هكذا يموّل الاتحاد الأوروبي الرقابة والتجسس عالمياً

هكذا يموّل الاتحاد الأوروبي الرقابة والتجسس عالمياً

13 نوفمبر 2020
تشجيع على استخدام البرامج الضارة لاختراق هواتف آيفون والشبكات الاجتماعية (تشيسنوت/Getty)
+ الخط -

خلال السنوات الماضية، ظهرت تقارير حقوقيّة من منظمات متعددة، بعضها معنية بحقوق الإنسان وحرية التعبير وأخرى معنية بالأمن الإلكتروني والخصوصيّة، توضح مدى التجسس والرقابة التي تقوم بها حكومات حول العالم بمساعدة شركات تصمم وتبيع برامج تجسس وقرصنة. حازت بعض القضايا على اهتمام عالمي، فيما دفنت أنظمة متعددة تلك المعلومات.

وفيما بدأت المعلومات عن التجسس تتكشف عالمياً من الولايات المتحدة الأميركية وأجهزة استخباراتها، أظهرت معلومات لاحقة ضلوع شركات إسرائيلية في عملية القرصنة، وانخراط حكومات حول العالم بينها حكومات عربيّة في ذلك الانتهاك، ما نتج منه سجن معارضين والتنكيل بهم. لكنّ القضيّة لا تتوقف هنا، فبينما يزداد اللجوء إلى الإنترنت كفضاء للعمل والدراسة والنشاط السياسي، خصوصاً مع ما فرضته جائحة كورونا من تدابير، تزداد محاولات الأنظمة والحكومات والشرطة حول العالم لانتهاك حقوق الأفراد وقرصنتهم. ويبدو أنّ الاتحاد الأوروبي يموّل عمليات التجسس ويشجّع عليها عبر "وكالة تدريب على تطبيق القانون"، من أموال مخصصة لبرامج مساعدات في عدة دول بينها في القارة الأفريقيّة. 

ووفقًا لوثائق حصلت عليها "منظمة الخصوصية الدولية" Privacy International غير الربحية، والتي نقلتها "فوربس"، تتلقى الشرطة في جميع أنحاء العالم تدريبًا خاصًا من وكالة غير معروفة في الاتحاد الأوروبي حول أفضل السبل للتجسس على هواتف "آيفون" وتطبيقات "فيسبوك" و"تويتر" وغيرها.

تكشف الملفات أن CEPOL، وهي وكالة تدريب أجهزة إنفاذ القانون في الاتحاد الأوروبي، درّبت الضباط في جميع أنحاء العالم، من داخل أوروبا وأفريقيا، حول كيفية استخدام البرامج الضارة (مالوير) والأدوات الأخرى للوصول إلى هواتف المواطنين ومراقبة الشبكات الاجتماعية. في بعض الحالات، تمّ تمويل التدريب من خزائن مساعدات الاتحاد الأوروبي وذهب  بعضها إلى دول لها تاريخ في انتهاكات حقوق الإنسان، بحسب منظمة الخصوصية الدولية.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

بدافع الغضب من المبادرات السرية السابقة التي تساعد المراقبة بدلاً من حماية الناس منها، تطالب منظمة الخصوصية الدولية ومنظمات حقوق الإنسان الزميلة بالإصلاح، وتطالب بتحويل أموال المساعدات المخصصة للتدريب على الاستخبارات إلى برامج غيريّة. 

وقال مدير المناصرة في منظمة الخصوصية الدولية إدين عُمانوفيتش: "ما كشف عنه اليوم يؤكد أسوأ مخاوفنا بشأن تحويل المساعدات الأوروبية وإضفاء الطابع الأمني ​​عليها. بدلاً من مساعدة الأشخاص الذين يواجهون تهديدات يومية من وكالات مراقبة غير خاضعة للمساءلة، بما في ذلك الناشطين والصحافيين والأشخاص الذين يبحثون فقط عن حياة أفضل، فإن هذه "المساعدة" تخاطر بفعل العكس تمامًا".

وأضاف "يجب على الاتحاد الأوروبي باعتباره أكبر مزود للمساعدات في العالم وقوة قوية للتغيير أن يسنّ إصلاحات عاجلة لهذه البرامج السرية وغير المقبولة. إن عدم القيام بذلك هو خيانة ليس فقط لغرض المساعدة والأشخاص الذين من المفترض أن تستفيد منهم، ولكن خيانة لقيم الاتحاد الأوروبي".

يأتي هذا الكشف بعد أيام قليلة من إعلان البرلمان الأوروبي عن خطط للحد من تصدير أدوات التجسس إلى حيث هناك انتهاكات لحقوق الإنسان.

تمويل تدريبات على التجسس من برامج مساعدات أوروبية

وتتكون الملفات إلى حد كبير من شرائح ووثائق من التدريبات التي قدمتها وكالة الاتحاد الأوروبي للتدريب على تطبيق القانون ومقرها بودابست وشركائها. وتوفر CEPOL التدريب لأسباب مختلفة، ويتم تمويله من قبل برامج الاتحاد الأوروبي المختلفة. في المبادرات التي اكتشفتها "منظمة الخصوصية الدولية"، جاء تمويل بعضها من برامج مكافحة الإرهاب، في حين جاء البعض الآخر، مثل 11.5 مليون يورو (13.6 مليون دولار) لطائرة بدون طيار وكاميرا المراقبة ومشروع التنصت في النيجر، من برامج المساعدات، مثل الصندوق الاستئماني للاتحاد الأوروبي لأفريقيا. وتؤكّد "منظمة الخصوصية الدولية" أنه حتى في الحالات التي لا يأتي فيها دعم الاتحاد الأوروبي للتدريب على المراقبة من أموال المساعدات، فإنه لا يزال يسلب الأموال من المشاريع الأكثر حميدة بشكل واضح.

من جانبه، قال متحدث باسم CEPOL إن تدريبها تم بما يتماشى مع قانون الاتحاد الأوروبي وسياسات الاتحاد الأوروبي، مضيفًا: "إن مشاركة الممارسات والتقنيات الجيدة، بما في ذلك تلك المتعلقة بالتحاليل الجنائية الرقمية ومراقبة وسائل التواصل الاجتماعي، أمر مهم لبناء القدرات من البلدان الثالثة لمكافحة الجرائم البشعة بشكل أكثر فعالية، مثل الاستغلال الجنسي للأطفال عبر الإنترنت؛ ومنع ومكافحة التطرف المؤدي إلى التطرف العنيف والإرهاب؛ أو تعطيل شبكات الجريمة المنظمة المتورطة في تسهيل الهجرة غير الشرعية أو الاتجار بالبشر أو المخدرات".

ومن بين مئات الشرائح التدريبية التي حصلت عليها "منظمة الخصوصية الدولية" تلك التي تروّج لأدوات اختراق "آيفون" مثل GrayKey. تُظهر الملفات التي أنتجتها شركة Grayshift ومقرها أتلانتا، أن الأداة التي تعِد بتجاوز شاشات القفل للعديد من أجهزة "آيفون" الحديثة، أصبحت الآن عالمية ويتم دفعها في إفريقيا وخارجها بواسطة CEPOL.

وفي شريحة تدريبية لجلسة في المغرب، أخبرت CEPOL المشاركين بأن الميزة الرئيسية لاستخدام GrayKey مع أداة تسمى Axiom، من صنع شريك الشرطة الكندي Magnet Forensics، هو أنه يمكنه الحصول على سلسلة مفاتيح "آبل" من داخل "آيفون" (توفر آبل خدمة على الهواتف لحفظ كلمات السر وإدخالها دون الحاجة لحفظها)، ومنحها إمكانية الوصول للتطبيقات والبيانات الموجودة داخلها. وتعرّض المغرب لانتقادات متكررة لاستخدامه أدوات تجسس لاستهداف أجهزة "آيفون" الخاصة بالناشطين والصحافيين، وآخرها قضية الصحافي عمر الراضي.

أما بالنسبة لطريقة أخرى لكسر أمان أجهزة "آيفون" أو الهواتف الذكية الأخرى، فقد دربت شركة "بوليسيا ناسيونال" الإسبانية، وهي شريكة لـCEPOL، السلطات في البوسنة والهرسك على استخدام البرامج والأنظمة الضارّة التي يمكنها التحكم عن بعد في الجهاز المصاب. تقول إحدى الشرائح ببساطة: "المستقبل هو استخدام البرامج الضارة". 

وأثارت هذه البرامج والأدوات الكثير من الجدل في الماضي، حتى أنّ "فيسبوك" رفع دعوى قضائيّة ضدّ شركة "إن إس أو" الإسرائيليّة التي تصنّع برامج تجسس وتبيعها لدول تنتهك حقوق الإنسان، بينها دول عربية، وتستخدم للتجسس على الناشطين والصحافيين والمعارضين والتنكيل بهم. وجاءت دعوى "فيسبوك" بعد أنباء عن قيام "إن إس أو" باختراق "واتساب".

تُظهر الملفات أيضًا كيف تشجع CEPOL والشرطة الأوروبية الحكومات الأجنبية على التجسس على الشبكات الاجتماعية

وبحسب "فوربس"، تُظهر الملفات أيضًا كيف تشجع CEPOL والشرطة الأوروبية الحكومات الأجنبية على التجسس على الشبكات الاجتماعية. تعِد إحدى الوحدات التدريبية، لجهاز الأمن الوطني المغربي، بأساليب "للمضي قدمًا" على "فيسبوك". وتم تقديمه مع شريحة مبهمة تقول إن "فيسبوك" "يساعد المتعقّبين منذ 2004". غطت الجلسة استخدام الحسابات المزيفة (والتي من شأنها أن ترقى إلى انتهاك سياسات فيسبوك) وشراء أدوات تحليل الشبكات الاجتماعية المستخدمة لتصور العلاقات بين الأهداف محل الاهتمام.

بالنسبة إلى "تويتر"، يتم تشجيع الوكلاء على الظهور كمطورين حتى يمكن منحهم وصولاً أعمق من المستخدم العادي. يمكنهم بعد ذلك استخدام أدوات الكشط لجمع أعداد كبيرة من التغريدات في وقت واحد. خوفًا من سوء المعاملة من قبل شركات المراقبة، حاول "تويتر" تضييق الخناق على هذه الممارسة، وحصر ما يسمى بـ"وصول خرطوم الإطفاء" firehose access إلى عدد قليل من الشركات.

المساهمون