مصر.. الاستثمارات الأجنبية لا تعرف طريق المواطن

مصر.. الاستثمارات الأجنبية لا تعرف طريق المواطن

03 يوليو 2016
قطاع التشييد والبناء استحوذ على 6% من الاستثمارات
+ الخط -

تعيش مصر حالة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي، تزايدت بشكل كبير بعد وقوع الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013، ولعب الإعلام المصري دورا رئيسيا في تصدير المظاهرات والاحتجاجات الرافضة للانقلاب العسكري على أنها أعمال عنف وإرهاب، مما ساهم في تكوين مناخ سلبي طارد للاستثمارات الأجنبية المباشرة، إلى جانب عدة معوقات بيروقراطية أخرى أدت إلى هروب جماعي للمستثمرين الأجانب، فضلا عن زيادة معدلات الفساد ومزاحمة الجيش المصري للقطاع الخاص في مختلف المجالات الاقتصادية.

وتعد الاستثمارات الأجنبية المباشرة هي أحد مصادر الاقتصاد المصري الرئيسية الخمسة من النقد الأجنبي، بجانب السياحة والصادرات وقناة السويس وتحويلات المصريين في الخارج، لكنها تحتاح إلى مناخ استثماري آمن ومستقر ومشجع على المنافسة والاستثمار في قطاعات اقتصادية متنوعة تساهم بدورها في زيادة الإنتاج وتوفير فرص العمل.

وتشير بيانات البنك المركزي المصري إلى أن صافي الاستثمار الأجنبي المباشر الداخل إلى مصر بلغ نحو 4.1 مليارات دولار خلال العام المالي الأول من عمر الانقلاب العسكري ( 2013/ 2014 )، ونحو 6.4 مليارات دولار خلال العام المالي ( 2014 /2015 )، ووفقا لتقرير الاستثمار العالمي " الأونكتاد"، بلغ نحو 6.9 مليارات دولار خلال العام المالي (2015 /2016).

وأكد البنك المركزي أن قطاع البترول يستحوذ على 60.4% من هذه الاستثمارات، بينما قطاع الصناعة يحصل على النسبة الأدنى 2.1%، وقطاع التشييد والبناء 6%، والقطاع العقاري 6.9%.، وربما تجيب هذه النسب عن التساؤلات حول عدم شعور المواطن المصري بالمليارات، التي تتغنى بتدفقها الحكومة المصرية، وعدم انعكاسها على تحسين مستويات الدخل المتدنية، وضعف مردودها على التشغيل وضآلة مساهمة هذه المليارات في الناتج المحلي.



وقال خبراء الاقتصاد أن قطاع استخراج النفط الذي تتركز فيه الاستثمارات الأجنبية المباشرة،  لا يخلق فرص عمل بالحجم الذي تحتاج إليه مشكلة البطالة في مصر، كما أن قطاع الصناعة الذي تحتاج إليه مصر بشكل ضروري وملح، يحصل على أقل حصة من الاستثمارات الأجنبية، وهو الأمر الذي يفقد الاستثمارات الأجنبية بشكل عام مضمونها.

وانتقد الخبراء تدهور بنية البيئة الاقتصادية في مصر، متسائلين كيف تتحدث الحكومة عن جذب المزيد من الاستثمارات الجديدة، ولديها آلاف المصانع المغلقة، وتعاني المشروعات القائمة من مشاكل كبيرة تعجز الحكومة عن حلها، في ظل عدم الاستقرار الأمني والسياسي الذي أدى إلى هروب جماعي للعديد من المستثمرين والشركات الكبرى كبّد الاقتصاد المصري خسائر باهظة وفاقم من سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في البلاد.

وقال الرئيس التنفيذي لجمعية رجال الأعمال في الإسكندرية، معتز الطباع، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن أية استثمارات أجنبية في مصر حاليا، هي إما لمصالح سياسية أو مجاملات من بعض الدول أو بمثابة تحضير لفرص استثمارية، وبالتالي فهي ليست استثمارات حقيقية وإنما هي لتحقيق مكاسب وقتية معينة، مؤكدا أنه لا توجد في مصر أية معايير للاستثمار، لأن كل القوانين القائمة تنفر المستثمر.

وبعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013 توسعت الحكومة المصرية في مصادرة وتأميم العديد من الشركات والمصانع، بزعم دعمها جماعة الإخوان المسلمين، وقامت بحبس وملاحقة رجال أعمال إخوانيين وغير إخوانيين، مما أعطى انطباعا سلبيا للمستثمر الأجنبي عن السوق المصرية.

 وقال أبو العلا أبو النجا، نائب رئيس اتحاد جمعيات المستثمرين، في تصريحات خاصة، إن إجراءات المصادرة "زادت عن الحد"، وأثرت على سمعة مصر خارجيا، لافتا إلى أن المستثمرين الأجانب يتابعون عن كثب الأوضاع السياسية والاقتصادية في مصر، ويسألون شركاءهم المصريين أو المتعاملين معهم عن حقيقة الأوضاع في مصر، التي تصل أحيانا لهم بشكل مبالغ فيه، وبالتالي يؤجلون قرارات الاستثمار.

وكشفت بيانات البنك المركزي المصري عن خروج استثمارات أجنبية مباشرة من مصر، قيمتها 9.874 مليارات دولار، خلال الفترة من بداية يوليو 2013 وحتى نهاية ديسمبر 2014 أي بعد عام ونصف العام من عمر الانقلاب العسكري.

وفي ظل تدهور الأوضاع الأمنية وتراجع المؤشرات الاقتصادية، تزايد، خلال السنوات الثلاث الماضية، إعلان العديد من الشركات العالمية الخروج من السوق المصرية، لأسباب عديده كان أبرزها نقص الدولار من السوق، وعجز الشركات عن تدبير احتياجاتها من المواد الخام ومستلزمات الإنتاج من الخارج، فضلا عن زيادة الضرائب وارتفاع الرسوم الجمركية.


وأكد مستثمرون لـ"العربي الجديد" أن ازدياد خروج الشركات الأجنبية يتناقض مع أعلنته الحكومة عن نجاح مؤتمر شرم الشيخ، الذي عقد في منتصف شهر مارس/آذار 2015 ، في الترويج للاقتصاد المصري، وإقناع المستثمرين باستقرار الأوضاع في مصر.

وحسب تصريحات سابقة لرئيس الوزراء المصري، إبراهيم محلب، فإن الحصيلة النهائية للاستثمارات والقروض، التي حصلت عليها مصر في المؤتمر، بلغت 60 مليار دولار، معظمها كانت مجرد مذكرات تفاهم أصبحت غالبيتها هي والعدم سواء بعد مرور ما يقرب من العام ونصف العام من توقيعها ولم يُنفَّذ منها شيء.

ورصد "العربي الجديد" إعلان خروج نحو 12 شركة عالمية، و7 بنوك دولية، وأكثر من 20 شركة مقالات، وشركات أخرى صينية وهندية وإيطالية وكورية، وعدد من شركات الأدوية، فضلا عن شركات أجنبية أعلنت عزمها على الخروج من السوق المصرية، لنفس الأسباب سالفة الذكر.

وارتفعت في عهد الانقلاب العسكري معدلات انسحاب البنوك الأجنبية من مصر، حيث أعلن بنك باركليز مصر" Barclays Egypt " انسحابه وتصفية أعماله من مصر بشكل رسمي، وفي مايو 2014 قال البنك الوطني العماني إنه حصل على موافقة البنك المركزي المصري للخروج من السوق المصرية، وفي يناير/كانون الثاني 2015 قال البنك العربي الأفريقي الدولي إنه نجح في إبرام اتفاق للاستحواذ على أصول بنك (نوفا سكوشيا) الكندي بمصر بعد خروج الأخير.

وفي منتصف 2015 وافق البنك المركزي المصري على طلب بنك بيريوس مصر، الخروج من السوق المصرية، بعد أن جدد الأخير طلبه الخروج دون توضيح أسباب البنك الرئيسي في اليونان، وسبقه بنك سوسيتي جنرال، وبي.إن.بي، الفرنسيان، بعدما قررا بيع وحدتيهما في مصر لمجموعة QNB القطرية وبنك الإمارات "دبي الوطني".

وأكد مصرفيون أن ازدياد خروج عدة مصارف أجنبية سيحدّ من التمويل، الذي يحصل عليه القطاع الخاص، باعتبار أن المصارف الحكومية تركز بشكل أكبر في توجيه سيولتها منذ فترة لشراء السندات وأذون الخزانة، التي تطرحها الحكومة لتمويل عجز الموازنة.

وعلى صعيد الشركات، أعلنت عدد من الشركات العالمية خروجها من السوق المصرية أو عزمها على الخروج، بعد الانقلاب العسكري، منها جنرال موتور، مرسيدس، إنتل، نستلة، أكتس، باسف، رو، توماس كوك، رويال داتش شل، أباتشي كورب، إليكتروليكس، وياهوو، إلى جانب شركات أخرى من جنسيات مختلفة، صينية، هندية، إيطالية، وكورية، لها استثمارات في قطاعات اقتصادية مختلفة.

وقال رئيس مجلس الأعمال المصري القطري، محرم هلال، في تصريحات صحافية، إن شركات صينية، كورية، هندية، فرنسية، نرويجية، وإيطالية، تدرس الانسحاب من السوق المصرية بسبب أزمة الدولار، لافتا إلى أن هذه الشركات كانت تتأهل لإنشاء 80 مشروعا لتوليد الكهرباء من خلال مزارع الرياح والشمس بتكلفة 6.4 مليارات دولار.

وعلى صعيد الاستثمارات الخليجية المباشرة في مصر، فإنه وعلى الرغم من ضخ الدول الداعمة للانقلاب العسكري، مساعدات مالية كبيرة ومنحاً واستثمارات مباشرة وقروضاً بمليارات الدولارات، إلا أن هذه الأموال لم تؤت ثمارها، ولم تحقق قيمة مضافة للناتج المحلي، ولم يشعر بها المواطن المصري.

وقدرت المبالغ الخاصة بالمنح والمساعدات النفطية والودائع والقروض الخليجية لمصر في عهد الانقلاب العسكري بأكثر من 60 مليار دولار إذا ما أضيف إليها القرض السعودي الضخم، الذي تم توقيعه خلال زيارة العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، إلى القاهرة والبالغ 23 مليار دولار بسعر فائدة 2% سنويا لتمويل احتياجات مصر البترولية لمدة خمس سنوات قادمة.

وعلى الرغم من الوعود الخليجية المبالغ فيها للاستثمار المباشر في مصر، وخاصة من الدول الداعمة للانقلاب العسكري، إلا أن غالبية هذه الوعود ذهبت أدراج الرياح، ولم يتحقق منها شيء حتى الآن، لأسباب سياسية متعلقة بالأوضاع في مصر، وأخرى متعلقة بتهاوي أسعار النفط، وتأثيره على موازنات الدول الخليجية.

ولعل في الأسباب المتعلقة بالأوضاع في مصر ما ذكره رجل الأعمال السعودي، وواحد من أقدم المستثمرين العرب في مصر، الشيخ عبد الرحمن الشربتلي، في مقابلة صحافية أواخر فبراير/شباط الماضي، قال فيها : "إن مصر يحكمها الموظفون ولو كنا وضعنا أموالنا ودائع في البنوك لكان الوضع أفضل كثيرا"، مؤكدا انسحاب عدد من شركائه ممن رأوا صعوبة الوضع وعدم القدرة على التكيف معه.

وأكد الشربتلي أن مصر ليست مؤهلة لاستقبال الاستثمارات الضخمة، لا سياسيا ولا اقتصاديا ولا تشريعيا، وليس لديها من البنية التحتية ما يجعلها قادرة على استقبال استثمارات، متسائلا كيف لدولة تدعو العالم في المؤتمر الاقتصادي إلى الاستثمار فيها، وفي اليوم الثاني يصدر البنك المركزي قرارات تجعل الحد الأقصى للسحب والإيداع عشرة آلاف دولار؟ فهل كل جهة تعمل بمفردها؟

وأوضح أن المستثمر في مصر يضيع 80% من وقته وجهده في الركض وراء الوزراء والمسؤولين لتخليص إجراءات، والحصول على موافقات لتسيير أعماله، بدلا من بذل هذا الجهد، والوقت في توسيع استثماراته والتفكير في تعظيم موارده، لافتا إلى أن المستثمرين تحولوا إلى متسولين، كما لا توجد رغبة لدى المسؤولين في التوقيع على أية ورقة، وانتشار الأيدي المرتعشة، وعدم وفاء الدولة بتعاقداتها.

وكانت الإمارات قد أعلنت مؤخرا أن حجم مساعدتها لمصر بلغ في عام 2014 نحو 3.2 مليارات دولار، من إجمالي 5.8 مليارات دولار قدمتها الإمارات لمصر خلال الفترة من 2010 إلى 2014.

ورصد محللون تغير سياسة  الاستثمارات والمساعدات الخليجية السخية لمصر منذ بداية عام 2015، مؤكدين أنها تحولت من منح ومساعدات غير مشروطة إلى قروض بفوائد مرتفعة، وذلك على خلفية ما تعانية دول الخليج من أزمات اقتصادية بسبب انخفاض أسعار النفط.

وبعد ثلاث سنوات من عمر الانقلاب العسكري، يبقى التساؤل مطروحا في الشارع المصري، والأوساط الاقتصادية، أين تذهب عشرات المليارات التي تعلن عنها الحكومات المتعاقبة؟ وأين ذهبت المساعدات الخليجية في ظل الحديث عن عدم دخولها خزينة الدولة أو استفاد منها المواطن المصري البسيط ؟!



المساهمون