Dune... العقار المهلوس كما يراه أهل الصحراء

Dune... العقار المهلوس كما يراه أهل الصحراء

25 نوفمبر 2021
يبدو الأشخاص غاية في الصغر مقارنة بما حولهم من الأشياء (Imdb)
+ الخط -

يخطو المخرج الكندي دينيس فيلنوف، خطوته الجريئة عبر إخراج الجزء الأول من فيلم Dune (الكثيب)، المأخوذ عن رواية الخيال العلمي، التي تحمل ذات الاسم، للكاتب فرانك هربرت.

فَشَل شباك التذاكر في تجربة ديفيد لينش عن الرواية ذاتها عام 1984، والمشروع غير المكتمل للمخرج أليخاندرو خودوروفسكي، باتا مقدمة مناسبة توضح صعوبة إنجاز عمل مأخوذ عن رواية الخيال العلمي الأضخم والأكثر مبيعًا، منذ ستينيات القرن الماضي. إلا أن فيلنوف يتجاهل هذه المرة جرس الإنذار، ويطلق مشروعه الخاص عبر ساعتين ونصف، شكلت الجزء الأول من سلسلة قد تطول، حسب ما أعلن عنه صناع الفيلم مرات عدة؛ إذ يُعنوِن المخرج فيلمه بـ "الكثيب: الجزء الأول"، وينهيه بجملة مفادها بأن ما هذه إلا البداية فقط لما هو آت.
وعلى الرغم من تعرّض فيلنوف للنقد اللاذع سابقًا مع فيلم Blade Runner 2049، إلا أن شركة "وارنر بروس"، وافقت على إنتاج فيلم كثيب عبر جزأين، متأملة أن تسفر مغامرته الجديدة في اقتباس الرواية المعقدة عن نتائج تتجاوز تجربتي المغامرين السابقين. نتابع عبر الفيلم رحلة يقودها بول أتريديس، أمير شاب ينحدر عن سلالة أتريديس (Timothée Chalamet) بعد قبول والده، الدوق ليتو أتريدس (Oscar Isaac)، السيطرة على كوكب أراكيس الصحراوي، وهو مصدر "التوابل"؛ الثروة الأكثر أهمية لاقتصاد الكواكب، "العقار المهلوس" كما يراه أهل الصحراء، ومصدر الطاقة والوقود للتنقل بين الكواكب. يتضح، لاحقًا، أن المهمة الموكلة لسلالة أتريديس، ليست إلا فخًا نصبه أعداؤهم؛ إذ يُقتل الدوق، وتتم ملاحقة الأمير الشاب وأمه التي تمتلك قدرة غامضة على التحكم في إرادة الآخرين.


يجمع الفيلم بين الدراما الفانتازية والرمزية، ويحمل تأويلات عدة تشير إلى ما هو طبقي وديني وسياسي. قصة يتصارع فيها السادة الأثرياء على الموارد المربحة، في منطقة رملية شاسعة وخطيرة. مثال واضح عن الحروب التي يخوضها البيض في الشرق الأوسط، من أجل الحصول على الثروات، متجاهلين رغبة من يعيشوا هناك؛ استعمار معاصر، وإمبريالية، فضلًا عن البعد الميتافيزيقي والروحاني المتمثل في قدرات بول "المختار" ووالدته، وصولًا إلى فلسفة الصحراء نفسها، بما فيها من كائنات وعوالم وحكم وأساطير.

يولي فيلنوف اهتمامًا كبيرًا للصدامات الأيديولوجية، أو التحالفات والمكائد السياسية

يولي فيلنوف اهتمامًا كبيرًا للصدامات الأيديولوجية، أو التحالفات والمكائد السياسية، لكنه لا يبدي ذات القدر من الاهتمام عندما يتعلق الأمر ببناء العوالم الشخصية أو النفسية. هذا ما سعى مدير التصوير إلى التأكيد عليه عبر حركة الكاميرا وزواياها؛ يبدو الأشخاص غاية في الصغر مقارنة بما حولهم من الأشياء، الأصوات غير البشرية هائلة، وتلك البشرية منها غاية في الضعف والهزال. هذه ليست مساحات صديقة وشخصية، إذن، بل بقاع تكاد تفوق الاستيعاب البشري لشدة شساعتها. للكون مأساته الخاصة أيضًا، وكذلك صراعاته وشياطينه ومعادلاته المعقدة. لا حوارات كثيرة عبر الفيلم، بل صور وتراكيب جمالية، ومفردات سمع-بصرية تخدم تقنية السرد، وتكمل بقية القصة، أو تعطي لمحة عما سيحدث لاحقًا. ليس من الصعب أبدًا استيضاح مقدار الجهد الذي قام به كل من المخرج ومدير التصوير، ومشرف التأثيرات البصرية لرسم عوالم الفيلم. كذلك الأمر بالنسبة للإضاءة والموسيقى، التي ألفها هانز زيمر، والمستوحاة في معظمها من أصوات الطبيعة والزواحف وحركة الرمال.
يؤخذ على الفيلم ضعفه على مستوى النصّ، فعلى الرغم من أنه مأخوذ عن رواية أدبية، إلا أن نص الفيلم يفتقر إلى كثير من العمق، في ما يتعلق ببناء عوالم الشخصيات والأحداث الدرامية. يشير ضعف العنصر الدرامي إلى وجود خلل بنيوي في عملية "أفلمة" الرواية، وهي مهمة جذرية تتطلب إعادة بناء، يصل في بعض الأحيان إلى ردم النص الروائي، فبقيت الأحداث الخلفية غامضة، تراخى الخط الزمني، وجاءت الدوافع غير مقنعة تمامًا؛ لأنها مجتزأة وغير كاملة.

الفيلم يعالج القسم الأول من الرواية فقط، الأمر الذي تسبب في فجوات عميقة على مستوى الحكاية. فضلًا عن أن تقنية القفز إلى الأمام flash forward، التي يستخدمها المخرج بوصفها رؤى وتنبؤات تنزل على الشاب بول، كانت كاشفة أكثر مما يجب للحدث المنتظر، فبات المشاهد على دراية مطلقة بما سيحل لاحقًا، الأمر الذي يفسد متعة التوقع والمفاجأة. وصولًا إلى النهاية التي تترك انطباعًا لدى المتلقي أن الأحداث انتهت حال بدئها، ما يجعل المشهد الأخير مخيبًا للآمال، خاصة أن الفيلم تصدّر لوائح الكلاسيكيات السينمائية العظمى، جنبًا إلى جنب مع 12 angry men وcitizen cane، ناهيك عن الانتظار الطويل الذي سبق صدور الفيلم المعلن عن إنتاجه قبل سنوات.
تحفة بصرية أخرى تفتقر إلى العمق والزخم، "صنعة" سينمائية لا يسعك إلا الاعتراف بجودتها؛ تقليد هوليوودي لا ينفك عن تكرار نفسه مرة تلو أخرى، وعلى فيلنوف وحده مسؤولية تجنب الوقوع في الفخ الساحر مجددًا عبر جزئه الثاني، والثالث ربما.

دلالات

المساهمون