Forensic Architecture: الدليل "الهندسي" على استمرار الإبادة

Forensic Architecture: الدليل "الهندسي" على استمرار الإبادة

21 مارس 2024
فلسطينيون يمضون جنوباً بعد اقتحام مستشفى الشفاء (أشرف أبو عمرة / الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- منظمة Forensic Architecture تحقق في انتهاكات حقوق الإنسان وتستخدم تقنيات معمارية وإعلامية لتوثيقها، مدينةً الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة ودحض ادعاءات إسرائيل بتنفيذ "إجراءات إنسانية".
- التقرير يكشف عن "الإرهاب الخرائطي" من خلال توجيهات إخلاء غير واضحة ومضللة، مما أدى إلى نزوح 1.7 مليون شخص ووفيات كبيرة بين المدنيين.
- يخلص التقرير إلى استخدام إسرائيل للإجراءات المدعاة لحماية المدنيين كوسيلة للتدمير، مشيرًا إلى ظروف غير صالحة للعيش في "المناطق الآمنة" ووصف الوضع بـ"الإبادة الجماعية" والتدمير الكامل لغزة.

في تقرير لها صدر حديثاً، أدانت منظمة Forensic Architecture للهندسة المعمارية الجنائية دولة الاحتلال الإسرائيلي، لانتهاكها حكم محكمة العدل الدولية، وذلك بخوضها "حملة عسكرية للإبادة الجماعية" في قطاع غزة، وفند التقرير ادعاءات إسرائيل في لاهاي بأنها نفذت أي "إجراءات إنسانية" لمنع وقوع خسائر في أرواح المدنيين.

Forensic Architecture وانتهاكات حقوق الإنسان

تعرف منظمة Forensic Architecture بأنها مجموعة بحثية متعددة التخصصات، تأسست في عام 2010 بكلية غولدسميث، جامعة لندن. ونيابة عن منظمات المجتمع المدني، تحقق المؤسسة البحثية في انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها دول أو شركات.
تستخدم من أجل ذلك تقنيات معمارية وإعلامية متقدمة في النزاعات المسلحة والدمار البيئي، كما ترجع إلى مجموعة متنوعة من مصادر الأدلة، مثل الوسائل الإعلامية المتطورة، وأجهزة الاستشعار عن بعد، وتحليل المواد، وإفادات الشهود.
تعمل المنظمة بالشراكة مع المدّعين العامين الدوليين ومنظمات حقوق الإنسان ومجموعات العدالة السياسية والبيئية. ويتكون فريقها من محققين متعددي التخصصات، إذ يضم مهندسين معماريين وعلماء وفنانين وصانعي أفلام ومطوري برمجيات وصحافيين استقصائيين وعلماء آثار ومحامين.
وفي ما يخص تقرير المنظمة المعمارية، فقد دحض باستخدام معلومات استخباراتية مفتوحة المصدر إلى جانب منشورات الجيش الإسرائيلي على وسائل التواصل الاجتماعي والنماذج الرقمية وشهادات شهود العيان؛ ادعاءات إسرائيل الواردة في تقارير دفعت بها إلى محكمة العدل الدولية، بأنها نفذت "تدابير إنسانية" حفاظاً على أرواح المدنيين في قطاع غزة. وشملت أيضا إنشاء "ممرات ومناطق آمنة" وتنسيقها لإجلاء الأشخاص، إضافة إلى تقديم تحذيرات مسبقة من الهجمات، عبر إسقاط المنشورات والرسائل الإذاعية ووسائل التواصل الاجتماعي.
في هذا الخصوص، أشار التقرير الذي يغطي الفترة بين 8 أكتوبر/تشرين الأول و16 فبراير/شباط، إلى أن تعليمات الإخلاء والخرائط المصاحبة لها التي قدمتها دولة الاحتلال الإسرائيلي للمحكمة الدولية، تضمنت توجيهات غير واضحة ومضللة وغير متسقة ومتضاربة، ما يصل إلى حد "الإرهاب الخرائطي".
وجاء في التقرير أنه "بدلاً من إجلاء المدنيين إلى أماكن آمنة تتمتع ببنية تحتية طبية وسكنية مناسبة، أرسلت إسرائيل مئات الآلاف من الأشخاص إلى مناطق استهدفها الجيش الإسرائيلي في ما بعد، ما أدى إلى وقوع وفيات كبيرة بين المدنيين".
وذكرت المنظمة أنه اعتباراً من 17 فبراير، نزح ما يقرب من 1.7 مليون شخص من جميع أنحاء غزة، ومنهم من تكرر نزوحه عدة مرات، وفقاً لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.

إسرائيل متجاهلة محكمة العدل الدولية

أفاد مؤسس المنظمة المهندس المعماري البريطاني ـ الإسرائيلي، إيال وايزمان (Eyal Weizman)، أن دفاع إسرائيل في محكمة العدل الدولية اعتمد على ادعاء تخصيص مناطق آمنة بجانب التحذيرات وأوامر الإخلاء، وأنهم بذلك، وفق دعاويهم، حاولوا إنقاذ الأرواح، بدلاً من الانخراط، بوصفهم متهمين، في أعمال إبادة جماعية. وأضاف وايزمان: "في الواقع، عندما نظرنا إلى أوامر الإخلاء والأماكن الذي تم توجيه الفلسطينيين إليها فعلياً، رأينا أنه في كثير من الأحيان كان يجري إرسالهم إلى مناطق ليس فيها بنية تحتية كافية، مع ذلك فقد هاجم الجيش الإسرائيلي هذه المواقع".
في هذا الخصوص، كانت محكمة العدل الدولية قد قدمت في حكمها المؤقت عدداً من المطالبات القانونية لإسرائيل، تشمل اتخاذ جميع التدابير لمنع الأذى المتعمد للمدنيين، وتسهيل المساعدات الإنسانية الفورية لقطاع غزة، ومنع التحريض المباشر على الإبادة الجماعية ومعاقبته.
ويثبت التقرير عدم التزام إسرائيل بأي من هذه المطالبات، إذ يذكر أنه "منذ صدور الحكم، واصلت إسرائيل طرد الفلسطينيين وتهجيرهم قسراً من منازلهم وحرمانهم من الحصول على الغذاء والماء الكافي والمساعدات الإنسانية والوقود والمأوى والملابس والنظافة والصرف الصحي والرعاية الطبية".
وشرحت المنظمة المعمارية في تقريرها أن شمال قطاع غزة جرى إخلاؤه "عبر منشورات أُسقطت جواً في 13 أكتوبر/ تشرين الأول، أمرت جميع الأشخاص المقيمين شمال وادي غزة (نحو 1.1 مليون فلسطيني) بإخلاء منازلهم في غضون 24 ساعة، والتوجه جنوب وادي غزة، الذي يقسم الشمال والجنوب الجديد في غزة، وجاء في منشور جيش الاحتلال: ممنوع الاقتراب من الجدار الأمني، ومن يقترب يعرض نفسه للموت". وأضاف التقرير أنه "في 22 أكتوبر/تشرين الأول، أُسقط منشور آخر جواً، حذَّر السكان من أن "كل من يختار عدم مغادرة شمال غزة إلى جنوبها قد يُعتبر عضواً في منظمة إرهابية"، ووفقاً لـForensic Architecture؛ فإن تلك الأوامر "كانت بمثابة شكل من أشكال العقاب الجماعي".

"مناطق آمنة"

يتتبع التقرير بعد ذلك تعليمات للجيش الإسرائيلي، صدرت في 2 ديسمبر/كانون الأول 2023، بإخلاء المناطق الواقعة جنوب وادي غزة، بما في ذلك خانيونس ومخيمات اللاجئين في وسط القطاع، وقد وفرت هذه المناطق، المُصنّفة سابقاً على أنها "آمنة"، ملجأً لآلاف النازحين من شمال غزة، ما أجبرهم على مرحلة جديدة من النزوح الجماعي.
تذكر المنظمة المعمارية أن هناك حالياً ثلاث مناطق في قطاع غزة صنفها الجيش الإسرائيلي على أنها "مناطق آمنة": رفح، ودير البلح، والمواصي. لكن تقرير Forensic Architecture يشير إلى أنها أيضاً عرضة للاجتياح.

كما أوردت المنظمة أن حرم جامعة الأقصى قد أُخلي بالقوة خلال شهر يناير/كانون الثاني، على الرغم من عدم تلقي أي أمر رسمي بالإخلاء، وتعرضت كذلك المستشفيات والمدارس التي تؤوي النازحين، بما في ذلك مستشفى الشفاء والقدس، للهجوم والإخلاء. وتصف الشهادات التي قدمها الأطباء العاملون في ما يسمى بـ"المناطق الآمنة" ظروفاً غير صالحة للعيش، إذ يقول الطبيب يبينغ جي (Yipeng Ge) إنه شاهد العديد من حالات سوء التغذية والالتهابات الحادة والحروق الناجمة عن الغارات الجوية خلال فترة وجوده في قطاع غزة. وأضاف أن "السبب وراء ظهور هذه الإصابات في مثل هذا العدد الكبير من المرضى، هو الأزمات المتداخلة والمتعلقة بالغذاء والمياه النظيفة والأمن السكني، والتي لم يكن أي منها متاحاً في المناطق التي أعلن الجيش الإسرائيلي أنها "آمنة" وزرناها. باختصار، لم تعد هناك أماكن آمنة في غزة، وهذا هو الحال منذ عدة أسابيع حتى الآن".

سينما ودراما
التحديثات الحية

وقال جي في شهادته أيضاً: "يتم تجويع الأطفال عمداً، ولا توجد إمكانية موثوقة للحصول على طعام مغذٍّ، ومياه نظيفة، ومأوى ومسكن لائقين، ومن دون هذه الشروط ليس لدي أي استنتاج آخر سوى أن هذه إبادة جماعية للشعب في قطاع غزة".
وفي ختام التقرير الذي بلغ 80 صفحة، أكد رئيس Forensic Architecture أنه "بدلاً من التأكد من سلامة الناس وتوفير الرعاية لهم، استخدمت التدابير الإنسانية سلاحاً للتدمير. كذلك، من الواضح أن عودة الرهائن الإسرائيليين ليست أولوية".
وأضاف وايزمان: "يتعلق الأمر الآن بالتدمير الكامل لغزة، كل المدن، جميع الحقول، كل المواقع الأثرية، كل شيء فوق السطح، كما تم تدمير كثير مما هو موجود تحت الأرض".

المساهمون