مغامرات مُكرّرة في فيلمٍ جديد: تشويق باهت وكوميديا عادية

مغامرات مُكرّرة في فيلمٍ جديد: تشويق باهت وكوميديا عادية

06 يوليو 2022
وودي هارلسن وكيفن هارت: مزيج باهت من التشويق والكوميديا (الملف الصحافي)
+ الخط -

 

تُشير "ويكيبيديا" الإنكليزية إلى أنّ ميزانية إنتاج "رجل تورنتو" (2022)، للأسترالي باتريك هيوز، تبلغ 75 مليون دولار أميركي. هذا مبلغٌ عادي في صناعة سينما التشويق والمطاردات والعنف. لكنّ مُشاهدة فيلمٍ كهذا، تعرضه المنصّة الأميركية "نتفليكس" منذ 24 يونيو/حزيران 2022، تُحرِّض على طرح سؤال القيمة المالية المدفوعة لتحقيق عملٍ، تمتدّ أحداثه على 112 دقيقة، وتمزج العنف (غير المُشَاهَد مباشرةً) والمُطاردة والتشويق بشيءٍ من كوميديا مفتعلة، رغم لقطات قليلة تُثير بعض الضحك، المنبثق، على الأرجح، من مللِ متابعةِ حكايةٍ باهتة وغير مُسلّية، يُمكن مُشاهدتها في لحظات الضجر، أو في أرق ليلةٍ بيروتية مُثقلة بخرابٍ وانسداد أفق.

لكنّ المبلغ يُعتَبر كبيراً للغاية إزاء فيلمٍ غير واضح سبب إنجازه، وغير مُهمّةٍ معرفة سبب إنجازه أصلاً.

اللقطات المُضحكة، رغم قلّتها وتكرارها في أفلامٍ، يُمثِّل فيها كيفن هارت، تمنح المُشَاهَدة إمكانية استكمالها، مع التنبّه إلى تأدية وودي هارلسن دوراً أساسياً، ما يُساهم في إكمال ما يُشَاهد من أحداثٍ، لا جديد فيها ولا مُفيد. هارلسن يؤدّي دور "مُعذِّب" مأجور يُدعى راندي، أو "رجل تورنتو (The Man From Toronto)"، المفتون بشِعْر القرن الـ19، والمهووس بقصائد والت ويتمان، الذي يختار بيت شعرٍ له ككلمة سرّ، تُعرِّف به لدى مستخدميه. شخصية عنيفة من دون مشاعر، تُقيم في منزل فخم وحيدة، من دون أي علاقة بأي كائن حي، إنساناً أو حيواناً. شخصية مُغرمة بـ"ديبرا"، التي يتبيّن لاحقاً أنّها سيارة لها من نوع "دودج تشارجر ـ موديل 1966".

تفاصيل كهذه تُذكر، عادة، في سياق درامي يتعلّق بقتلة مأجورين، أو بمجرمين يتميّزون عن زملاء المهنة بتعاطيهم مع القتل/ التعذيب كفنّ ومهنة، بحِرفية تصنع صيتاً "طيباً" لهم. التواصل الوحيد لراندي مع العالم يحصل عبر مديرته (إلِن باركن)، المُسمّاة "المُعالِجة"، التي تُكلِّفه بمهام التعذيب لحساب أناسٍ يعجزون عن إرغام آخرين على الاعتراف بما يريدون معرفته. الإطلالة الأولى لراندي تشي بمناخٍ مُرعِب، رغم أنّ حضور كيفن هارت كممثل أول كافٍ لمعرفة الميل الكوميدي (!) للفيلم، خاصة أنّ تيدي (هارت) يظهر في لقطات أولى تعكس هذا الميل تماماً، وإنْ تكن الكوميديا مشوّهة، بفضل "براعة" هارت فيها. الإطلالة الأولى لراندي تنتهي سريعاً، فالقصّة القصيرة التي يرويها للضحية، قبل تعذيبها، تدفع الضحية إلى الاعتراف الفوري، خوفاً من تنفيذه فحواها (سلخ الجلد عن العظم).

 

سينما ودراما
التحديثات الحية

 

"نقصٌ في الحبر" يؤدّي، في لحظة يريدها تيدي إجازة للاحتفال بعيد ميلاد زوجته لوري (جاسمن ماتيوس) في منتجع ترفيهي، إلى مسارٍ تختلط فيه مطاردات شبه مُشوّقة بكوميديا مُسطّحة. هذا النقص يظهر في ورقة حجز الـ"شاليه"، فيختلط الأمر على تيدي، ليُخطئ في قراءة الرقم، ما يُدخله في عالم الشخصية الثانية، راندي/رجل تورنتو. خطأ واحد بسيط، بسبب نقصٍ في الحبر، يُدخِل تيدي في متاهة البحث عن جنرال فنزويلي، يريد تدمير سفارة بلده في أميركا، فيُطارده عملاء "المكتب الفيدرالي للتحقيقات"، من خلال ملاحقتهم "رجل تورنتو".

هذا يعني أنّ على تيدي انتحال شخصية راندي، الذي (راندي) ما إنْ يعلم بالحاصل، حتّى يكشف سرّ تيدي، فيتلازمان معاً في تلك الرحلة، قبل أنْ يُصبحا صديقين، مع تغيير ملحوظ في شخصية المُعذِّب المأجور، الذي ينفضّ عن القتل منذ عجزه عن تنفيذ مهمّة كهذه، بعد ظهور ابن الهدف أمامه، في لحظة سابقة على ارتكاب القتل.

الثرثرة، الموصوف بها تيدي/كيفن هارت، مزعجة للغاية. لديه طاقة على الاستمرار بكلامٍ، يعتاده في شخصيات أخرى، من دون إضفاء أي جديد على أداءٍ، تتكرّر تفاصيله في أدوار سابقة له.

المطاردات تقترب من الافتعال أحياناً، ولقطات القتال بالأيدي تقليدية للغاية، وإطلاق الرصاص وتفجير القنابل غير مُبهِرَيْن، ويبدوان أحياناً غير مُفيدَين درامياً. الأداء برمّته غير لافت للانتباهٍ، علماً أن وودي هارلسن يُحافظ على تمثيلٍ يُتقنه، حركة وملامح وجه ونبرة، من دون إضافاتٍ. الشخصيات كلّها تكرارٌ لأخرى تظهر في أفلامٍ شبيهةٍ. مدّة الفيلم (112 دقيقة) غير مزعجة، شرط الاستسلام إلى تسليةٍ يمنحها الفيلم رغم سلبياته كلّها، وهذا كفيلٌ بمرور الوقت سريعاً. أمّا كيفن هارت، فيبقى مجرّد مهرِّجٍ سينمائيّ، لا أكثر.

المساهمون