"الكنافة النابلسيّة" توحّد بين الضفّة وغزّة

"الكنافة النابلسيّة" توحّد بين الضفّة وغزّة

31 مايو 2014
غزة كما تبدو من البحر رغم الحصار(كريستوفر فورلونغ-Getty)
+ الخط -

 

ترافق الأسيران المحرران أبو تركي وصلاح في رحلة الأسر والإبعاد إلى غزة في صفقة "وفاء الأحرار"، واستكملا مشوارهما بافتتاح متجر لصناعة "الكنافة النابلسية" غرب مدينة غزة. ويتخذ المحرران من شاطئ البحر مكاناً لمحلهما، ويقول أبو تركي: "فضّلنا مزج نسيم البحر مع نكهة الكنافة لتوحيد الضفة وغزة معاً، ولكي تجتمع لذة النظر إلى البحر مع نكهة "النابلسية" فيكتمل جمال المشهد".

وأوضح أبو تركي سبب قيامهما بهذا المشروع، قائلاً: "جاءت فكرة افتتاح المحل بالأساس لتوفير مصدر دخل بعد خروجنا من السجن، ولإشباع رغبة أسرى الضفة المحررين إلى غزة بتناول الكنافة النابلسية الأصلية"، لافتاً إلى أن الكنافة النابلسية بطعمها العريق، تُصنع في نابلس فقط، الأمر الذي دفعهما إلى صنعها على أصولها.
وأجرى المحرر صلاح اتصالات مع أصدقائه في مدينة نابلس، التي أُبعد عنها قسراً، لاكتساب الخبرة الكافية لصناعة "الكنافة النابلسية" واسترجاع الحلقات المفقودة في صناعتها بعدما قضى 12 عاماً في الأسر، لافتاً إلى أنهما قد يعدان ألواناً أخرى من الحلويات لاحقاً.
وأطلق الاسيران المحرران اسم "النابلسي" على محلهما الصغير، ويبلغ ثمن كيلوغرام "النابلسية" 30 شيكلاً.
وأوضح صلاح أنهما جلبا كل ما يستعمل في صناعة "النابلسية" من محافظة نابلس، وخاصة الجبنة المصنّعة من لبن الماعز، مشيراً إلى أنهما يقومان بجلب المكونات من الضفة عبر التجار أو الأهل.
ولم يخف المحرران وجود صعوبة في جلب المواد الخام اللازمة لصناعة الكنافة من الضفة المحتلة عبر المعابر "الإسرائيلية"، مؤكدين أنهما حريصان على أن تكون كل المكونات من مدينة نابلس المحتلة.
وتحظى الكنافة بمذاقٍ خاص يميّزه السمن الحيواني ويحظى بإعجاب الكثيرين من الفلسطينيين وحتى العرب، حيث افتتح الكثيرون منهم محلاتٍ متخصصة بصنع الكنافة في كثيرٍ من العواصم العربية والعالمية.

إقبال كبير
خلف المكان الذي تعرض فيه الكنافة ينشغل الأسير المحرر صلاح بتحضير المزيد منها، فالزبائن ينتظرون داخل المحل الصغير وخارجه. ويعلق أبو تركي على مدى الإقبال على المحل بالقول: "لم نتوقع أن يكون الإقبال على النابلسية بهذا الكم من الزبائن، فمنذ ساعات الصباح الأولى وحتى المساء يقبل المواطنون بشكل كبير، وخاصة من فئة الأسرى المبعدين الذين لا يكاد يمر أسبوع من دون أن يزوروا المحل".
وتابع: "تأتي ساعات لا نستطيع التوقف عن العمل من شدة الطلب على الكنافة. لم نعلم أن أهل غزة يحبونها إلى هذه الدرجة".

ويأمل الاسيران المحرران في أن يدرّ هذا المشروع عليهما دخلاً وفيراً يعينهما على تلبية متطلباتهما المعيشية في ظل الإبعاد والحصار. وكانت لدى أبو تركي تجربة لا تنسى في مدينته في صنع الحلويات قبل أسره، ويقول لـ"العربي الجديد": "كنت أحضّر الكنافة النابلسية لزملائي الأسرى رغم نقص بعض مكوناتها، مستخدماً فتات الخبز والجبنة الصفراء وما تيسّر من السكر لإعداد "القَطْر" اللازم لتحليتها".
ويتجمع الأسرى بشكل شبه يومي داخل محل "أبو تركي وصلاح" لتناول النابلسية، ويقولون مازحين: "أكيد كنافة بالخبز وبتخدعونا مثل السجن".

ووصف أبو تركي تلك الأيام بـ"الجميلة" على الرغم من قسوتها، لأنه كان يتمكن من إدخال الفرحة إلى قلوب الأسرى عندما يوفر لهم ما يشتهونه. واعتقل الاحتلال أبو تركي ثلاثة مرات، وقضى في السجن 13 عاماً، ليخرج ضمن صفقة تبادل الأسرى الأخيرة، وهو متزوج من سيدتين إحداهن في الضفة الغربية والأخرى في القطاع. أما المحرر حمودة فقضى 12 عاماً في السجون من أصل 22 عاماً وخرج ضمن الصفقة نفسها.

شهادة أسير محرر
يقول المحررعامر أبو سرحان والذي يرتاد محل النابلسي بشكل متكرر: "إن طعم الكنافة مشابهٌ تماماً لمذاق الكنافة في الضفة". وأضاف أنه "ليس غريباً على الأسرى أن يبدعوا كما أبدعوا داخل السجن سابقاً، وهم الآن يقومون بعدة مشاريع أبدعوا في تطبيقها داخل السجون، كمشاريع المأكولات والمشروبات".
وأكد أنّ المشاريع التي يفتتحها المحررون المبعدون، تؤكد على نجاح الأسير وانتصاره على السجان داخل السجون وخارجها، لاستمرار إرادته في صناعة الحياة والصبر على مشاقها.
واشتعلت نار التنافس على بيع الكنافة النابلسية في مدينة غزه بشكل خاص بعدما افتتح "أبو تركي وصلاح" محلهما الذي لاقى قبولاً ملحوظاً، حيث لجأ الأسير المحرر مصطفى المسلماني (43 عاماً) من مدينة نابلس، والذي أبعد إلى قطاع غزة بعدما قضى في سجون الاحتلال أكثر من 20 عاماً، إلى افتتاح محل لبيع الكنافة النابلسية شرق غزة.
وأطلق المسلماني على محله اسم "نابلسية الأحرار"، هذا الاسم الذي له علاقة بمدينته الأم وبصفقة "وفاء الأحرار" التي أخرجته من المعتقل، ويعتبر محل المسلماني الثاني في مدينة غزة بعد محل "النابلسي" المقام على شاطئ بحر غزة غرباً.

ولم يخفِ المسلماني القول إنه أول مَن فكّر في فتح محل له قبل أي شخص آخر لتوفير مصدر دخل، ولكن انشغالاته بموضوع الأسرى أخّرت تنفيذ هذه الفكرة على أرض الواقع. وعن إقبال الناس قال: "هناك إقبال كبير من أهل الحي ومن المناطق، فكل مَن يسمع عن افتتاح محل للنابلسية لأسير أبعد من نابلس إلى غزة يتهافت الناس لشرائها وتذوقها بطعمها الأصلي".
وعن سبب نجاح مشروعه، أكد المسلماني بالقول: "أستند إلى قاعدة: البيع الكثير مقابل الربح القليل، والإنتاج الجيد مقابل إقبال المواطن".

دلالات

المساهمون