مودي وإعلامه... حين يُخذَل الهنود مرتين

مودي وإعلامه... حين يُخذَل الهنود مرتين

06 مايو 2021
لم تتمكن الهند إلا من تطعيم 9.5 في المائة من سكانها (هيمانشو شارما/فرانس برس)
+ الخط -

بينما سلطت تقارير إخبارية الضوء على ضحايا "كوفيد-19" من الصحافيين في الهند، وعلى حكومة ناريندرا مودي القومية اليمينية المتطرفة التي تحكم قبضتها يومياً على حرية التعبير والتغطية الصحافية، رأى الصحافي ديبايسش روي تشاودري، أن على وسائل الإعلام الخاضعة تحمّل مسؤوليتها أيضاً عن الأزمة الصحية في البلاد.

يزداد الوضع الصحي في الهند سوءاً، مع تسجيلها أكثر من 20 مليون إصابة بـ"كوفيد-19" يوم الثلاثاء، فيما لا تزال المستشفيات في البلاد تختنق بالمصابين، ما دفع أستراليا إلى منع عودة الآلاف من مواطنيها الذين تقطعت بهم السبل في الهند. وسجلت الهند وفيات قياسية بفيروس كورونا الجديد بلغت 3780 وفاة الأربعاء، بعد يوم من تجاوز العدد الإجمالي لحالات الإصابة في البلاد حاجز 20 مليوناً، لتصبح ثاني دولة تصل لهذا الرقم بعد الولايات المتحدة الأميركية. وأظهرت بيانات وزارة الصحة الهندية أن عدد الإصابات اليومية ارتفع إلى 382315 حالة الأربعاء.

سجلت الهند أكثر من 222 ألف وفاة، وهي حصيلة تعزى إلى التجمعات الدينية والسياسية التي سمح بإقامتها في الأشهر الأخيرة، وكذلك إلى تراخي حكومة ناريندرا مودي. ويعتقد خبراء أن الأرقام الفعلية أعلى من ذلك بكثير. ويواجه النظام الصحي الذي يفتقر إلى الموارد وغير المهيَّأ لمواجهة هذا الوضع، نقصاً كبيراً في الأسرّة والأدوية والأكسجين، رغم تدفق المساعدات الدولية في الأيام الأخيرة. وتعزف حكومة مودي عن فرض العزل العام والإغلاق خشية التداعيات الاقتصادية، لكن بعض الولايات فرضت قيوداً اجتماعية خاصة بها.

وتتزامن الزيادة في عدد الإصابات في الهند مع تراجع شديد في عمليات التطعيم، لوجود مشاكل في الإمداد والتوصيل. ولم تتمكن البلاد إلا من تطعيم 9.5 في المائة من سكانها البالغ عددهم 1.35 مليار نسمة بجرعة لقاح واحدة على الأقل.

وسائل الإعلام الموالية لمودي تتحمل مسؤولية المساهمة في "تراكم هذه المأساة الملحمية"، لأنها فشلت في محاسبة حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم حين كانت الفرصة لا تزال سانحة

وقال الصحافي ديبايسش روي تشاودري، في مقال نشرته مجلة "ذا تايم" الأميركية يوم الاثنين، إن قنوات إخبارية عدة باللغتين الهندية والإنكليزية، إضافة إلى منصات إعلامية إقليمية، مؤيدة لمودي، إما بالغت في تقدير إنجازات حكومته، متجاهلة الإخفاقات، أو حمّلت مسؤولية هذه الإخفاقات للمعارضين والليبراليين والمسلمين والناشطين واليساريين والمتظاهرين والمنظمات غير الحكومية.

وأشار إلى أن أشد مؤيدي الحكومة الهندية من الإعلام أصبحوا غير قادرين الآن على التعتيم على الأزمة الصحية في البلاد، لكنه حمّل وسائل الإعلام هذه مسؤولية المساهمة في "تراكم هذه المأساة الملحمية"، لأنها فشلت في محاسبة حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم حين كانت الفرصة لا تزال سانحة.

حزب "بهاراتيا جاناتا" الهندوسي القومي المتشدد مُني يوم الأحد بهزيمة قاسية في الانتخابات المحليّة في البنغال الغربية، الولاية الأساسية البالغ عدد سكانها 90 مليون نسمة، حيث اتسمت الحملة الانتخابية بشراسة بالغة وبأعمال عنف. 

ترويض الإعلام الهندي بدأ بصعود ناريندرا مودي إلى السلطة عام 2014، محولاً بعض أكبر الأسماء في قطاع الأخبار في الهند "من كلاب حراسة إلى كلاب خانعة"

وحسب ديبايسش روي تشاودري، فإن ترويض الإعلام الهندي بدأ بصعود مودي إلى السلطة عام 2014. إذ أعيد تشكيل القيادات التحريرية لبعض المؤسسات الإخبارية الكبرى في الهند، وتحديداً شبكات التلفزيون، كذلك استبعد كبار المحررين الذين ينظر إليهم على أنهم أكثر ولاءً للرؤية الليبرالية للهند بدلاً من النظرة القومية الهندوسية لحزب "بهاراتيا جاناتا"، وألغيت القنوات الجديدة.

وأفاد الصحافي بأن الحكومات الفيدرالية وحكومات المقاطعات في الهند تفرض سلطة هائلة على الشركات الإعلامية، بسبب ميزانياتها الضخمة للإعلان على مستوى الولاية والحزب. أنفقت الحكومة الفيدرالية وحدها نحو 270 ألف دولار أميركي على الإعلانات يومياً في السنة المالية 2019 إلى 2020. وقال ديبايسش روي تشاودري إن مودي "حوّل بعض أكبر الأسماء في قطاع الأخبار في الهند من كلاب حراسة إلى كلاب خانعة".

سوشيال ميديا
التحديثات الحية

تحتل الهند المرتبة الـ 142 من أصل 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة الذي تعده منظمة "مراسلون بلا حدود". ووفقاً للمنظمة نفسها، بات الفاعلون الإعلاميون في هذا البلد عُرضةً لمختلف أشكال الاعتداءات، سواء من الشرطة أو جماعات المافيا أو السياسيين الفاسدين. فمنذ الانتخابات العامة ربيع عام 2019 التي شهدت فوزاً كاسحاً لحزب "بهاراتيا جاناتا"، شرع القوميون الهندوس في تكثيف ضغوطهم على وسائل الإعلام لفرض خطاب الحكومة على المشهد الصحافي، بينما يشنون حملة ملاحقة شاملة ضد أي فكر "مناهض للقومية" في النقاش العام وسط المجتمع.

ولفت الصحافي إلى أن هذا الوضع المتدني يظهر بشكل أكثر حدة في رداءة نوعية المعلومات العامة والتهليل المتواصل لمودي الذي ينتشر مثله مثل الأخبار الزائفة.

ثبتت أول إصابة بـ"كوفيد-19" في الهند في يناير/ كانون الثاني من العام الماضي، لكن حكومة مودي رفضت تحذيرات المعارضة بشأن الكارثة المنتظرة حتى مارس/ آذار، حين غرد وزير الصحة في البلاد: "لا داعي للذعر. الهند لديها نظام رعاية صحية قوي يحظى بتقدير عالمي".

لكن بعد أسابيع قليلة، أعلن مودي تنفيذ إحدى أقسى عمليات الإغلاق في العالم بإشعار مدته أربع ساعات فقط. "تلاشت مداخيل الملايين في لحظة، ما أدى إلى هجرة جماعية غير مسبوقة للعاملين بأجر يومي من المدن إلى قراهم. مات المئات وهم يحاولون العودة إلى منازلهم وسط الإغلاق. انهار الاقتصاد بنسبة 24 في المائة. زاد عدد الفقراء بمقدار 75 مليوناً، وهو ما يمثل 60 في المائة من الزيادة العالمية في الفقر ذلك العام".

حمت وسائل الإعلام حينها مودي من أي محاسبة عامة مناسبة لتعاطيه مع الوباء، وظهر مرات متكررة في التلفزيون، في إطلالات لم يقدم فيها أي خطط ملموسة لمعالجة الأزمة، بل دعا إلى مهرجانات الصوت والضوء، وأمر القوات المسلحة برش الزهور على المستشفيات، وفق ما جاء في مقالة الصحافي ديبايسش روي تشاودري.

ساعدت البهرجة الإعلامية لمودي في إبعاد الانتباه عن الأزمة التي تؤثر في العمال المهاجرين وانهيار نظام الرعاية الصحية والاقتصاد خلال الموجة الأولى. وحمّل الإعلام الموالي لمودي المسلمين مسؤولية تفشي فيروس كورونا الجديد. مع انحسار الفيروس بعد الموجة الأولى، شكّل مودي رواية إعلامية مفادها أن الإغلاق "الحاسم" هو الذي أنقذ البلاد، وأعلن النصر على المرض قبل الأوان. وحتى عندما حذر العلماء من موجة أخرى وشيكة، قاد مودي ولاية تلو أخرى في الانتخابات التي شهدت تجمعات للحشود من دون ارتداء الكمامات، بينما أثارت وسائل الإعلام حمّى الحملة بتغطية شاملة.

وفي أثناء توقف حكومة مودي عن الاستعداد لموجة ثانية من الوباء، خصصت القنوات التلفزيونية أوقات الذروة التي تشهد أعلى معدلات مشاهدة للترويج لعلاجات زيت الثعبان. وضخمت وسائل الإعلام دعاية مودي التي تروج لقيادة اللقاحات الهندية وتصديرها إلى العالم.

وقال ديبايسش روي تشاودري: "خلال العام الماضي، تخلت أقسام رئيسية من وسائل الإعلام الهندية عن مسؤوليتها الرقابية. رفضت مساءلة مودي، وسمحت له باستغلال كارثة وطنية في تعزيز صورته وتوطيد سلطته وقمع المعارضة. مثل مودي، خذلت وسائل الإعلام هذه الهند عندما كانت في أمس الحاجة إليهم. الهنود والعالم الآن يلومون حكومة مودي لإسقاط الكرة في المعركة ضد كوفيد-19. وسائل الإعلام التي خضعت لحاكمي الهند مسؤولة بالقدر نفسه".

المساهمون