الإعلام التونسي محاصر بسطوة المال والسياسة

الإعلام التونسي محاصر بسطوة المال والسياسة

11 أكتوبر 2016
انخفض عدد الصحف من 228 إلى 50(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
صرّح عضو النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، زياد دبّار، أن "المال الفاسد بدأ يستشري في الإعلام التونسي"، ويعمل، في الوقت نفسه، صحافيون تونسيون في إذاعة "كلمة" الخاصة، من دون أجور منذ 3 أشهر، ولا يعرفون المالك الحقيقي للمحطة الإذاعية. لذا، لا بدّ أن تُطرح تساؤلات حول ملكية وسائل الإعلام التونسية وهوية المسيطر عليها، بالإضافة إلى تساؤلات حول التداخل السياسي والمالي في المشهد الإعلامي التونسي، بعد ثورة 14 يناير/كانون الثاني 2014.
ويختصر المشهد الإعلامي التونسي الحالي بـ14 قناة تلفزيونية، منها قناتان رسميتان، وقناة "الزيتونة " التي تبث بشكل غير قانوني، و41 محطة إذاعية، تسع منها رسمية، و50 صحيفة ورقية (228 صحيفة قبل الثورة)، و50 موقعاً إخبارياً مصنفاً، ووكالة الأنباء الرسمية.

الإعلام الرسمي وسطوة السياسة

يتمثل الإعلام الرسمي بقناتين تلفزيونيتين وتسع محطات إذاعية وصحيفتين، واحدة ناطقة باللغة العربية وأخرى بالفرنسية، ووكالة أنباء. يضاف إليها وسائل الإعلام التي كانت ملكاً لأصهار الرئيس التونسي المخلوع، زين العابدين بن علي، وسيطرت عليها الحكومة التونسية بعد الثورة.
ويحاول كل طرف في السلطة التونسية الحاكمة السيطرة على هذه المؤسسات، على الرغم من جهود العاملين فيها، لتجنيبها الانخراط في اللعبة السياسية والحفاظ على استقلاليتها. وتحصل اختراقات عبر تعيين مسؤولين على هذه المؤسسات يدينون بالولاء إلى طرف سياسي معين، وقد صرح مدير عام سابق لإحدى هذه المؤسسات الرسمية لـ"العربي الجديد"، رافضاً ذكر اسمه، أن "لعبة الشد والجذب بين الحكومة والعاملين في هذه المؤسسات لا تزال قائمة، إذ يحاول المسؤولون السياسيون أن يجدوا قدماً لهم في إحدى المؤسسات الإعلامية، لدعمهم من خلال ممارسة شتى أنواع الضغط، وخاصة المتعلقة بالتعيينات والخطط الوظيفية". ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل تحدث عن وجود "تقسيم بين الأحزاب الحاكمة، وخاصة حزبي نداء تونس والنهضة، فيما يتعلق بالاتفاق على تعيين مدير عام للتلفزيون الرسمي وآخر للإذاعة الرسمية"، وهما أهم مؤسستان إعلاميتان حكوميتان.

الإعلام الخاص

يمتلك معظم وسائل الإعلام التونسية الخاصة أفراد وشركات، بعضهم واضح للعلن، وبعضهم الآخر يحافظ على سرية مموليه، لكنهم يملكون تأثيراً كبيراً على مجرى الحياة الإعلامية في تونس، ويتداول الوسط الإعلامي التونسي أسماء ثلاثة رجال أعمال تونسيين بشكل رئيسي، هم: كمال اللطيف وشفيق جراية وسليم الرياحي الذين يمولون وسائل إعلام تونسية ويؤثرون في خطها التحريري.
ولم يتمكن "العربي الجديد" من التواصل مع أي من هؤلاء المالكين، كما اتصل بـ"الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري" (الهايكا)، ونفت أن تكون ملكية أي وسيلة إعلامية إذاعية أو تلفزيونية تعود للأسماء الثلاثة المذكورة، وفقاً للعقود القانونية.
في المقابل، يتوزع رجال الأعمال والسياسيون الذين يمتلكون جزءاً من رأسمال مؤسسات إعلامية كالتالي:
قناة "نسمة تي": يملك عضو الهيئة التأسيسية لحزب "نداء تونس"، نبيل القروي، وشقيقه غازي 50 في المائة من رأسمال القناة، وكان نبيل القروي يتولى إدارة القناة، لكنه استقال منها، لمنع القانون التونسي الجمع بين إدارة مؤسسة إعلامية والمهام الحزبية. ويضاف إلى نبيل وغازي القروي رجل الأعمال والمنتج السينمائي العالمي، طارق بن عمار، ورئيس الوزراء الإيطالي السابق، سلفيو برلسكوني.

قناة "حنبعل": تعود ملكيتها إلى رجل الأعمال السعودي من أصل فلسطيني، طارق قدادة، بنسبة 49 في المائة، بالإضافة إلى رجل الأعمال التونسي، نورالدين حشيشة، وهناك صراع قانوني بين المالكين أثّر على مردود القناة.

قناة "الحوار التونسي": تشير بعض المصادر إلى أن ملكيتها الحقيقية تعود إلى الإعلامي، سامي الفهري، لكن الإدارة القانونية والملكية القانونية تعود إلى زوجته، أسماء بن جميع، ولا يظهر المالكان المساهمان الآخران فيها.

قناة "التاسعة": يستحوذ الإعلامي، معز بن غربية، على 30 في المائة من أسهمها، ويتولى إدارتها العامة بنفسه، وتعود بقية الأسهم إلى لطفي شرف الدين (شقيق رجل الأعمال وعضو مجلس النواب التونسي عن حزب نداء تونس، رضا شرف الدين الذي تنازل عن منصبه في التلفزيون لشقيقه، لأن القانون التونسي يمنع الجمع بين ملكية وسائل الإعلام والمشاركة في العمل السياسي)، ويملك عمر جنيح 30 في المائة من رأسمال القناة، وهو من عائلة معروفة في مدينة سوسة التونسية، ومقرب سياسياً من حزب "نداء تونس" وحزب "حركة مشروع تونس" المنسلخ عنه.

قناة "الجنوبية": تعود ملكيتها إلى رجل الأعمال التونسي، محمد العياشي العجرودي، وقد سبق له أن أسس وأدار حزب "حركة التونسي للحرية والكرامة"، لكنه لا ينشط بشكل مكثف في الحياة السياسية في تونس، بعد الفشل في انتخابات عام 2014.

قناة "الزيتونة": تملك القناة توجهاً قريباً من التيار الإسلامي في تونس. أسسها عضو مجلس شورى حركة النهضة، أسامة بن سالم، لكنه تنازل عن ملكيتها لصديقه سامي الصيد وزوجته رولا الصيد ليتقاسما ملكيتها، لكن القناة لم تحصل إلى حدّ الآن على الإجازة القانونية للبث التي تمنحها "الهايكا".

أما الإذاعات الخاصة التونسية فتعود ملكية أبرزها لرجال أعمال تونسيين لا يمكن نفي أو إثبات ارتباط بعضهم بأجندات سياسية محددة، أبرزها:

"موزاييك أف أم": يتقاسم ملكيتها نورالدين بوطار بعشرين في المائة من قيمة الأسهم، ويتولى إدارتها. وتعود 13 في المائة من أسهمها لرجل الأعمال، لطفي عبدالناظر، و13 في المائة لرجل الأعمال، لزهر سطا. وصادرت الدولة التونسية الجزء الذي كان يملكه صهر الرئيس التونسي المخلوع، بلحسن الطرابلسي.

"جوهرة أف أم": تعدّ من أكثر وسائل الإعلام التونسية تشتتاً من ناحية ملكيتها، إذ يساهم فيها أكثر من عشرة رجال أعمال تونسيين، واللافت أن رجل الأعمال، لزهر سطا الذي يمتلك 13 في المائة من أسهم إذاعة "موزاييك أف أم"، يمتلك أيضاً 8 في المائة من أسهم إذاعة "جوهرة أف أم"، وينتمي أغلب مالكي المحطة الى مدينة سوسة حيث يتواجد مقر الإذاعة.

"ديوان أف أم": تعد هذه الإذاعة الخاصة ذات طابع مميز في ملكيتها، فمالكوها أغلبهم من محافظة صفاقس وعددهم يفوق العشرة مساهمين، ويبدو أن الجامع بينهم الانتماء إلى نفس المدينة، حيث يتواجد مقر الإذاعة.

أما المواقع الإخبارية فتتوزع ملكيتها بين سياسيين ورجال أعمال، وتتضمن التالي:
"باب نات": تعود ملكيته إلى سليم منصوري، ويعرض وجهات نظر قريبة جداً من الرئيس التونسي السابق، محمد المنصف المرزوقي.
"الجريدة كوم": يساهم فيها المستشار الأول للرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، نورالدين بن تيشه، بنسبة 49 في المائة وطارق شوشان بنسبة 51 في المائة.
ونجد ضمن المواقع الإلكترونية والصحف الورقية صحيفة "الحصاد" وموقعها التي يملكها ويتولى إدارتها مبروك كورشيد الذي عين في الحكومة التونسية الحالية، ويملك توجهاً سياسياً قومياً.
ويبدو أن الفصل بين المال والسياسة عن المؤسسات الإعلامية في تونس مغامرة يصعب الحسم فيها، بسبب التداخل بين الأطراف كلها، على الرغم من سعي "الهايكا" والنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين إلى فك هذا الارتباط، بالإضافة إلى إعلان جمعية "الخط" ومنظمة "مراسلون بلا حدود" في تونس عن عزمهما على التدقيق في ملكية وسائل الإعلام وفضح التداخل بين المالي والسياسي والإعلامي، للحفاظ على مصداقية الإعلام التونسي ومهنيته، فهل يتحقق ذلك؟