنين ينضمون إلى تلك الخدمة. فسائقو سيارات الأجرة في المدن الأوروبية الرئيسية كانوا يراقبون، في عملية تضامن بيني، أية سيارة خصوصي تقوم بتوصيل مواطنين في إجازات نهاية الأسبوع، لتبلّغ عن السيارة وتوقفه الشرطة مع غرامة مالية ضخمة. أما الآن فهؤلاء الذين يرغبون في تقديم خدماتهم، فلم يعودوا يخشون تسلط سائقي سيارات الأجرة عليهم.

لا تتوقف الخدمة التبادلية عند التوصيل فحسب، بل تمتد إلى كثير من الأمور التي تنتشر بسرعة. فيمكن لعائلة ما تريد زيارة بلد أو مدينة أن تعرض سكنها على عوائل أخرى لتتبادلا الشقة أو المنزل بدون وسطاء. وهذا أمر يوفر على هؤلاء الاستئجار والإقامة في الفنادق.

وتنتشر الآن خدمة انستاكارت (Instacart) في بعض المدن الأوروبية، بعد أن كانت قد بدأت في الولايات المتحدة. وتعتمد على هذه الخدمة على قيام أشخاص في مناطق سكنية معينة بالتسوق لأشخاص آخرين لا يعرفونهم، وتوصيل ما تم حجزه مقابل مبالغ زهيدة يقوم بها الموصل، كعامل حر غير ملتزم بدوام معين. ظاهرة تقلق أيضا شركات محتكرة لهذه الخدمات، بينما يعتبرها بعض الشباب مشاركة اجتماعية تقوي الروابط والخبرة، خصوصا أن الشخص يتسوق كما لو أنه يفعل لنفسه حين يختار المطلوب.

خدمة "غو مور" (GoMore) تنضم أيضا إلى الخدمات الأخرى في سياق الاقتصاد المجتمعي التبادلي. فهي تعتمد على "إعارة مقاعد السيارات" أيضا بلا وسطاء، وقد لا يكون المقابل ماديا دائما، بل يمكن أن يكون خدمة مسجلة لتبديلها بخدمة توصيل مستقبلية. وتشمل أيضا السفر الداخلي بشكل جماعي. وفقط خلال أيام عيد الميلاد كان ألف شخص يستفيدون من هذه الخدمة يوميا في بلد كالدنمارك، التي انضم فيها 200 ألف مواطن إلى هذه الخدمة، هذا عدا عن البلدان الأخرى كالسويد وهولندا وفنلندا التي تنتشر فيها هذه الخدمات.