الإسكات الهندي: "تويتر" أداة لقمع التعبير

الجائحة سببت كارثة إنسانية في الهند (نافين شارما/Getty)
30 ابريل 2021
+ الخط -

كارثةٌ إنسانيّة في الهند: منذ أيام، يتواصل الجحيم في البلاد، فالموجة الثانية من جائحة كورونا أثقلت على المواطنين حياتهم، وبلغت مستويات الإصابة بها أرقاماً قياسيّة عالميّة، تخطّت 350 ألف إصابة في اليوم. ازدحامٌ في محارق الجثث، ازدحام في المستشفيات، وأمام مراكز تلقّي لقاح كورونا. تنقل الصور والأرقام الآتية إلينا من هناك الجحيم الحقيقي للفيروس، الذي لا يزال يفرض نفسه على حيواتنا جميعاً في العالم منذ أكثر من عام. أتى ذلك، بعدما كانت السلطات قد أشارت إلى الوصول إلى "مناعة القطيع"، وأنّ الهند استطاعت التغلّب على الفيروس. أتت هذه الأيام لتنفي كلّ ذلك، وترسم صورةً قاتمةً، وغصّات لمَن يخسرون أحبّاءهم بسبب الوباء. تتالت الانتقادات للحكومة، لتعامل رئيس الوزراء ناريندا مودي مع الجائحة، وكانت وسائل التواصل الاجتماعي منصّات لها. لكن بالرغم من كلّ تلك المآسي، تستحضر الحكومات صورة القمع، ناصعةً برّاقة. ففي ظلّ كلّ هذا الألم، تجد الحكومة الهنديّة الفرصة لإسكات منتقديها، وتجد مواقع التواصل الاجتماعي نفسها ممسوكةً في تلك الشبكة، لتظهر شركة "تويتر" مجدداً كقامعةٍ للهنود، لا كحاميةٍ لحرية التعبير، حسب ما تصوّر نفسها دائماً.

ليس القمع في ظلّ جائحة كورونا بجديد أو بحكرٍ على الحكومة الهنديّة، بل سارعت الكثير من الحكومات والأنظمة إلى استغلال الجائحة لفرض تضييق على حريّة التعبير ومنع انتقادها ومساءلة إجراءاتها، كما أثّر ذلك على حريّة الصحافة في العالم، حسب ما تظهر إحصائيات منظمة "مراسلون بلا حدود" الصادرة هذا الشهر. لكنّ العلاقة الملتبسة بين "تويتر" والهند تظهر حجم الخطر على تلك الحريّة. فالهند، بعدد سكّانها البالغ 1.3 مليار نسمة، تعدّ واحدةً من أكبر الأسواق بالنسبة للشركات التكنولوجيّة، خصوصاً في ظلّ القمع الصيني والحجب الذي يطاول الشركات الأميركيّة هناك. وهذا السوق، يفرض على تلك الشركات الامتثال لطلباته، نظراً إلى خوفها من إجراءات واسعة بحقّها، قد تحجب خدمتها، وبالتالي عدد مستخدميها، وأرباحها المتأتّية من الإعلانات أيضاً. لا يقتصر ذلك على "تويتر"، إنّما يمتدّ إلى أغلب الشركات التكنولوجيّة، وتحديداً تلك التي تقدّم خدماتٍ مجانيّة لكنّها تبتغي الربح أيضاً. لكنّه في حالة "تويتر"، يظهر حجم النفاق، كون الشركة ومسؤوليها، يؤكدون باستمرار أولويّة الحريّة بالنسبة إليهم، الأمر الذي لا يظهر مطلقاً في تطبيقهم الإجراءات، أو حمايتهم المستخدمين على المنصّة، إن في الهند، أو في أي بقعةٍ أخرى من العالم.

رصد
التحديثات الحية

ماذا حصل؟ يوم الجمعة الماضي، طلبت الحكومة الهندية من شركة "تويتر" حذف عشرات التغريدات، بينها تغريدات لمشرعين محليين، تنتقد تعامل الهند مع تفشي وباء كورونا، وتحديداً تعامل رئيس الوزراء ناريندرا مودي، مع وصول عدد الإصابات بالفيروس إلى رقم قياسي عالمي تكرّر خلال الأيام الأخيرة. وقالت متحدثة باسم الشركة لوكالة "رويترز"، السبت الماضي، إن تويتر حذفت بعض التغريدات بعد طلب قانوني قدمته الحكومة الهندية.

كشفت قاعدة بيانات تابعة لجامعة هارفارد أن الحكومة قدمت طلباً عاجلاً لحجب التغريدات. وطبقا لقاعدة البيانات، قدمت الحكومة طلباً قانونياً بتاريخ 23 أبريل/ نيسان تضمن الإشارة إلى 21 تغريدة بينها تغريدات كتبها مشرع يدعى ريفناث ريدي ووزير في الحكومة المحلية بولاية غرب البنغال يدعى مولوي غاتاك ومخرج سينمائي يدعى أفيناش داس. واستند الطلب الذي قدمته الحكومة إلى قانون تكنولوجيا المعلومات لعام 2000. وقالت متحدثة باسم تويتر، السبت: "عندما نتلقى طلباً قانونياً مشروعاً نراجعه في ظل قواعد تويتر والقانون المحلي". وأضافت: "إذا كان المحتوى ينتهك لوائح تويتر، يُزال المحتوى من الخدمة. إذا خلصنا إلى أنه غير مشروع في سلطة قضائية معينة ولا ينتهك لوائح تويتر فإننا قد نحذف المحتوى في الهند فقط".

من جانبها، قالت وزارة الإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات الهندية، يوم الأحد، إنّها طلبت من "تويتر" و"فيسبوك" ومنصّات أخرى إزالة حوالى 100 منشور "في ضوء إساءة استخدام بعض المستخدمين لمنصات التواصل الاجتماعي لنشر معلومات وهميّة أو مضللة". وحسب ما نقلت "سي أن أن"، فقد اتُّهم هؤلاء المستخدمون بإثارة "الذعر" بشأن موجة "كوفيد-19" الأخيرة من خلال "استخدام صور غير مرتبطة، قديمة، خارج السياق، أو غير ذات صلة" في "منشورات حساسة مجتمعية ومعلومات خاطئة عن بروتوكولات كورونا". وقال البيان الذي تضمن لقطات الشاشة (سكرينشوتس) من المشاركات المحظورة من "فيسبوك" و"تويتر" و"إنستغرام"، إن "بعض هذه الحسابات تحث المواطنين على عدم ارتداء قناع"، أو إثارة الكراهية "من خلال إثارة المشاعر الدينية".

حجبت "فيسبوك" بالفعل منشوراتٍ تدعو إلى رحيل مودي، وتنتقده، لكنّ الشركة قالت إنّها لم تحجب المنشورات بناءً على طلب الحكومة الهنديّة، بعد أسئلةٍ طرحت عليها من مواقع إعلاميّة بينها "باز فيد". وبحسب "ذا فيرج"، أعادت الشركة المنشورات المحجوبة بعد ساعات. 

وبينما حُجبت بعض التغريدات التي يغطيها الطلب في الهند، إلا أنها متاحة للمستخدمين خارج البلاد، لكنّ مضمون بعضها يشير إلى مستوى القمع، فهي تحتوي على انتقادات مشروعة، لا على أخبار كاذبة. وبحسب "سي أن أن"، تشمل المنشورات تغريدات كتبها سياسيون معارضون، يلومون مودي على زيادة انتشار فيروس كورونا. وكتب عضو البرلمان ريفانث ريدي في إحدى التغريدات المحذوفة، عبر وسم "مودي صنع الكارثة" (#ModiMadeDisaster) أنّ "الهند تسجل أكثر من مائتي ألف حالة كل يوم، ونقصاً في اللقاحات، ونقصاً في الأدوية، وزيادة في عدد الوفيات... نظام الرعاية الصحية ينهار!". في تغريدة أخرى حُجبَت، كتب مولوي غاتاك، زعيم حزب معارض في ولاية البنغال الغربية: "لن تسامح الهند أبداً رئيس الوزراء ناريندا موندي على التقليل من شأن حالة كورونا في البلاد وترك الكثير من الناس يموتون بسبب سوء الإدارة. في وقت عندما تمر الهند بأزمة صحية، يختار رئيس الوزراء تصدير ملايين اللقاحات إلى دول أخرى"، مستخدماً وسماً باللغة الهندية يدعو إلى إزالة مودي من منصبه، هو #ModiHataoDeshBachao، (أزل مودي، أنقذ البلد). 

شهدت البلاد موجة مروعة من الإصابات والوفيات بسبب الجائحة، حتى بدأ النظام الصحي المتداعي بالحصول على دعم هو في أشد الحاجة إليه من دول أجنبية. أدى ارتفاع وتيرة الإصابات، الذي حفزته السلالات الجديدة لفيروس كورونا، إلى تقويض مزاعم الحكومة الهندية المبكرة بشأن الانتصار على الوباء، إذ تواجه الدولة التي يبلغ عدد سكانها ما يقرب من 1.4 مليار نسمة نقصاً مزمناً في أجنحة العناية الفائقة. كذلك تعاني المستشفيات من نقص الأكسجين، ويضطر كثيرون إلى اللجوء إلى مرافق مؤقتة لدفن الجثث ذويهم وحرقها، بحسب "أسوشييتد برس". وأتى كل ذلك مع انتقادات مشروعة للمسؤولين عن البلاد والتعامل مع الوباء، المتمثلين في الحكومة وفي شخص مودي.

لكنّ الجائحة ليست السبب الوحيد للقمع، بل كلّ ما يمسّ الحكومة وقراراتها أو مودي شخصياً. فهذه ليست المرة الأولى التي يجري فيها التضييق عبر "تويتر" في إطار جهود الهند لقمع المعارضة. في فبراير/ شباط الماضي، احتج المزارعون على قوانين الزراعة الجديدة لحكومة مودي، وأوقف "تويتر" لفترة وجيزة العديد من الحسابات بناءً على طلب الحكومة، لكنه أعادها بعد ساعات قليلة بعد احتجاج شعبي، ثم ثار الجدل حول الحريات والحقوق والقوانين بين سيليكون فالي ونيودلهي. تلت ذلك حالةٌ من الغضب عبر الإنترنت بعد فترة وجيزة، وأعادت الشركة لاحقاً إمكانية الوصول إلى هذه الحسابات، ما دفع الحكومة الهندية إلى توجيه إشعار لها بعدم الامتثال. وبعد أن تلقى عدة أوامر حظر منفصلة من وزارة الإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات الهندية في ما يتعلق باحتجاجات المزارعين الضخمة، أوقف جزءاً من حسابات هندية، قائلاً إنّ ذلك حصل فقط داخل البلاد وليس خارجها، وإنّه لم تكن ضمن الحسابات المحجوبة حسابات لصحافيين أو مؤسسات إخبارية أو ناشطين أو سياسيين، لأن ذلك "ينتهك حقهم الأساسي في حرية التعبير بموجب القانون الهندي". هذا علماً أنّ الهند خنقت حريّة التعبير المرتبطة بالاحتجاجات وقتها، ووصل ذلك إلى حدّ الغضب من المشاهير الذين دوّنوا متضامنين مع المزارعين ورافضين لقمع حقّهم في التعبير، وكان بينهم المغنيّة ريهانا.

سوشيال ميديا
التحديثات الحية

واستخدمت الهند، في الماضي، قانون تكنولوجيا المعلومات لحجب المعلومات في محاولة لحماية "سيادة وسلامة الهند" والحفاظ على النظام العام، حسبما قالت. في يونيو/ حزيران الماضي، استندت الهند إلى قانون تكنولوجيا المعلومات لحظر تطبيق الفيديو "تيك توك" و58 تطبيقاً صينياً آخر، قائلة إنها تضر بسيادة الهند وسلامتها، بالإضافة إلى "أمن الدولة والنظام العام".
ويعزّز هذه النظريّة، أنّ الموقع اتّهم مراراً بمحاباة الحكومة الهنديّة وقمع حريّة التعبير لصالحها. في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وُجهت إلى موقع التدوين المصغر اتهامات بالرضوخ لمطالب الرقابة من قبل الحكومة الهندية، بعد إزالة تغريدات وإغلاق حسابات متعلقة بإقليم كشمير. أتى ذلك بعد أن فرضت الحكومة الهندية حظراً للتجوال في كشمير، وقطعت خدمات الهاتف والإنترنت، وأغلقت المدارس، فضلاً عن الحد من التجمعات العامة. واتخذ قرار وضع المنطقة تحت حظر التجوال، بعد أن أُلغيت المادة الـ 370 من الدستور الهندي، التي أعطت منطقة الأغلبية المسلمة في الهند، درجة من الحكم الذاتي، في 5 أغسطس/ آب 2019.

وقالت "لجنة حماية الصحافيين" CPJ، في تقرير حينها، إنّ دراستها أظهرت أنّ الحكومة الهندية "تقوض حرية الصحافة والتدفق الحر للمعلومات" في المنطقة، من طريق تجنيد موقع "تويتر" لمراقبة الحسابات. وأظهر تحليل أجرته "لجنة حماية الصحافيين" للبيانات التي قدمها موقع "تويتر" إلى مركز "بيركمان كلاين" التابع لجامعة هارفارد الأميركية، ومشروع Lumen التابع للمركز، أنّ الإشعارات القانونية للشركة من قبل الحكومة الهندية، لحذف التغريدات أو الحسابات، قد بدأت في التزايد، في أغسطس/ آب 2017.

وفي إحدى الحالات، وجّهت الحكومة "تويتر" ضد Kashmir Narrator وهي مجلة مقرها جامو وكشمير، متهمةً إياها بانتهاك القانون الهندي. ويُتهم "تويتر" بمنع السكان المحليين في المنطقة من الوصول إلى حساب المجلة. وقال المدير التنفيذي لـ"هيومن رايتس ووتش" كينيث روث، في تغريدة، حينذاك، إنّ الحكومة الهندية تضغط على "تويتر" لفرض الرقابة على الصحافة والتعليقات الصادرة من كشمير، "وفي الوقت نفسه، حُجبَت الحسابات في الهند، في النصف الثاني من عام 2018، أكثر من بقية العالم مجتمعة". حينها أيضاً، تحججت "تويتر" بالطلب القانوني الرسمي والامتثال للقانون المحلّي. وقال متحدث باسم الشركة لموقع "ميترو" البريطاني إنه "في ما يتعلّق بالطلبات القانونية الرسمية، فنحن ملتزمون الامتثال للقانون المحلي، وننشر الإجراءات المتخذة مرتين في السنة في تقرير Twitter Transparency Report لأغراض توعية الجمهور والإفصاح عنها، وكذلك مباشرة إلى قاعدة بيانات Lumen".

المساهمون