أن تنتظر أنصار الأسد لكي يقولوا كلمتهم

أن تنتظر أنصار الأسد لكي يقولوا كلمتهم

29 نوفمبر 2016
الأسد هو الدولة بالنسبة للنظام (فرانس برس)
+ الخط -
كان الترقُّب واجباً، لما سينعكس على فيديو ضرب، سهيل الحسن، واحد من أبرز القادة العسكرين إجراماً لدى النظام، لشادي حلوة مراسل التلفزيون السوري في حلب. خصوصاً أن حادثة الضرب تدور حول شخصية الأسد، رئيس النظام السوري، رغم فظاعة هذا التضاد المطروح، بين مذيع يُريد سورية كموضوع للفداء، وآخر يرى سورية هي بشار الأسد لا أكثر.

في هذه الجرأة التي يمتلكها الملقب بالنمر حقيقة بديهية، إلا أن الإعلام لا يستدركها، أو يظنها بمثابة فجيعة أو صدمة، فكيف لقائد عسكري أن يُصرح تصريحاً مناسباً لعصر الفرسان الذي انتهى إبان القرن الخامس عشر؟ يُمثل النمر تداركاً لهفوات القول والظن، فنحن في عصر الفرسان الأسديين، لا مكان لبارودته لحماية هذه الأرض، لشعور زرعه النظام في عسكرييه ومواليه بأنهم لا شيء دون الملك، دونه كأبدٍ للحياة.

في اتصالاتٍ أجراها ناشطون مع شادي حلوة ليسألوه عن لطمة اليد القاسية التي تلقاها أمام عسكريي النمر، والذي يتبعهم هو دوماً ليأخذ صور انتصاراتهم وبهرجتهم، لم يكن حزيناً، بل مارس حقاً مبالغاً فيه من "العبودية الكلاسيكية" لعبادة السيد، واصفاً النمر بأنه أبوه وعمه، ويستطيع ضربه بالبوط العسكري على رأسه ولن يحزن جراء هذا. التعاطف مع شادي جائز، من كونه مُهاناً أمام ملايين السوريين، يُضرب لأنه يُفضل سورية الأرض على شخصية القائد الأوحد، رغم أن شادي لا يُريد من هذا حُباً وفداءً لسورية، بقدر ما هي توجيهات إعلامية دعائية للنظام منذ وصول الروسي لجعل القضية السورية قضية إرهاب وشعب. تنحية الأسد القائد المركزي، على حساب قضية وطنية، تُقلل من قيمة الفرد على حساب الوجود السوري قاطبة.

قد يكون مشهد النمر بعد ضرب يدِ شادي قد انتهى، إلا أن الترقب كان لازماً علينا، لكي نُخرج الحدث من التعجب البسيط الفظيع المتفاجئ، إلى وضعه الطبيعي السياقي. ردة الفعل على الفيديو لدى الموالاة ليست كما تنحو المعارضة وتتجه، الموالون دُهشوا من رداءة فعل شادي. فقد راقبنا حوالى 23 صفحة على فيسبوك تتبع النظام، وأكثر من 15 شخصية من عائلة الأسد ومواليها، حيث أكدوا أن على شادي أن يُعاقب.

الصفحات الموالية أشادت بلطمة اليد، فلا قيمة لأي مذيع سوري يُهان من أجل اسم الأسد ومركزية وجوده، وعموماً وفي الساحل السوري خاصة يُقدس الأسد الأب والابن، فهما يملكان مراتب دينية، هذا ما ألمح إليه النمر في فيديو آخر، حينما قال: "إن وجه الأسد موجودٌ على القمر" وإن "الله أرسل الأسد للعالم ليعاقب الأشرار". تعليقات الصفحات الموالية كُلها تهاجم المذيع شادي، وتعتبره ساذجاً ووضيعاً، وبعضهم تعهد بمهاجمته وتعنيفه. هذا ما شددت عليه صفحات أبناء عائلة الأسد، فالانتقام منه لا مفر منه. ولم تكتب صفحة واحدة تتبع النظام كلمة دفاع واحدة بحق شادي. دلالة الأمر مركبة، الأولى البديهية أن النظام قائم على تقديس ذاته، هذه الإزاحة عن مركزية الأرض الوطن الشعب في سورية، يناقضها ما يجلبه النظام من أعداء له، فالتناقض مع تأليه الدكتاتور يجلب تأليهاً دينياً يتجلى بالسلفية الإسلامية، كتضاد لعبادة الشخص بعبادة مسلك ديني تقليدي وهو أكثر أخلاقية مهما كان طبعه بالمقارنة مع عبادة طاغية.

والدلالة الثانية أن الموالاة قد اختاروا انتماءهم القطعي منذ زمن، حيث يدُ النمر هي يدهم نفسها، في الانفلات من أي معنى لسورية دون الأسد. هذه عقائد إيمانية تُخفيها الميديا المباشرة، ويبرزها المُسرب بكل يُسر. ما وصل إلينا حقيقة بناء هرمي اجتماعي ديني في سورية، أعضاؤه يتماهون مع الأسد بوصفه منقذاً أبدياً، لا تُوجد سورية دونه هذا وعي يومي، وحديث ينكره محللو السياسة لكي لا تبدو الحقيقة إفراطاً. من الجيد أننا رأينا لطمة كعقاب لفداء سورية، دعم أنصار الأسد لهذا يُبشر بدولة مستحيلة دوماً.