التجارة والنفط يدفعان الخرطوم وجوبا للبحث عن مكاسب مشتركة

التجارة والنفط يدفعان الخرطوم وجوبا للبحث عن مكاسب مشتركة

19 نوفمبر 2017
البلدان يتفقان على استئناف التجارة الحدودية (إبراهيم حامد/ الأناضول)
+ الخط -
دفعت المصالح الاقتصادية، السودان ودولة الجنوب، إلى التقارب بشكل واضح، خلال الأسابيع الأخيرة، فجوبا ترغب في فتح المعابر الحدودية ومرور التجارة والنفط، كما تريد الخرطوم رفعا كليا للعقوبات الدولية وجذب الاستثمارات والانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، ليعد التقارب مع الجنوب بالنسبة لها بمثابة ورقة مرور إلى هذه الأهداف.

ولما كانت ملفات الأمن لاتزال نازفة بين الدولتين، اختارت الدولتان طريق الاقتصاد، كونه الأسهل اختراقا والأسرع فائدة، لاسيما أن الدولتين تعانيان من صعوبات اقتصادية كبيرة.

وجاءت زيارة رئيس جنوب السودان، سلفاكير ميارديت، إلى الخرطوم، مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، لتحمل أكثر من رسالة، وفق مسؤولين في البلدين وخبراء اقتصاد، أهمها خلق علاقة شفافة لإدارة الملفات المتعلقة بفتح المعابر الحدودية وتسريع وتيرة إنتاج وتسويق النفط وتسوية الوضع الأمني.

وسبق هذه الزيارة بأيام قليلة اتفاق بين وزارتي المالية والتخطيط في الخرطوم وجوبا، على فتح المعابر وانسياب السلع بين البلدين، وتيسير الإجراءات الجمركية والمصرفية وتسهيل حركة المواطنين، بما يسهم في تطوير العلاقات بين البلدين.


وبينما تسعى جوبا لرفع إنتاجها من النفط الخام، فإن الخرطوم تريد أن يكون لها دور في هذا الأمر، حيث كشفت مصدر مسؤول في دولة الجنوب، في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن الخرطوم ترى أن لها الأحقية في التنقيب عن النفط بالجنوب لامتلاكها شركات ذات خبرات في هذا المجال ومعرفة تامة بخارطة النفط في الجنوب.

وبحسب وزير النفط في جنوب السودان، ايزيكيل لول جاتكوت، خلال مؤتمر نظمته الوزارة يومي الحادي عشر والثاني عشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تطمح جوبا في أن يصل إنتاج النفط العام المقبل 2018 إلى ضعف المستويات الحالية البالغة نحو 150 ألف برميل يوميا.

وقال وكيل وزارة النفط والغاز السودانية، بخيت أحمد عبدالله، إن الخرطوم ملتزمة بتقديم العون الفني لتشغيل الآبار المتوقفة في دولة الجنوب وتسعى لتسهيل صادرات النفط عبر موانئ السودان، وفقا لما تم الاتفاق عليه عام 2012 بين البلدين.

وأضاف عبدالله، في تصريح خاص لـ "العربي الجديد"، أن هناك حرصاً على الدفع بالتعاون النفطي، خاصة بعد ارتفاع أسعار الخام عالمياً، الأمر الذى يحفز الدولتين على تسريع وتيرة الإنتاج وفق استراتيجية جديدة تحفظ مصالحهما.

ورأى محللون أن النفط يمكن أن يصبح وسيلة لاتفاق الطرفين، مشيرين إلى ضرورة أن تكون هناك ثقة بين البلدين، وأن يتحقق الاستقرار الأمني في دولة الجنوب لاستمرار ضخ النفط وتفعيل التجارة.

وقالت الخبيرة في شؤون دولة الجنوب، إنصاف العوض، إن هناك لوبيات ضاغطة داخل حكومة جوبا تعرقل تسوية ملف النفط، وما يدلل على ذلك مطالبة رئيس وفد التفاوض حول النفط مع السودان، باقان اموم، مراجعة رسوم عبور النفط في الأراضي السودانية التي أدت إلى إغلاق الأنبوب عام 2012.

وأضافت إنصاف لـ"العربي الجديد"، أن اتهام حكومة جوبا للخرطوم بموالاة حركة المتمرد، رياك مشار، التى تسيطر على حقول النفط جعل من حكومة الجنوب تتخوف من عودة مشار، كونها تعتقد أنه حليف استراتيجي للخرطوم، وهذا ما قالت به مجموعة مشار إنها لا تريد شركات أخرى تنقب عن النفط في الجنوب.

وتابعت أن جوبا قلقة من سيطرة الشركات السودانية على الحقول، ولذلك تخشى عودة مشار للحكومة عبر مبادرة الإيقاد الرامية إلى إحياء اتفاقية 2015، التى منحت المعارضة حقائب وزارية من ضمنها وزارة النفط.

وفي السياق نفسه، قال استفن لوال، الخبير في شأن الجنوب، إن عدم التوصل إلى صيغة ترضى جوبا والخرطوم بشأن النفط ربما تؤدى إلى توتر وخلاف في بقية الملفات.

وأشار لوال، في حديث خاص، إلى أهمية إقامة مناطق للتجارة الحرة في المنافذ المتفق عليها، تعتمد على اتحاد جمركي تزال فيه القيود ويسمح بحرية انتقال السلع وتوحيد التعريفات للتجارة الخارجية.

وظل النفط والمعابر ورقة ضغط متبادلة بين السودان ودولة الجنوب على مدار الأعوام الماضية، فالخرطوم كانت تعول على رسوم مرور نفط الجنوب عبر أراضيها للتصدير، كما مثلت المعابر أهمية كبيرة لدولة الجنوب، خاصة أن محاولاتها الاستيراد من دول مجاورة يعرضها لمشاكل أمنيه وغلاء في الأسعار، وهو أمر غير مستساغ اقتصادياً، ولذا فإن حل التجارة الحدودية بإنهاء دعم المتمردين من قبل الدولتين.

ويعتمد جنوب السودان، بشكل شبه حصري، على النفط كمصدر لإيرادات الحكومة، التي تضررت بفعل هبوط أسعار النفط الخام بنحو النصف منذ منتصف 2014، نزولاً من 120 دولاراً إلى حدود 60 دولاراً.

ووقعت الدولتان، في سبتمبر/أيلول الماضي، على اتفاقية لتفعيل التعاون الاقتصادي بينهما، إذ اتفق خلالها على البدء الفوري في استئناف التجارة الحدودية لنحو 54 سلعة، فضلاً عن العمل معاً في زيادة إنتاج حقول النفط في دولة الجنوب.

كما وافقت حكومة الجنوب قبل أيام على دفع 262 مليون دولار لحكومة السودان، كجزء من مستحقات عبور النفط عبر أراضيها.

وقال وزير الإعلام في جنوب السودان، مايكل مكوي، في تصريحات صحافية في وقت سابق من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري: "اتفقنا على أن تدفع حكومة جنوب السودان المتأخرات العالقة".

وبحسب وزير المالية في دولة الجنوب استفن ديو، فإن المتأخرات المستحقة لحكومة السودان تقدر بحوالي 3.2 مليارات دولار، منها 262 مليون دولار ستؤخذ عيناً من النفط. ووفقاً لاتفاق 2012 للنفط، يدفع جنوب السودان 9.1 دولارات للبرميل، لترحيل نفط الدولة الوليدة إلى الموانئ السودانية.

ولا تقتصر المصالح التي تدفع البلدين للتقارب على النفط والتجارة، وإنما تعد مشكلة الديون الخارجية أكثر دفعا للخرطوم لتحقيق نتائج إيجابية في العلاقات مع جوبا.

فعندما رفعت واشنطن العقوبات الاقتصادية عن السودان بشكل جزئي، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تركت ملف تسوية الديون الخارجية معلقا على تحقيق نتائج مثمرة في علاقة السودان بدولة الجنوب.

وكانت وكالة الأنباء السودانية "سونا"، نقلت، مطلع الشهر الجاري، عن وزير المالية والتخطيط الاقتصادي السوداني، محمد عثمان الركابي، قوله، إنه اتفق مع نظيره في جنوب السودان إستيفن ديو داو الذي زار الخرطوم على التحرك الخارجي المشترك لأجل إعفاء ديون السودان الخارجية، والسعي لتمديد أجل اتفاقية الخيار الصفري الذي ينتهي في أكتوبر/تشرين الأول من العام المقبل 2018.

وفي 27 سبتمبر/أيلول 2012، وقّع السودان وجنوب السودان، على 9 اتفاقيات للتعاون المشترك، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، من بينها اتفاقية الخيار الصفري للديون.

والخيار الصفري للديون، ينص على بندين، أحدهما قبول السودان بتحمل الديون المستحقة عليه لعامين، يتم خلالهما الاتصال بالدائنين لإعفائه من الديون، والآخر تقاسم الديون بين البلدين، في حال فشل الخيار الأول، وفق معايير محددة.

ووصل حجم الديون الخارجية المستحقة على السودان إلى نحو 52 مليار دولار حتى نهاية العام الماضي 2016، وسط أزمة اقتصادية تعيشها البلاد.

المساهمون