نواعير حماة... الزلزال صدعها والإهمال يهدد بانهيارها

نواعير حماة... الزلزال صدعها والإهمال يهدد بانهيارها

14 اغسطس 2023
عدد وأدوار النواعير تراجع في السنوات الأخيرة (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

لمدينة حماة ذكريات لا تُنسى بالنسبة لأركان النظام السوري، فمن هناك نشطت حركات إسقاطه نهاية سبعينيات القرن الماضي، وهناك نفذ الأسد الأب كبرى مجازره وقتل في فبراير/ شباط 1982 نحو 40 ألف سوري. ومن حماة أيضاً، خرج السكان إلى الشوارع بداية ثورة عام 2011.

هذه الذكريات سبب، وإن غير معلن، للإهمال الذي تلاقيه المدينة اليوم، خاصة بعد زلزال فبراير/ شباط الماضي الذي أتى على معظم الأوابد والآثار، ولم يلق عناية أو خطط ترميم، كتلك التي حدثت، وإن على الورق، في بقية المحافظات التي تأثرت بالكارثة.

الأكاديمي حازم الشعار يؤكد من حماة، لـ"العربي الجديد"، أن نحو 45 معلماً أثرياً تأثر جراء الزلزال في حماة. لكن قصر العظم والنواعير هي الأكثر تضرراً، فتشققات وانزلاق الأرضيات وتسرب المياه وتضرر قصر العظم قرب الحديقة العامة وقريباً من النواعير بادية للعيان.

لكن الخطر الأكبر برأي الشعار، الموظف السابق في وزارة التربية، يتمثل في ناعورة البشريات التي تصدّع جدارها بشكل ينذر بالانهيار، مستغرباً الصمت والمماطلة في الترميم حتى اليوم.

ويشير الشعار إلى ما وصفه بالإهمال لمدينة حماة وأهم معالمها، النواعير، التي خرج 10 منها من الخدمة من أصل 25 ناعورة عرفت بها مدينة أبي الفداء. وأسباب خروج النواعير عن الخدمة "واهية وتافهة" برأيه، فمرة يقال إن ليس هناك عمال صيانة، ومرة إن لا موازنة تكفي لدى المحافظة.

ويحذر الشعار من سقوط جدار ناعورة البشريات، لتخسرها حماة كما خسرت أكبر النواعير المحمدية التي يبلغ قطرها 22 متراً ويعود بناؤها إلى العام 1361 وفقاً لمنظمة "يونيسكو"، والتي ترجّح أن بناء النواعير عموماً يعود إلى الحقبة العربية في القرون الوسطى.

واسم البشريات يطلق على ناعورتين، الكبرى قطرها 19 متراً وتحوي 120 صندوقاً، أما الصغرى فقطرها 13 متراً وتحوي 80 صندوقاً. واختلف المؤرخون في تحديد من بنى النواعير، فمنهم من يرجع هذا الصرح للآراميين، أي للألف الأولى قبل الميلاد، ومنهم من يقول إنها تعود للعهد الروماني. وناعورة البشريات هي ثالث أكبر ناعورة في حماة بعد المحمدية والمأمورية.

مدير دائرة آثار حماة حازم جركس صرّح أخيراً أن حجرية ناعورة البشريات الكبرى تأثرت بالزلزال، إذ تعرضت لتشققات واضحة في الحجارة والأقواس، وأحد جدرانها تعرض لميول ويُخشى من هبوطه، مؤكداً أنه خاطب محافظة حماة حول المواقع المتضررة للمساعدة في ترميمها، كون دائرة الآثار ليست لديها إمكانية أو موازنة للترميم.

لكن المتخصص ومستثمر المواقع الأثرية يوسف إسماعيل يقول لـ"العربي الجديد" أن الإهمال هو مصير البشريات كما سابقاتها، كاشفاً لـ"العربي الجديد" عن محاولات إرغام مستثمر مطعم "الأربع نواعير" على ترميمها، كونها ملاصقة لمطعمه، وستدعمه مديرية الآثار بالموافقات والإشراف.

علوم وآثار
التحديثات الحية

ويصف إسماعيل وضع نواعير حماة بالبائس، مشيراً إلى أن تراجع منسوب مياه نهر العاصي، لدرجة الجفاف أحياناً، يفرض الترميم والصيانة الدورية للنواعير المتوقفة. وقال: "قبل الثورة، عام 2009، أعلنوا عن ترميم ناعورة البشريات، ثم توقفوا" ما دفع الأهالي العام الماضي، قبل الزلزال، لإطلاق حملة تبرعات "شاركنا فيها"، لكن العمل اقتصر على الدائرة الخارجية وتوقف قبل الاستكمال، ليأتي الزلزال ويهدد الناعورة بالانهيار.

وتعرف مدينة حماة بنواعيرها التي بنيت لرفع مياه نهار العاصي من مجراه المنخفض إلى الأعلى، ليكون بمستوى البساتين المرتفعة، بالإضافة إلى نقل المياه إلى المنازل والمساجد والحمامات الشعبية المجاورة. لكن عدد وأدوار النواعير تراجع.

تشير المراجع إلى أنه حتى مطلع القرن العشرين، كان عدد النواعير في مدينة حماة والأراضي التابعة لها 105 نواعير، منها 25 داخل مدينة حماة نفسها. ولم يتبقَّ منها اليوم إلا نحو 40 ناعورة في حالة العمل، منها داخل المدينة 25 ناعورة تنتظم في خمس مجموعات:

مجموعة البشريات تقع في مدخل حماة من جهة الشرق وتضم أربع نواعير، وهي تتكون من مجموعتين فرعيتين كل منهما يتكون من ناعورتين هما البشريتان والعثمانيتان.

ومجموعة الجسريات تتكون من أربع نواعير أيضاً، وهي ناعورة الجسرية والمأمورية والمؤيدية والعثمانية وهي من أجمل النواعير في العالم.

ومجموعة الكيلانيات تتألف من أربعة نواعير أيضاً، ثلاثة منها على الضفة اليسرى وواحدة فقط على الضفة اليمنى وتحمل أسماء الجعبرية والطوافرة والكيلانية.

ومجموعة شمال القلعة تقع في محلة باب الجسر على الطرف الشمالي لقلعة حماة، وهي ثلاث نواعير اثنتان منها على الضفة اليسرى وواحدة منها على الضفة اليمنى للنهر وتحمل التسميات التالية: الخضر والدوالك والدهشة.

ومجموعة باب النهر تتكون من أربع نواعير اثنتان منها لا تزالان قيد العمل، وهما المحمدية والقاق، واثنتان أخريان قد زالتا من الوجود من قبل نحو نصف قرن وهما العونية والبركة.

وفي حين يستمر خطر انهيار جدار وناعورة البشريات، أطلق معاون مدير الثقافة مجد حجازي، نهاية الشهر الماضي، عبر صحيفة الفداء المحلية، نداء تحذير، قائلاً: "يجب وقف ناعورة البشريات عن الدوان فوراً بسبب التشققات الموجودة عند تقاطع وتلاقي برج الناعورة مع قناطر الحجرية"، ما دفع شخصيات سياسية ومؤسسات سورية أخيراً إلى إطلاق "نداء عاجل" لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، لحماية الآثار في منطقة دمشق القديمة بشكل خاص وسورية بشكل عام، من "ممارسات نظام الأسد الممنهجة الساعية إلى تدمير هوية البلاد التراثية".

المساهمون