ماذا تقول صور الضحايا في أوكرانيا عن تحيز وسائل الإعلام؟

ماذا تقول صور الضحايا في أوكرانيا عن تحيز وسائل الإعلام؟

16 مارس 2022
تجبر وسائل الإعلام المشاهدين والقراء على تخيل أنفسهم في ظروف مماثلة (Getty)
+ الخط -

يتساءل الصحافي الأميركي يوجين روبنسون، في مقاله الدوري في صحيفة "واشنطن بوست"، عن السبب الذي يجعل تغطية الاجتياح الروسي لأوكرانيا "حميمة وصريحة ودموية للغاية"، فهل يعود ذلك إلى الإمكانيات التي منحتنا إياها الثورة التقنية، كالبث المباشر وتقنيات التصوير والتوثيق، أم أن هناك أشياء أخرى تتصل بالانتماءات والتحيزات لوسائل الإعلام في تغطيتها الخبرية؟

يقول روبنسون إن الحرب في اليمن تدخل الآن عامها الثامن، وقد كانت وحشية في كل شيء، كما أن الحرب في سورية أكثر دموية، واستُخدمت فيها أسلحة كيميائية. ولكن في كل مراحل هذه الحروب وغيرها من الصراعات، لم تعرض للمشاهد الغربي "مثل هذه الصور الأولية والفورية للضحايا"، ويستشهد الكاتب بما فعلته صحيفة "نيويورك تايمز" من نشرها لصورة مقربة لأم وطفلين صغيرين قُتلوا بنيران قذائف روسية في إحدى ضواحي العاصمة الأوكرانية كييف.

وليس الأمر أن الصحافيين لم يروا أو يوثقوا مثل هذه الفظائع في الحروب الأخرى، فقد صدم العالم بصور أطفال يتضورون جوعاً في اليمن، أو صورة الطفلة الفيتنامية وهي تركض عارية بعدما احترقت بالنابالم؛ لكن المؤسسات الإخبارية كانت تقليدياً تتعامل بحساسية عالية بشأن نشر صور أشخاص قُتلوا في النزاعات. وبحسب روبنسون، "يُعدّ ذلك نوعاً من المحرمات، وبخاصة عرض وجوه الضحايا، إذ كان هدف الإعلام هو نقل الخبر للقارئ مع حفظ كرامة الضحايا وعائلاتهم".

واليوم، مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، بات على وسائل الإعلام الكبرى أن تسأل نفسها عن القيم الأخلاقية المهنية التي ترى أنها تتمسك بها وتحميها. ويتساءل روبنسون عمّا إذا كان هناك شيء آخر غير التكنولوجيا متورط في الطريقة التي يتم بها تقديم الحرب الروسية على أوكرانيا، بهذا الشكل الذي يناقض ما جرت عليه العادة في الحروب الأخرى.

سوشيال ميديا
التحديثات الحية

ويلخّص روبنسون السبب الذي يعتقد أنه يكمن وراء ذلك برغبة هذه المؤسسات الإعلامية بالقول إن "هؤلاء أناس مثلنا تماماً، ويمكن أن نكون في خطر مثلهم"، ويضيف: "الغالبية العظمى من الضحايا في أوكرانيا هم من الأوروبيين والبيض والمسيحيين، يتحدث عدد غير قليل منهم بعض الإنكليزية، يرتدون ثياباً تشبه ثيابنا، ويسحبون حقائب تشبه حقائبنا، وأطفالهم يلعبون بدمى وقطع ليغو تشبه تلك التي يمتلكها أطفالنا، إنهم يبدون (مألوفين) وهم يركبون القطارات التي تنقلهم إلى أماكن اللجوء".

وسواء عن قصد أو بغير وعي، فإن المؤسسات الإخبارية تجعل من هذه الحرب أكثر حيوية ومأساوية من خلال التركيز بشدة على الضحايا واللاجئين، كما يرى روبنسون. إن وسائل الإعلام تدعو المشاهدين والقراء، إن لم تكن "تجبرهم"، على تخيل أنفسهم في ظروف مماثلة لظروف الضحايا.

ويقارن روبنسون الضحايا الأوكرانيين بالعراقيين، فيرى أن المدنيين الذين قُتلوا وهُجّروا بسبب غزو العراق عام 2003، عانوا بدرجة لا تقل عن معاناة الأوكرانيين. لكن الحقيقة هي أن المشاهد أو القارئ الغربي نادراً ما تعرّف عن كثب إلى الضحايا، و"الذين في الحالة العراقية لم يكونوا أوروبيين ولا بيضاً ولا مسيحيين"، خاصة "عندما تكون القوات الأميركية هي التي تطلق صواريخ كروز وقذائف المدفعية" عليهم.

يتمنى روبنسون السلامة لكل صحافي ميداني يحاول نقل الحقيقة، ويميز هنا بين ما يفعله هؤلاء "الأبطال" كما يصفهم، والتحيزات التي تتبعها سياسات وسائل الإعلام، متمنياً أن يمتد التعاطف، بالدرجة نفسها، إلى ضحايا الحرب في كل مكان، لأنهم بشر كالشعب الأوكراني.

المساهمون