الإعلام البريطاني يغطّي كورونا: بين الهلع والوعي

الإعلام البريطاني يغطّي كورونا: بين الهلع والوعي

18 مارس 2020
الهلع من الفيروس على أغلفة الصحف (ريتشارد بيكر/In Pictures)
+ الخط -
يستمرّ الإعلام البريطاني في توضيح الضغوط الكبيرة التي تعاني منها الخدمات الصحية، والتي بلغت درجة أن موظفيها لن يتسنى لهم التأكّد من سلامتهم من فيروس كورونا المستجد، على الرغم من دورهم الرئيسي وخطر نقلهم الفيروس إلى المرضى. ويبذل يسعى الإعلام جهداً لرفع مستوى الوعي بالمخاطر التي قد يواجهها الناس، في حال عدم الالتزام بالقواعد الجديدة للحد من انتشار الفيروس. 
تحذر وثيقة جديدة نشرها فريق "كوفيد - 19" في الكلية الملكية في لندن، والتي تقدم المشورة للحكومة بشأن استجابتها للفيروس التاجي، من أن تهديد الصحة العامة الحالي هو "الأخطر"، من حيث إصابة الجهاز التنفسي، منذ الإنفلونزا الإسبانية عام 1918. الأمر الذي دفع الحكومة البريطانية إلى تعزيز الإجراءات ضد وباء فيروس كورونا، بعد توقعات جديدة بأن المملكة المتحدة كانت ستشهد 250 ألف حالة وفاة، حسب ما أوردت قناة "سكاي نيوز". ونصح الفريق، المملكة المتحدة باعتماد استراتيجية "قمع الوباء"، لمدة 18 شهراً أو أكثر، بدلاً من استراتيجية "التخفيف".
من جهته، أعلن رئيس الوزراء بوريس جونسون، يوم الاثنين، عن تصعيد كبير في إجراءات المملكة المتحدة، استجابةً للفيروس، بما في ذلك نصح الجميع في البلاد بتجنب الحانات والنوادي والمطاعم والمسارح والقيام بالرحلات الأساسية فقط. ذلك بعد أن وافقت الحكومة على عقد مؤتمرات صحافية يومية مع مجموعة من الصحافيين المختارين فقط، واعتماد المزيد من الشفافية بشأن الفيروس، والإعلان عن تبديل خطط نمط حياة البريطانيين وفق ما تتطلبه الظروف.
ويأتي ذلك بعد أن كشفت صحيفة "ذا غارديان" عن وثيقة مسرّبة من "الصحة العامة إنكلترا"، أثارت المزيد من الهلع لدى البريطانيين، تقول إنّ أزمة فيروس كورونا قد تستمر حتى ربيع عام 2021، وتضع ما يقارب ثمانية ملايين بريطاني في المستشفى. وتؤكّد الصحيفة، أن الدكتورة سوزان هوبكنز، وهي استشارية وبائيات الرعاية الصحية في الأمراض المعدية والأحياء الدقيقة في الصحة العامة في إنكلترا، قد تحقّقت من دقة الوثيقة.
وتقول "ذا ديلي ميل" إنّ الملايين بدأوا العمل من منازلهم في جميع أنحاء بريطانيا، تاركين القطارات والطرق فارغة ومعظم خدمات النقل حيث تواجه البلاد أزمة فيروس كورونا. وتشير إلى أنّ إغلاق المملكة المتحدة اقترب، حيث يحذّر الوزراء من أن البريطانيين سيواجهون قيودًا تشبه الطراز الأوروبي مثل إغلاق الحانات، والمطاعم والمقاهي والمحلاّت التجارية.

في المقابل، تلفت صحيفة "ذا تايمز" إلى المجهود الذي يبذله المسؤولون في البلاد، لمكافحة الفيروس وتأمين العلاج للناس، لكنّها تبيّن أنّ الأمر شبه مستحيل، حيث يقول مات هانكوك، وزير الصحة، إنّ الخدمات الصحية تحاول شراء أكبر قدر ممكن من المعدات الطبية التي تساعد على التنفّس، لمساعدة المصابين بـ كوفيد 19، لكنّه يؤكّد على حاجة بريطانيا إلى ضرورة إنتاج المزيد.
وفي سلسلة مقابلات مع مذيعين، أكد هانكوك أنّ جميع الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 70 عامًا، سينبغي عليهم، عزل أنفسهم في المنزل لمدة تصل إلى أربعة أشهر. وأنّ الحكومة لم تستبعد استخدام السلطات للقوة لعزل الناس إذا لزم الأمر.
بدورها دعت الحكومة البريطانيين إلى "التصرف بمسؤولية"، وشراء ما يحتاجون إليه فقط عند شراء الطعام وغيره، لتجنب ترك المتاجر تفتقر إلى الإمدادات. وبهدف تهدئة خوف الناس، قال هانكوك إن سياسة الحكومة لم تشجع على "مناعة القطيع"، وهو المفهوم الذي يمكن من خلاله حماية السكان من تفشي المرض مرة أخرى في المستقبل، في حال أصيب حوالي 60 % من الأشخاص بالفيروس الآن وهو ما يناقض ما قاله باتريك فالانس أحد المستشارين العلميين في بريطانيا.
وفي حديث هانكوك إلى برنامج "صوفي ريدج" على "سكاي نيوز"، يوم الأحد، قال إنّهم سيبدأون بحوالي خمسة آلاف، من أجهزة التنفس لمساعدة المرضى بـ كوفيد 19. وقال لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي): "نحن لا نقول إن هناك حدا أقصى للعدد الذي نحتاجه، لأنه إذا كان لدينا ما يكفي من أجهزة المساعدة على التنفس للمملكة المتحدة، فهناك أماكن أخرى حول العالم بحاجة ماسة لها أيضًا".
وعندما سئل عما إذا كان يجري محادثات مع شركات صناعة السيارات، لإنتاج المعدات الطبية للمساعدة على التنفس، ردّ هانكوك بالإيجاب وقال إنّ أي شخص لديه القدرة التصنيعية، نريده أن يتحول إلى تصنيع أجهزة التنفس الصناعي. واقترح هانكوك، استخدام الفنادق الفارغة كمواقع لرعاية المرضى. بينما لم يستبعد بناء مستشفيات ميدانية جديدة.
كذلك، تكتب صحيفة "ذا تايمز" عن وثائق مسرّبة تظهر أن الشرطة تضع خططاً للتحقيق في الجرائم التي تنطوي على خسائر في الأرواح فقط، في حال انتشار الوباء بشكل كبير. ويخطّط الجيش لنشر الآلاف من أعضاء الشرطة العسكرية في الشوارع في حالة الاضطرابات المدنية واستخدام القوات المسلحة لحراسة السجون المكتظة وإقامة المستشفيات الميدانية.
ووجد استطلاع أجراه "يوغوف" أن الناس تعتقد أن الحكومة صادقة وتوفر معلومات كافية، حيث يحصل معظمهم على معلومات من التلفزيون والراديو وموقع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" ومواقع خدمات الصحة الوطنية. بينما يقول ما يقرب من الثلث (29%) إنهم يحصلون على معلومات من وسائل التواصل الاجتماعي، التي قد تتداول تقارير إخبارية مزيفة.

لكنّ ما يثير مخاوف البريطانيين، فهو تحذير الأطباء من أن النقص المزمن في أسرة ومعدات العناية المركزة يمكن أن يجبر المستشفيات قريبًا على العمل بنظام الفرز، حيث يحرم بعض المرضى من الرعاية المتخصّصة لأن فرص بقائهم على قيد الحياة تعتبر منخفضة للغاية. في وقت يوضح الخبراء الدوليون، طريقة نمو الأوبئة التي تتدنّى في نهاية المطاف. ويقولون إنه سيكون هناك ارتفاع سريع في الحالات إلى ذروتها، ثم تبدأ مرحلة السقوط. ولفتوا إلى أن أرقام الحالات سترتفع بسرعة خلال الأسابيع العشرة إلى الأربعة عشر القادمة.
في سياق آخر، ينقل موقع "إكسبرس"، أنّ الصحافي الإيطالي ماريو جيوردانو، اتّهم ألمانيا بالتعتيم على فيروس كورونا، بعد أن اكتشف فريق من العلماء في ميلانو، أن وباء هذا الفيروس دخل إيطاليا عبر ألمانيا وليس مباشرة من الصين. وعقب تحليل مكثف، لم يحدد العلماء حتى الآن هوية الشخص الذي تسبّب في تفشي أسوأ وباء في أوروبا، لكنّهم ربطوا التسلسل الجيني الإيطالي للفيروس مع حالة ظهرت في ألمانيا في يناير/ كانون الثاني.
وكان صحافي إيطالي آخر يدعى ماتيا فيراريسي، قد حذّر البريطانيين من الاستهتار بهذا الفيروس كما فعل الإيطاليون، ودعاهم إلى البقاء في منازلهم، وسط وباء فيروس كورونا. وقال إن المناشدات الصارمة لحظر التجمعات الجماهيرية، وتجنّب الاتصال بالآخرين، والعزلة الذاتية في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، تأتي في الوقت الذي يعاني فيه 60 مليون إيطالي من الإغلاق الوطني.
وبينما يحذّر صحافيو إيطاليا البريطانيين ويدعونهم إلى أخذ الحذر والحيطة، يكتب صحافي بريطاني من صحيفة "ذا تلغراف" أن فيروس كورونا يمكن أن يثبت فائدته بشكل معتدل في الاقتصاد البريطاني، وذلك عن طريق قتل البريطانيين المسنين. ويقارن جيريمي وارنر، في عموده بين الأنفلونزا الإسبانية عام 1918 التي قتلت الشباب بشكل خاص وكوفيد 19 الذي يقضي على المسنين في المقام الأول. وقد أثار عموده موجة من الاستنكار على وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً أن معظم قرّاء الصحيفة يبلغ متوسط أعمارهم 61 عامًا.
وبلغ عدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم بالفيروس في المملكة المتحدة 55 حتى أمس الثلاثاء، وهناك أكثر من 1500 شخص ثبتت إصابتهم بالفيروس في البلاد، لكن العدد الفعلي للحالات يقدر بين 35 ألفاً و50 ألفاً.