مسلسل "كسر عضم"... لعبة المخابرات المكشوفة

مسلسل "كسر عضم"... لعبة المخابرات المكشوفة

25 ابريل 2022
جاءت بعض أخطاء المونتاج لتضعف من قيمة العمل (فيسبوك)
+ الخط -

رغم قلة الأعمال الاجتماعية السورية في السنوات السابقة، إلا أن الجمهور السوري، وحتى العربي، كان يطالب دائماً بتقديم أعمال جديدة تحاكي النجاحات التي عاشتها الدراما السورية في فترتها الذهبية في أعمال مثل "غزلان في غابة الذئاب"، و"زمن العار"، و"أحقاد خفية"، و"شتاء ساخن" وغيرها، خاصةً أن العديد من هذه الأعمال تناولت في خطوطها الأساسية مواضيع السلطة والفساد والرشوة والوساطات، وهذا ما كان مُستغرباً لدى البعض، لأن ما يُقدّم جزء بسيط من واقع السلطة الحاكمة. لذلك، ربما كانت هذه الأعمال حالة تنفيس للمواطنين، أو حالة تمويه. 

كذلك إنَّ منع هذه الأعمال في السابق، ربما كان سيُفهم بأنه اعتراف ضمني بالواقع، ومع بداية الثورة بدأت الأعمال تتناول واقع الحرب وما خلّفته من آثار، ولكن ضمن إطار وجهة نظر النظام، وبما يخدم الدفاع عنه سياسياً وتغطيته فنياً.

عاد مسلسل "دقيقة صمت" (كتابة سامر رضوان وإخراج شوقي الماجري) قبل ثلاثة أعوام ليقدّم هذه النوعية من الأعمال الاجتماعية، خاصةً مع تميّز سامر رضوان في كتابتها، مثل "لعنة الطين" و"الولادة من الخاصرة". لكن تصريحات الأخير ورمزية الشخصيات، حالت دون تكرار التجربة، بل زادت الرقابة على النصوص أكثر بكثير بعد فصل المسؤول عن لجنة القراءة والرقابة في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون.

ومع بداية التحضيرات للموسم الرمضاني الحالي، وانتهاء المخرجة السورية رشا شربتجي من تصوير ثالث أجزاء مسلسل "حارة القبة" للموسم المقبل، أعلنت تحضيرها لعملٍ جديد تحت عنوان "كسر عضم" لكاتب جديد اسمه، علي معين صالح، الذي حضر دورة تدريبية في المؤسسة التي تدرّس فيها شربتجي الإخراج والوقوف أمام الكاميرا.

وتبنّى العمل المنتج إياد النجار، صاحب شركت "كلاكيت" للإنتاج الفني، ولكن قدّم الثنائي النص تحت اسم شركة وهمية، هي "فيرجن فور"، لأن المنتج ممنوع من العمل في سورية بسبب مواقفه المعارضة، بل وممنوع من دخول البلد أيضاً. وبذلت صاحبة "الولادة من الخاصرة" أقصى جهودها للحصول على الموافقات المطلوبة، رغم أن العمل يحمل في خطوطه شخصيات سياسية، ويتطرق إلى محاور عسكرية محظور الحديث عنها، كما شاهدنا في محور شخصية سامر إسماعيل "ريان" وتهريب المخدرات والأسلحة عبر الحدود. 

وقيل إنَّ علاقات شربتجي الجيدة بالنظام، خصوصاً أن زوجها تمام نجم الدين الصالح، شقيق النجمة سوزان نجم الدين، الذي يشغل منصب عقيد ركن، ساعدتها في الحصول على الموافقات من لجنة القراءة، وإذن انطلاق التصوير من نقابة الفنانين.
ودخل بعدها العمل في رحلة البحث عن أبطال للنص. وبعد ذكر اسم باسل خياط كأوّل المرشحين، وخاصةً مع تأكيد المنتج للصحافة أن المفاوضات جارية مع خياط، خرج الأخير لينفي مشاركته في أي عمل درامي في الموسم الرمضاني الحالي. ثم ذُكِر اسم سوزان نجم الدين لتلعب البطولة النسائية، ولكنها اعتذرت بسبب ارتباطها بتصوير مسلسل "بيوت من ورق" في بيروت. وهذا ما ذكرته نجم الدين في لقاء أخيراً، ليستقر الدور على كاريس بشار الذي توقّف تصوير مسلسلها في تركيا، ما سمح لها بأن تقبل بدور "عبلة".

لكن المشكلة الرئيسية كانت في شخصية الحكم التي مرّت على معظم نجوم سورية، من أيمن زيدان إلى بسام كوسا إلى فراس إبراهيم إلى رشيد عساف. وتوالت الاعتذارات لأسباب اختلفت بين الأجر والتنسيق بين الأعمال وغيرها، ليستقر الاتفاق على فايز قزق بطلاً للعمل. كذلك اعتذر محمود نصر عن عدم لعب دور "ريان"، ليصل إلى سامر إسماعيل، الذي انتهى دوره في الحلقة العاشرة منتحراً.

كل هذه الاعتذارات وتأخر الحصول على الموافقات قلّصت المدة الزمنية التي تسمح لعملٍ ضخم وشاق مثل "كسر عضم" أن يحصل على فرصته المناسبة في التصوير والمونتاج، ما اضطر الفريق إلى أن يصل الليل بالنهار ليستكمل التصوير المستمر حتى الآن، الذي قد يستمر إلى نهاية رمضان.

بعد انطلاق عرض العمل على العديد من القنوات المحلية والعربية، وتحديداً قناة "أبو ظبي" التي تبنته ضمن قائمة أعمالها الرئيسية، استغرب البعض عرض العمل على تلفزيونات النظام السوري الرسمية، خاصةً أن النص كان مرفوضاً!
وجاءت بعض أخطاء المونتاج لتضعف من قيمة العمل، مع حذف العديد من المشاهد على تلفزيون "أبو ظبي"، ما اعتبره البعض محاباةً للنظام السوري نتيجة العلاقات السورية الإماراتية الجيدة التي تمخضت عن زيارات متبادلة أخيراً.
كذلك أحدث مشهد فحص الحمل بالدم لشخصية نور علي ("يمنى") جدلاً واسعاً، لكون الاختبار لا يحدث بالدم أساساً، ليتبين لاحقاً أنه اختبار لمرض عوز المناعة المكتسب "الإيدز"، واللافت أن جهاز الاختبار هذا موجود فعلاً، ولكن ليس في سورية!

وأحدث مشهد التحرش في شخصية الممثلة، راما زين العابدين، جدلاً واسعاً، لأن الكاتب اعتبر أن ملابسها كانت السبب في تعرضها للتحرش، رغم أنها كانت ترتدي بنطالاً، ما اعتبره البعض تبرئةً للمتحرشين، مع اعتبار الفتاة مذنبة من قبل شقيقتها والأجهزة الأمنية. 

أمّا القشة التي قصمت ظهر البعير، فكانت في مقالٍ صحافي نشرته مجلة فنية منذ يومين، تحدثت فيه عن أن نص "كسر عضم" مسروق من نص للكاتب فؤاد حميرة حمل عنوان "حياة مالحة"، كان من المفترض أن تنفّذه شربتجي قبيل انطلاق المظاهرات السورية عام 2011، والذي يؤكد ذلك وجود مواقع إلكترونية نشرت أخباراً عن العمل وقتذاك، ليخرج صاحب "غزلان في غابة الذئاب"، ويؤكد أن ما ورد في المقال يحمل الحقيقة، ونشر مقالاً حمل عنوان "ذئاب الدراما السورية ينهشون قلبي ومسلسل (كسر عضم) آخر السرقات". 

وكتب حميرة أن قصة الحكم وزوجته ومرض الإيدز والعديد من الشخصيات مأخوذة من نصه، وأن تيم حسن كان سيلعب شخصية الابن، وجمال سليمان أو فارس الحلو كان أحدهما هو "الحكم" أو "أبو جرير"، وفقاً لنص حميرة. وذكر العديد من تفاصيل القصة كيف حدثت، وأن المنتج أحال النص غير المكتمل على سامر رضوان كي يستكمله، ولكنه رفض. 
وألحق حميرة المقال ببث مباشر عبر "فيسبوك" ليشن هجوماً لاذعاً على شربتجي التي اتهمها بسرقة النص، واعتبر المنتج لصاً ولا يثق باسمه حتى. ولم يأخذ الأمر سوى ساعات حتى انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم.

نشر حميرة بعدها محادثة بينه وبين المخرج سيف الدين سبيعي، يؤكد فيها الأخير أن العمل مسروق، وأن النص عُرِض عليه منذ سنتين، لكنه رفض إخراجه، لعدم وجود اسم فؤاد حميرة كمؤلف، بل اسم فادي زيفا الذي كتب منشوراً أكّد فيه أن الشركة عرضت عليه نص "حياة مالحة" للاستفادة منه في كتابة مسلسله "فلتان أمني" الذي لم يبصر النور أيضاً.
تعاطف العديد من الكتّاب مع قضية حميرة، ووقفوا إلى جانبه، كالكاتب عدنان العودة الذي أكّد فيه التشابه، وذكر أن المخرجة والمنتج لصوص وقاموا "بتعفيش" النص. وذكر الكاتب خلدون قتلان في منشورٍ عبر صفحته، أنه لا يستغرب هذا الفعل من قبل الشركة المنتجة بسبب سلب عمله "الخونة"، وتحويله إلى مسلسل "الكاتب" الذي أنتجته لاحقاً شركة "إيغل فيلمز" بتوقيع رامي حنا. وأكّد المنتج عماد ضحية صاحب شركة بانة للإنتاج الفني أن النص كان مبيعاً لشركته، وبسبب رفضهم تولّي شربتجي الإخراج، استرده الكاتب وباعه لشركة "كلاكيت". 

اكتفت الشركة المنتجة بنشر بيان مقتضب أكدت فيه أن البعض وجدوا في نجاح العمل سبيلاً للشهرة والظهور، وأن الرد سيأتي لاحقاً على حميرة وغيره. فيما نشر كاتب العمل علي معين صالح أنه لا يتهم فؤاد حميرة بالكذب، ولكنه عاتبه بأنه لو شاهد العمل كاملاً لما ذكر هذا الكلام. وعبر بثّ مباشر أكّد حميرة أن الوثائق موجودة لديه، وبارك للكاتب نجاح العمل. ولكنه ذكر أن العديد من صفحات النص تسرّبت إليه، وأكدت أن اسم "أبو جرير" كان مكتوباً قبل أن يُحوَّل إلى "الحكم الصيّاد" أو "أبو ريان"، وهذا ما يؤكد التشابه أو السرقة، وطالب الشركة بالاعتذار والتراجع عن الإنكار. يزداد الموضوع تعقيداً، وينتظر الجميع ردّ الشركة المنتجة، ويتخوّف البعض من توقف العمل عن العرض فيما لو أُثبتت السرقة!

المساهمون