مراسلو التلفزيون العربي في غزة: حكايات خلف الشاشة

مراسلو التلفزيون العربي في غزة: حكايات خلف الشاشة

08 يناير 2024
مراسل التلفزيون العربي في غزة باسل خلف (العربي)
+ الخط -

كان مراسل التلفزيون العربي في قطاع غزة صالح الناطور يسكن في حي الرمال في مدينة غزة قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ومن ثم نزح رفقة زوجته وأبنائه الثلاثة، بينهم رضيع، إلى خانيونس، وهناك انفصلوا، فأقامت عائلته في منزل أقاربه قرابة أسبوعين، في حين كان يقيم هو في خيمة في مستشفى ناصر ليواصل التغطية.
لكن مع انقطاع الاتصالات واستحالة التواصل بينه وبين عائلته حتى هاتفياً، "قررت العائلة الانضمام لي في خيمتي لشهر كامل، كانت فترة صعبة للغاية، خصوصاً مع صعوبات الحصول على الماء النقي والطعام لنا جميعاً، وما يلزم الرضيع، بل وحتى التوجه إلى المراحيض، في وقت كان عليّ التوفيق ما بين متطلبات العمل ومتطلبات العائلة"، يقول الناطور لـ"العربي الجديد"، موضحاً أنه كان من المحظوظين لحصوله على خيمة.
وعاش الناطور مع أطفاله الثلاثة وزوجته في خيمة مساحتها مترين بمترين، ولم تكن مؤهلة لمقاومة ظروف الشتاء القاسية والأمطار، "مع أول مطرة، تبلل كل ما في الخيمة، لأقوم كما غيري بالبحث عن نايلون لمنع تكرار ما حدث، لكن البرد الشديد كان المشكلة الأكبر خصوصاً في أرضية الخيمة، في ظل عدم توفّر أغطية كافية". من خانيونس، انتقل الناطور إلى رفح حيث يسكن في خيمة مع والديه وأشقائه، بينما تسكن عائلته في منزل أقارب لهم.

هذه الظروف التي يعيشها صالح الناطور، ويعيشها معه كل سكان غزة، في ظل العدوان الوحشي المتواصل على مختلف مناطق القطاع، أدت إلى إصابته بنزلات معوية متكررة بسبب نوعية الطعام وتلوث المياه، وهو ما جعله في زيارات متكررة للمستشفيات: "كنّا نأكل البسكويت طوال اليوم، بل لأيام"، يقول شارحاً تفاصيل إقامته في خانيونس: "أما في رفح اليوم فنعيش على ما يتوفّر من مساعدات".

عبد الله مقداد

مراسل التلفزيون العربي في القطاع أيضاً عبد الله مقداد، فأشار إلى أن حياة فريق التلفزيون العربي انقلبت رأساً على عقب بعد السابع من أكتوبر. إذ أجبر، كباقي زملائه، على مغادرة منزله في مخيم النصيرات في اليوم الأول للحرب، فقد قصف الاحتلال المنزل المجاور لمنزله، ما جعل المكان خطراً وأصبح البيت نتيجة الدمار غير صالح للسكن، فنزحت زوجته وأولاده إلى مكان، ووالداه إلى مكان آخر، لتبدأ رحلة الشتات من مكان إلى آخر، فالنزوح الأول كان في المخيم نفسه، ومن ثم إلى خانيونس، حيث بقيت عائلته ولم يتمكّن من زيارتها طيلة 45 يوماً.

وكشف مقداد أنه بعد قصف مقر التلفزيون في مدينة غزة، بقي يعمل متنقلاً ما بين المكتب ومجمع الشفاء الطبي، وكان يخرج على الهواء مباشرة كالمعتاد، ويقدم تقاريره وإطلالاته المباشرة، لكن "تفكيري كان مع أسرتي".
وأكد مقداد لـ"العربي الجديد": قد يرانا البعض على شاشة التلفزيون نغطي الأحداث، ونرصد الغارات، وجاهزين طوال الوقت، لأن هذا ليس فقط عملنا، بل واجبنا تجاه أبناء شعبنا، لكننا في حقيقة الأمر، ومن داخلنا، نشعر بوجع وألم".
الألم يعود إليه، عندما يتذكر كيف تم انتشال زوجته وأطفاله من تحت الركام عندما حدث القصف الأول في النصيرات، لافتاً إلى أنه حين تمكن من زيارة منزله في المخيم لم يصدّق أن عائلته لا تزال على قيد الحياة، في حين استشهد ثلاثة من أبناء خاله في القصف نفسه.
لكن مقداد، ورغم الظروف النفسية والأمنية الصعبة والمخاطر، كان يصر ورفاقه على مواصلة العمل، خصوصاً أن عملهم "بات نوعاً من التحدي الذي لا بد أن يتواصل، حتى بعد تهديد الاحتلال بقصف البرج الذي فيه مكتبنا، واتخاذ قرار بمغادرته، بعد تكثيف القصف في حي الرمال حيث يقع، وكان هذا شتات آخر مهني، غير الشتات العائلي، فلم يتم إمهالنا للمغادرة ونقل ما يمكن نقله من معدّات إلا ساعة واحدة، لنعمل بعدها ما بين أحد الفنادق الذي بات مقراً لإقامتنا ومستشفى الشفاء". لكن هذه الحال لم تدم إلا أربعة أيام، إذ طلبت جهات دولية من فريق العمل مغادرة المكان، بسبب نية جيش الاحتلال تحويل المنطقة إلى منطقة عسكرية. وهو ما حصل بالفعل، فتوجه مقداد رفقة زميله باسل خلف إلى مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح: "كنّا ننام على الأرض أو في السيارة، ولا زلنا"، يقول مضيفاً: "قصف المربع السكني حيث زوجتي وأطفالي أربع مرات، والمربع السكني حيث والدي ووالدتي مرتين، ولكم أن تتخيلوا حالة الرعب التي كانت تتملكني قلقاً عليهم، حتى بتّ أحمد الله على نجاتنا مع كل يوم... أصعب ما أعيشه هو انتظار الموت".
الآن، وبعد طول تفكير، عاد مقداد، كما كشف لـ"العربي الجديد"، بأسرته إلى منزلهم المقصوف في النصيرات، بعد أن استصلح جزءاً صغيراً منه، فقرروا عدم النزوح كما غيرهم إلى رفح، حيث الأوضاع أكثر مأساوية هناك كما رآها، وإن كانت الظروف في المخيم لا تزال صعبة وخطيرة جداً.

باسل خلف

أشار باسل خلف، الذي رزق بطفلة خلال الحرب وتدمّر منزله، إلى أنه وطوال سنيّ عمله صحافياً (بدأ مع التلفزيون العربي منذ مايو/ أيار 2014، قبل الإطلاق الرسمي للقناة) لم يشهد حرباً كهذه، رغم تعدد الحروب على غزة: "نحاول أن ننقل إلى العالم عبر التلفزيون العربي ما نراه، لكن الصورة وليس الكلمات فحسب تبقى عاجزة على نقل مأساوية ما يحدث في القطاع"، مؤكداً أن القلق الدائم على عائلته يشكل عبئاً ثقيلاً للغاية عليه.
أما في العمل فيعترف بالأفضلية التي منحته إياها معيشته الدائمة في غزة: "فأنا كغيري أعرف شوارع مخيم البريج، والتفاقات مخيم المغازي، وأزقة مدينة غزة، والطرقات المؤدية إلى رفح، وهو ما منحنا أفضلية في نقل ما يحدث على الأرض إلى المشاهد".

استهدف منزل والد خلف ومنزل شقيقه في مخيم البريج أكثر من مرّة، "في إحداها، كنّا نصور في المنطقة، وحدث القصف، فتوجهنا إلى المكان، وإذ بالمارة يقولون إنه بيت أبو باسل خلف، وثم رأيت فيديو منشور يوثق هذا المشهد.. وجدت البيت مدمراً كليّاً. هذا البيت الذي بناه أبي بعد عناء شديد.. في دقيقة، فقدت كل ذكريات طفولتي، لكني وبعدما تأكدت من نجاة العائلة، أي بعد دقائق، أكملت عملي".
وتابع خلف حديثه لـ"العربي الجديد" لافتاً إلى أنه وزوجته كانا يبحثان عن اسم لطفلتهما التي كانا ينتظران ولادتها قبل الحرب، بعد شقيقيها أحمد (13 عاماً)، وبيلسان (8 أعوام)، لكن بعدما غادرت العائلة منزلها في مدينة الزهراء، الذي تضرر بسبب القصف الإسرائيلي، يوم 13 أكتوبر، ولدت ابنته التي آثرت زوجته إطلاق اسم بسمة عليها من باب التمسك بالأمل، مساء السادس من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. يتذكر خلف هذه اللحظات: "كانت الاتصالات قد قطعت بالكامل قبلها بأيام... عشت أياماً غاية في الصعوبة، أياماً قاسية، كوني كنت أتوقع الولادة في أي وقت، ولا قدرة لي على التواصل مع زوحتي أو أسرتي، ولا التحرك باتجاههم، لخطورة ذلك على حياتي، لكني حين علمت أن المخاض جاءها توجهت إليها ونقلتها رفقة والدتها إلى مستشفى العودة، وهو الوحيد المخصص للولادة في المنطقة الوسطى، وفي الليل، أرسلت لي الطبيبة صورة للمولودة، وصباح اليوم التالي، عدت بهم إلى المنزل الذي نزحوا إليه".
وفيما لا يزال البحث جارياً عن التطعيمات التي يتطلبها المواليد الجدد، يواصل خلف النوم في سيارته الشخصية، بالقرب من خيام الشهداء في مستشفى شهداء الأقصى، رفقة مصور التلفزيون العربي في قطاع غزة عماد بدوان.

عماد بدوان

حال مصوّر التلفزيون العربي عماد بدوان من حال زملائه في القناة وباقي الصحافيين في غزة: "الحرب لم تفرّق عائلتي فحسب، بل قتل الاحتلال شقيقتي التي كانت تعيش رفقة أسرتها في مدينة غزة، وكذلك العديد من أبناء عمومتي، في حين نزح أبناء شقيقتي الناجون إلى منزل العائلة بدير البلح. كذلك استشهد زوج شقيقتي".
وبدوان، الذي يمتهن الصحافة منذ قرابة ربع قرن، وجاب العديد من دول العالم وقت الحروب، أكد أنه لم تصادفه في فلسطين وغيرها حرباً كهذه، ليس فقط باعتبارها حرب إبادة غير مسبوقة، "لكن لكونها الحرب الأولى التي لا نشعر فيها أن عائلتنا في أمان، وهذا يجعلنا نعمل وعقولنا وقلوبنا مع عائلاتنا الصغيرة والممتدة، وهذا يشكل نقطة ضعف ترافقنا، خصوصاً أنني أفكر على الدوام في كارثية الواقع في حال اضطررنا لمغادرة دير البلح، التفكير يشلنا... نحاول التركيز أكثر في العمل، ونقدم أفضل ما لدينا، لكن هذا لا يلغي حالة القلق التي ترافقنا".

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

A post shared by Emad Badwan (@emadbadwan)


وأشار بدوان، الذي يعيش كما غيره أزمة عدم توفر الطعام والماء والدواء، خصوصاً مع الارتفاع الهائل في الأسعار في حال توفّرت السلع، إلى أنه ومنذ إطلاق البث الإذاعي لـ"التلفزيون العربي" في غزة، "بات فريق التلفزيون في القطاع يقوم بأدوار عدّة تتجاوز العمل الصحافي، بحيث بتنا مرجعية حيثما تجولنا، وهو ما ينطبق على زملائي باسل وصالح وعبد الله في كل مكان نتجوّل فيه".

المساهمون