مراهقون ووحوش الهرمونات في "فم كبير"

مراهقون ووحوش الهرمونات في "فم كبير"

25 نوفمبر 2021
يحوي العمل مقاربة نقدية وساخرة لمرحلة المراهقة (نتفليكس)
+ الخط -

بدأت شبكة نتفليكس، أخيراً، ببث الموسم الخامس من مسلسل الكرتون "فم كبير"، بطولة وإنتاج الممثل والكوميدي، نيك كرول. نتتبع في السلسلة مغامرات طلاب الصف السابع  في إعدادية "بريدجتون نيك بيرش"، وعلاقاتهم مع وحوش الهرمونات التي ترافقهم، إلى جانب تعرفهم على "فراشة" الحبّ، التي قد تتحول إلى "أفعى" الكراهيّة، وتهدد المراهقين وأصدقاءهم على حدّ سواء.
السلسلة موجهة للكبار، وكميّة البذاءة فيها لا يفوقها سوى تلك التي نشاهدها في مسلسل South Park. لكن هذا لا يعني أننا أمام ما هو رديء أو خال من المعنى، بل يمكن القول إن "فم كبير" يحوي مقاربة نقدية وساخرة لمرحلة المراهقة، وما يرافقها من تغيرات جسدية ونفسية، تتخذ شكل وحوش لطيفة ومرعبة في ذات الوقت. يكشف لنا المسلسل عن موضوعات المراهقة المتعددة. لكن، في هذا الموسم يطغى "الحب" بكل أشكاله، وطيفه الواسع على حياة المراهقين. 
هناك إشكالية في الحديث عن هذه المواضيع باللغة العربيّة، كوننا نحاول تفادي أغلب الموضوعات والنكات والإحالات التي لا تسمح بها الثقافة الرسمية والمتداولة علناً. وهذا بالضبط ما يحاول المسلسل الإضاءة عليه، كل ما هو مسكوت عنه، ويتداوله المراهقون سرّاً في عقولهم، مهما بلغ "انحرافه" وبذاءته. كأن المسلسل يضعنا أمام لاوعي المراهقين، وما يدور في خلدهم، عبر تجسيد هذه الأفكار، إما عبر الوحوش، أو عبر البذاءة، التي عند التدقيق فيها تبدو بريئة؛ أي أن المراهقين لا يفقهون ما يقولونه ولا معانيه ودلالاته، وهذا ما يكسب المسلسل حيويته؛ فكل ما يقال أشبه بنكات بريئة، كونها على ألسن مراهقين، وهذا ما يتضح حين يحاول أحدهم شرح ما يدور في خلده؛ إذ يبدو ساذجاً ومُحرجاً، ولا يمثل أي "شر" أو "كراهيّة".


يمتلئ المسلسل، في هذا الموسم، بالإحالات إلى مسلسلات وأفلام أخرى، إذ نشاهد تهكماً على  حلقة "المسابقة" من مسلسل  ساينفيلد، الذي يبث حالياً على شبكة نتفليكس أيضاً. كذلك، هناك سخرية شديدة الإباحية من البرامج المخصصة للميلاد. ونلاحظ أن المسلسل يحاول اختبار أشكال أخرى من التحريك، كتحريك الدمى والـ stop motion، كما نشاهد في إحدى الحلقات؛ كيف يلتقي نيك، المراهق الذي يمكن القول إنه بطل المسلسل، مع نيك رول، الممثل الذي يؤدي صوته، ويخوضان حديثاً حول علاقتهما ومستقبلهما المشترك. مع ذلك، نراهما يسخران من محاولة المسلسل إظهار الشخصيات الحقيقية إلى جانب تلك الكرتونيّة، بوصفها "تجربة" قد تهدد طرافة الحكاية؛ أي يمكن القول إن المسلسل ينتقد أي محاولة لتغيير أسلوب العرض، تلك التي قد تُنَفر الجمهور واستمرار الإنتاج. 
يستكشف العمل تساؤلات البلوغ، والنضوج العاطفيّ، ناهيك عن "العنف" الذي يظهر فيه بصورة مرحة. لكن التأمل فيه يكشف خطورته؛ فالإحراج والخجل، بالرغم من أنهما عابران، لكنهما يتحولان إلى سلطتين قادرتين على تهديد المراهق، وكيفية إدراكه لذاته، ناهيك عن الضغط الذي يمارسه الأقران بعضهم على البعض الآخر. كل هذا ربما له أثر مستقبليّ على الفرد، لكنه لا يظهر على الشاشة، ما يدفع المشاهد إلى تذكر طفولته ومراهقته، وما مر به من لحظات ربما ما زال أثرها حاضراً حتى الآن، كأن يصبح أضحوكة المدرسة، أو يتعرض للتنمر، أو ينزوي وحيداً بسبب حبه للخيال العلميّ، هذه الضغوطات يرافقها دوماً عدم نضوج عاطفي ورغبة بالتفوق على الأقران، ما قد يترك جروحاً خفيّة من الصعب تتبع أعراضها. 

سينما ودراما
التحديثات الحية

المثير للاهتمام في المسلسل، هو مفهوم الصوت الداخلي الذي يُتخذ على أساسه القرار، والذي نشاهده متجسداً كوحوش وشخصيات متخيلةٍ متنوعةَ، كل منها أشبه بـ "شخصيّة" مستقلة. لكن اللافت أن المراهقين لا يستمعون لها، هي تستفزهم، وتتحكم بهم أحياناً، وأحياناً أخرى تدفعهم نحو ما يريدونه، لكنهم لا يتبنون آراءها كلياً، إلا في حالة أفعى الكراهية التي تهيمن على كل "الوحوش"، وتُخضع من يستمع لها كلياً.. هذا التمثيل البصري للتغيرات والتقلبات الهرمونية والمزاجيّة، مثير للاهتمام، كونه يكشف عن شدة اختلاف "الصوت الداخلي" عن "اللغة الخارجيّة" التي نتحدث بها ونتواصل عبرها مع الآخرين، تلك التي تحمل أفكارنا وتصوغها. 

المساهمون