فلسطين... تبسيط الإعلام الفرنسي ودعم مواقع التواصل

17 مايو 2021
+ الخط -

ينهمك الإعلام الفرنسي بتغطية الأحداث الجارية في فلسطين، سواءكان مرئياً أم مكتوباً، لكن من دون أن ترتقي هذه التغطية إلى مستوى الحدث ودموية الحملة العسكرية التي يشنها الجيش الإسرائيلي ضد قطاع غزة منذ أيام، فيُختصر المشهد، حتى من قبل أكثر الصحف رصانة في فرنسا، بأنه "غارات إسرائيلية رداً على إطلاق مجموعات مسلحة صواريخ على إسرائيل"، مثل ما كتبت "ليبراسيون" و"لوموند" على سبيل المثال في الأيام الأولى للتصعيد.

تبسيط المشهد من خلال تنميق المفردات، وتهذيب السلوك الإسرائيلي بتلوين صورة المشهد الدموي، بدا جلياً خلال الأيام الأولى من تصاعد الأحداث في فلسطين في وسائل الإعلام الفرنسية، إذ كان يمكن الاكتفاء بقراءة صحيفة واحدة لمعرفة ما كتبته باقي الصحف، لكن بضعة أحداث ستكسر هذا التغاضي عن حجم الكارثة الواقعة على الطرف الفلسطيني، وخصوصاً في غزة.

كان قصف الطائرات الحربية الإسرائيلية لبرج الجلاء، الذي يضم مكاتب قناة "الجزيرة" ووكالة "أسوشييتد برس"، تطوراً هاماً أحدث صدمة وحالة من المراجعة لسياسة تغطية الأحداث في فلسطين من قبل بعض وسائل الإعلام، وساهم بها أكثر إعلان مدير وكالة "فرانس برس" للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، سيلفان استيبال، أمس الأحد، قرار الوكالة باستضافة الجزيرة والوكالة الأميركية في مكاتب الوكالة الفرنسية في غزة.

بعد التصعيد الأخير منذ قصف المكاتب الإعلامية ومشاهد الغارات العنيفة ليل الأحد-الاثنين، ظهرت حالة تمايز بين الصحف الفرنسية، دفعت عدداً منها إلى الخروج من دائرة تبسيط الأحداث وحصرها بين "صواريخ تطلق من غزة ورد إسرائيلي للدفاع عن النفس".

وأفردت صحيفة "ليبراسيون" صفحتها الأولى، اليوم الاثنين، للحديث عما أسمته "ليلة الرعب في غزة "جراء الغارات الإسرائيلية الأخيرة، وأجرت مقابلة مع عائلة هناك، أوضحت فيها أن الأطفال "يعيشون حالة من الرعب، ويضعون أيديهم على آذانهم حتى عندما ينامون لشدة خوفهم من الصواريخ الإسرائيلية".

أما صحيفة "ليومانيتيه" فقد ذهبت أبعد في الجرأة بالحديث عن الانتهاكات الإسرائيلية، وعنونت غلاف يوم الاثنين بـ"حياة الفلسطينيين مهمة"، مستوحية العنوان من الحملة الأخيرة التي انطلقت حول العالم "حياة السود مهمة" بعد حادثة مقتل الأميركي، جورج فلويد، خنقاً على يد شرطي أميركي.

في موازاة ذلك، كان لنجاح نحو 4 آلاف متظاهر فرنسي بتحدي قرار حظر السلطات تظاهرة داعمة للفلسطينيين في باريس، السبت الماضي، دور كبير بفرض نقاش الموضوع على وسائل الإعلام الفرنسية بصورة أكثر جدية، فعبثاً بحث بعض المحللين والمراقبين الداعمين للرواية الإسرائيلية عن شعارات معادية للسامية خلال التظاهرات، ما جعل مقاربة هذا الحدث تنطلق من سؤال حرية التعبير في بلد الحريات وحقوق الإنسان والرقابة التي حاولت أن تمارسها السلطات، وجعلها محل انتقاد كبير من قبل قوى اليسار ونشطاء مستقلين، فضلاً عن مرتادي وسائل التواصل الاجتماعي.

ضغط مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي أتى بثماره كذلك، إذ مع إعلان وزير الداخلية الفرنسية جيرالد درمانان حظر تظاهرة السبت، امتلأ موقع "تويتر" بتغريدات لشبان يدعون لتحدي قرار السلطات، وهو ما كان واضحاً على الأرض، إذ كانت الغالبية الساحقة من المشاركين في تظاهرة باريس من شريحة الشباب وفي مقدمتهم الطلاب، ما جعل محاولات وصمهم بأنهم متحزبون من اليسار الراديكالي وجماعات عنف، على ما جرت العادة مع كل تحرك اجتماعي أو احتجاجي ضد قرارات حكومية، أمراً مستحيلاً، خصوصاً وأن تحركاتهم انتهت من دون حوادث تذكر برغم العنف الذي مارسته الشرطة لتفريق المحتجين.

وبحسب الحجة الرسمية التي يسوقها وزير الداخلية لحظر التحركات الداعمة لفلسطين في فرنسا، فإن السلطات لا تريد "انتقال النزاع من الشرق الأوسط إلى الأراضي الفرنسية"، لكن هذا "النزاع" يبدو أنه موجود بالفعل على وسائل التواصل الاجتماعي بين الفرنسيين، فضد المسوّقين للرواية الإسرائيلية عن "إرهاب الفلسطينيين ضد الإسرائيلين"، تأخذ المنشورات التي تفنّد أرقام جولة التصعيد الحالية أهمية أكبر لدى المعسكر المدافع عن حقوق الفلسطينيين، واللافت أنها نقاش حي ومستمر في صفوف الشباب.

"إذا استحقت حادثة شارلي إيبدو الوقوف دقيقة صمت، فإن ما يحدث في فلسطين يستحق أن نصمت إلى الأبد"، كتب محمد هذه التغريدة على "تويتر"، لتنال أكثر من 5 آلاف إعادة تغريد وقرابة عشرين ألف إعجاب، ما جعلها تتصدر منصات أخرى مثل "إنستغرام" و"سناب شات" و"فيسبوك".

ومن المعروف في فرنسا أن موقع "تويتر" يعتبر المكان المفضّل لشريحة الشباب والمراهقين للتعبير عن رأيهم من خلال السخرية من أحداث تدور في بلدهم بشكل خاص؛ وإذا كانت وظيفة هذه المنصة إخبارية بالدرجة الأولى بالنسبة للصحافيين ومتتبعي الأخبار، إلا أن هذه الشريحة من المجتمع في فرنسا تستخدمها على طريقتها الخاصة، والأحداث في فلسطين تسيطر منذ أيام على ما يكتبونه.

محمد، صاحب التغريدة التي تناقلها الآلاف على وسائل التواصل الاجتماعي، يبلغ من العمر 17 عاماً، قال لـ"العربي الجديد": "لقد كتبت هذه التغريدة فيما يتعلق بالوضع الحالي في فلسطين، لأنني وجدت أنه من الضروري جعل الناس على دراية بالظلم وعدم المساواة بالمقارنة بين هذين الحدثين".

ثم ما يلبث أن يعود إلى أسلوبه الساخر الذي يملأ حسابه على "تويتر"، ليسأل ممازحاً: "والآن هل ستدفع لي مقابل تصريحي؟" معتبراً أنه رغم صغر سنه، استطاع أن يقدم تحليلاً سياسياً.

وإلى جانب تظاهرات فرنسا، كانت هتافات المحتجين في ألمانيا وهولندا وبريطانيا، تُسمع بقوة من خلال إعادة نشرها بكثافة من قبل مستخدمي "تويتر" و"إنستغرام" الفرنسيين، مع استنكارهم صمت باريس وقرار الشرطة بحظر تظاهرة يوم السبت، ما دفع الصحافية الفرنسية في الموقع الإخباري "بوندي بلوغ" و"AJ+" بنسختها الفرنسية، وداد كتفي، إلى نشر مجموعة من الصور على حسابها في "إنستغرام" تضم صوراً ملتقطة لتظاهرات سلمية من العواصم الأوروبية، مع اسم كل دولة وكيف تمكن الناس من التعبير عن رأيهم بحرية، وعبارة "العار" على صورة من تظاهرة باريس تظهر شاباً سقط على الأرض بعد إصابته بمدفع الماء الذي استخدمته الشرطة الفرنسية لتفريق التظاهرة.

المساهمون