مصر... العداء للصحافة لا تهزه السياسة

مصر... العداء للصحافة لا تهزه السياسة

07 اغسطس 2021
الصحافي المصري ربيع الشيخ (فيسبوك)
+ الخط -

مطلع أغسطس/ آب الحالي، اعتقلت السلطات الأمنية في مطار القاهرة الدولي الصحافي المصري ربيع الشيخ، فور وصوله من العاصمة القطرية الدوحة، لزيارة أسرته، ليُرحَّل إلى الأمن الوطني ثم نيابة أمن الدولة ومنها إلى سجن طرة، بعد قرار حبسه 15 يوماً على ذمة التحقيقات، بتهمة نشر أخبار كاذبة.
جاء القبض على الشيخ معاكساً للمسار الحالي للعلاقات المصرية - القطرية الآخذ في التحسن، خصوصاً بعد عودة سفيري البلدين، وبعد السماح لقناة "الجزيرة" بأول تغطية من القاهرة قبل أيام، في إطلالة للإعلامية شيرين أبو عاقلة، التي تعد من أبرز الوجوه الإعلامية في القناة.
في منتصف يوليو/ تموز الماضي، ألقت قوات الأمن المصرية القبض على الصحافي المصري ورئيس التحرير السابق لصحيفة "الأهرام" الحكومية عبد الناصر سلامة، من منزله، على خلفية مقال طالب فيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالتنحي، بسبب فشله في إدارة ملف سدّ النهضة الإثيوبي.

وجاء القبض على سلامة مع آخرين، في خضم انفراج سياسي بإخلاء سبيل عدد من الصحافيين المصريين، وهم: معتز ودنان، وسلافة مجدي وزوجها حسام الصياد، وإسراء عبد الفتاح، وأحمد خليفة، وجمال الجمل، ومصطفى الأعصر، فضلاً عن المحامين والناشطين السياسيين مثل: المحامية الحقوقية ماهينور المصري، ونائب رئيس "حزب التحالف الشعبي الاشتراكي" عبد الناصر إسماعيل، وذلك نتيجة ضغوط سياسية دولية عدة.
وكأنّ النظام يأبى أن يخلي مكاناً لصحافي في السجون، فيفرج عن دفعة، ويعتقل محلها صحافيين آخرين. وكأنّ النظام يرغب أيضاً في توصيل رسالة مباشرة، في أنّ عداءه المباشر للصحافيين لن يخف، مهما تحسنت الأجواء السياسية مع الخصوم الدوليين، أو أجبر على انفراجات سياسية بضغوط دولية. ولذلك، مهما تغيرت المعادلات السياسية الدولية، تظل السجون المصرية تعج بعشرات الصحافيين، ممن سجنوا بسبب آرائهم، وبعضهم انقضت مدد حبسهم احتياطياً.
هكذا، تنجح مصر دائماً في الحفاظ على تدني مرتبتها المتأخرة في التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي تعده منظمة "مراسلون بلا حدود"، إذ احتلت في تقرير المنظمة الأخير لعام 2021 المركز 166 من أصل 180 بلداً. "مراسلون بلا حدود" وجدت أنّ أكثر دول الشرق الأوسط "استبداداً" هي السعودية ومصر وسورية. 
حسب المتداول من مصادر حقوقية وأسرية، فقد تشجع الشيخ، وغيره من صحافيي قناة "الجزيرة" المصريين، على السفر إلى وطنهم بعد غياب لسنوات، كانوا يخشون السفر خلالها بعد القبض على عدد من زملائهم مثل عبد الله الشامي، ومحمد بدر، ومحمود حسين، وبيتر جريستي، ومحمد فهمي، وباهر محمد، وذلك بعدما استشرفوا نهاية للعداء المباشر بعد تحسن الأجواء السياسية المصرية - القطرية.
وبعد مضي أكثر من 48 ساعة، على اعتقال الشيخ من مطار القاهرة، وحبسه مباشرة على ذمة التحقيقات 15 يوماً، لم يصدر بيان أو كلمة واحدة من نقابة الصحافيين المصريين.

يأتي اعتقال الشيخ نتيجة مشاركته في العمل على تغطية مقالة رئيس صحيفة "الأهرام" السابق عبد الناصر سلامة

وبحسب مصادر حقوقية أيضاً، يأتي اعتقال الشيخ نتيجة مشاركته في العمل على تغطية مقالة رئيس صحيفة "الأهرام" السابق عبد الناصر سلامة، والتي تسببت باعتقاله الأخير. كما نشرت مصادر أمنية تسجيلاً صوتياً بين الشيخ وسلامة يدعوه خلاله لإجراء مداخلة مع قناة "الجزيرة" عن المقال الذي نشره، بزعم أنّ ما تمّ يمثل خيانة وليس عملاً صحافياً، ما يعني أنّه مستهدف بالاسم.
وكانت مصادر صحافية عدة قد توقعت أن تعيد قناة "الجزيرة" فتح مكتبها في القاهرة رسمياً خلال الفترة المقبلة، وأكدت أنّ القناة استأجرت مكتباً جديداً بالفعل، وتعمل على استكمال الاستعدادات اللوجستية والإدارية فيه، وذلك بعد زيارة مراسلتها شيرين أبو عاقلة إلى القاهرة، وظهورها الإعلامي لأول مرة من هناك ضمن مهمة عمل قصيرة، وهي التغطية الصحافية التي كانت تمثل خطوة تمهيدية كسرت الحواجز القديمة التي تفاقمت في أعقاب انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013. فلأول مرة منذ صيف 2013، ظهرت الإعلامية أبو عاقلة على شاشة قناة "الجزيرة" عبر الأقمار الصناعية في بث مباشر من القاهرة، متحدثة عن زيارة وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، إلى مصر، في ظلّ أحاديث عن وساطة لمحاولة حلّ أزمة سدّ النهضة.
هذا العداء المباشر مع الصحافيين أكده "المرصد العربي لحرية الإعلام" في تقرير قال فيه إنّ يوليو/ تموز الماضي "حفل بالعديد من الرسائل المتضاربة التي تبقي على روح الانتقام من الصحافة والصحافيين، بين الإفراج عن عدد محدود من الصحافيين المحبوسين احتياطياً بقرارات من النيابة، بعد وساطات محلية وضغوط خارجية، وحبس رئيس تحرير سابق لأكبر صحيفة مصرية (الأهرام)، وصدور قرار إلغاء إصدار الطبعات الورقية من الصحف القومية المسائية الثلاث".

في 12 يوليو/ تموز الماضي، أعلن الصحافي والحقوقي حسام بهجت أنّ النيابة قررت إحالته للمحاكمة في قضية إهانة هيئة الانتخابات، واتهمته بإهانة هيئة نظامية، ونشر شائعات كاذبة تفيد تزوير نتيجة الاستحقاق الانتخابي، واستخدام مواقع التواصل بارتكاب جرائم، على أن يكون تاريخ بدء المحاكمة 7 سبتمبر/ أيلول المقبل.
وفي وقت لاحق من الشهر، أعلن بهجت أنّه تلقى ولأول مرة استدعاء للمثول للتحقيق أمام المحكمة للتحقيق في القضية 173 المفتوحة منذ 2011، ضد أغلب منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان، وهي المعروفة إعلامياً باسم قضية "التمويل الأجنبي".

المساهمون