عن رجلٍ يرفض مُشاهدة "تايتانيك": تكثيفٌ زمني ولقطات مقرّبة وضبابية

عن رجلٍ يرفض مُشاهدة "تايتانيك": تكثيفٌ زمني ولقطات مقرّبة وضبابية

01 نوفمبر 2021
بِتْري بويْكولاينن في "لا موسترا 2021": سلاسة أداء (ماركو برتوريلّو/ فرانس برس)
+ الخط -

يُصرّ ياكو (بِتْري بويْكولاينن) على عدم مُشاهدة "تايتانيك" لجيمس كاميرون، منذ إطلاق عروضه التجارية الدولية عام 1997، لا في الصالات السينمائية، ولا في منزله. لديه نسخة "دي في دي" غير مستعملة البتّة، أي أنّها لا تزال مُغلّفة في علبتها. مُقعَد ومُصاب بالعمى، يعيش ياكو وحيداً في منزله. هناك سيدة تخدمه يومياً، وحبيبة يتواصل معها هاتفياً، ووالد يطمئن عليه بين حينٍ وآخر. الحيّز المكانيّ ضيّق، والسينما خيالٌ يُخرجه إلى عوالم وذكريات وانفعالات. لكنّ "تايتانيك" خارج الاهتمام، أي خارج المُشاهدة. هذا واضحٌ منذ عنوان الفيلم: "الأعمى الذي لا يريد مُشاهدة تايتانيك" (2021، 82 دقيقة)، للفنلندي تِمّو نيكي، الفائز بجائزة Armany Beauty، التي يمنحها الجمهور، في الدورة الـ78 (1 ـ 11 سبتمبر/ أيلول 2021) لـ"مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي".

يوميات ياكو عادية للغاية. تقنيات حديثة تُلبّي له حاجاتٍ مختلفة. الهاتف الذكي أساسيّ بالنسبة إليه، كونه الوسيلة الوحيدة للتواصل مع الآخرين، ولتلبية معظم تلك الحاجات. العلاقة بين ياكو والهاتف الذكي متينة، والعلاقة بينه وبين سيربا (ماريانا مايلا) حميمة وعميقة، رغم الابتعاد الجغرافي بينهما، الذي يمنح التواصل الهاتفي حيويته وحضوره الأعمق والأسهل، والأقدر على تمتين ارتباطٍ يتوزّع على الانفعال والاجتماع والسينما والحياة اليومية.

الابتعاد الجغرافي نفسه سببٌ لمغامرةٍ، يُقرّر ياكو، ذات لحظةٍ، أنْ يخوضها، بهدف لقاء سيربا مباشرةً. هذا يحتاج إلى مساعدة قريبٍ أو صديق، لكنّه يعتمد على مساعدة أشخاصٍ في محطات القطار، وسائقي سيارات الأجرة. سيربا غير مُصدّقةٍ. لكنّه مُصرّ على لقائها مباشرة، كإصراره على عدم مشاهدة "تايتانيك" (في السرد، تفاصيل ومسائل يُفضَّل أنْ تُشاهَد). يُرتِّب أمور السفر إليها، فهي مُقيمةٌ في مدينة بعيدة، تحتاج إلى أكثر من وسيلة نقل لبلوغها. في الطريق إليها، يُسرَق هاتفه الذكي، ويتعرّض للابتزاز من رجلين اثنين. كلامٌ كثيرٌ يُقال بينه وبينهما، كالكلام الكثير الذي يعتمد عليه النصّ الحكائي (سيناريو نيكي نفسه). لكنّ الكلام متحرّر من الثرثرة، لما يحتويه من إشارات وتعليقات ونقاشات وسجالات، فيها من السخرية ما يتساوى والجدّية في مقاربة أمور عدّة، في الحياة وعنها، كما في السينما وعنها.

لـ"الأعمى الذي لا يريد مُشاهدة تايتانيك" تكثيفٌ زمني يعكس تكثيفاً درامياً وجمالياً وحكائياً، في سرد حكاية رجلٍ يواجه يومياً، وحده، تحدّيات قاسية. مواجهةٌ تتكامل وأسلوب تصويرٍ، يتمثّل بحجب ممثلي الشخصيات الأخرى وممثلاتها كلّياً عن المشهد، التي (الشخصيات) تظهر ملامحها ضبابيةً، مع شيءٍ طفيف من حركات بعضها في خلفية الصورة الأساسية؛ كما بلقطات مُقرّبة جداً لياكو فقط، ما يزيد من كثافة الضغط والتوتر، ومن تورّطٍ في عيش اللحظات كلّها معه، بكلّ ما فيها من ارتباكات وقلق ورغبات وانهيارات وانفعالات.

يُذكر أنّ الفيلم (تصوير ساري آلتونن، مونتاج يوسي ساندو) فائزٌ بجائزة "نجمة الجونة الذهبية" في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة (50 ألف دولار أميركي)، في الدورة الـ5 (14 ـ 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2021) لـ"مهرجان الجونة السينمائي"، وجائزة "نجمة الجونة لأفضل ممثل"، لبِتْري بويْكولاينن، الممثل المعروف في فنلندا، المُصاب بـ"التصلّب المتعدّد" (ترجمة حرفية للتعبير الفرنسي Sclerose En Plaques)، وهذا مرض يُصيب الدماغ والنخاع الشوكي وجهاز المناعة، كما يُصيب بروتيناً أساسياً مهمّته نشر نبضات عصبية.

المساهمون