صبرا ومارفل: امرأة متوحشة خارقة للإنسانية

صبرا ومارفل: امرأة متوحشة خارقة للإنسانية

21 سبتمبر 2022
تظاهرة في نيويورك تدعو لمقاطعة الاحتلال (إريك ماغريغور/ Getty)
+ الخط -

أعلنت استديوهات مارفل، بالتعاون مع شركة ديزني، أن الممثلة الحائزة على جائزة إيمي شيرا هاس ستنضم إلى عالم مارفل السينمائي في الفيلم الرابع من سلسلة Captain America، بعنوان Captain America: New World Order.
تلعب هاس دور صبرا (Sabra)؛ بطلة خارقة تعمل لصالح الموساد. شخصية دخلت عالم الكوميكس منذ أكثر من أربعين عاماً، وتخترق اليوم الشاشة الكبيرة، وسط وعود كثيرة من مارفل بتقديم تلك الشخصية الجدلية وفق نهج جديد يتلاءم مع معطيات الشاشة الكبيرة.
ابتهج العديد من الإسرائيليين لاختيار ممثلة إسرائيلية للعب دور بطلة خارقة إسرائيلية في إنتاج هوليوودي ضخم. لكن مناصري القضية الفلسطينية سرعان ما أوجدوا هاشتاغ #CaptainApartheid على وسائل التواصل الاجتماعي، داعين إلى مقاطعة منتجات استديو مارفل، وإدراجه ضمن القائمة السوداء ما لم يتراجع عن قراره في تمثيل شخصية صبرا المتوقع صدورها في عام 2024، وسط غياب تام لأي معلومة حول أحداث الفيلم القادم.
ظهرت صبرا لأول مرة في الثمانينيات من القرن المنصرم، بالتحديد إلى جانب شخصية هالك في كوميكس The Incredible Hulk، ملفوفة بالعلم الإسرائيلي كرداء خارق، في يديها أساور تصدر نبضات قاتلة، مدفوعة بجرح خسارة ابنها على يد "إرهابيين". وشكّل وجودها منذ ذلك الحين جدلًا واسعًا بين أوساط متابعي كوميكس مارفل، الذين أدانوا تدخل الاستديو الأميركي في ما يدور على الأراضي الفلسطينية، واتهموه بالدعاية للصهيونية ودعم الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وتجريد الفلسطينيين من حقوقهم، خاصة أن الشخصية الخيالية لم تُظهر في العدد الصادر عام 1981 بعنوان "قوة وخطر في أرض الميعاد"، أي تعاطف تجاه مقتل طفل فلسطيني صغير قضى بفعل انفجار.
أعادت الأنباء الجديدة حول شخصية صبرا الغضب القديم على مارفل، وأدين سعيها المستمر إلى غسل سمعة الاستعمار وتلميع صورته عالميًا؛ إذ غرد معهد تفاهم الشرق الأوسط، وهو منظمة غير ربحية مؤيدة للفلسطينيين مقرها الولايات المتحدة، عقب الإعلان عن الإصدار السينمائي الجديد، أنه "من خلال تمجيد الجيش والشرطة الإسرائيليين عبر شخصية صبرا، تروج مارف لعنف إسرائيل ضد الفلسطينيين، وتمكن القمع المستمر لملايين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الحكم العسكري الإسرائيلي الاستبدادي".
في حين صرحت المسوؤلة الإسرائيلية السابقة إينات ويلف بأن وجود بطل خارق إسرائيلي لا يعني بالضرورة تصوير إسرائيل بصورة إيجابية، لكنه بالتأكيد يعود بالمال على شباك التذاكر لاستديو مارفل. وأضافت إينات أن إسرائيل "تتمتع بلحظة ثقافية مميزة"، إذ حققت العديد من إنتاجاتها التلفزيونية المحلية نجاحًا على منصات البث الدولية، لكنها لن تحكم على فيلم صبرا حتى صدوره.
في حين يفند الكاتب والمحلل الفلسطيني الأميركي يوسف منير النتائج المتوقعة من الفيلم، مؤكدًا أن لا شيء حتى الآن يدل على النوايا الحسنة في الإنتاج المقبل، فضلًا عن أن تحويل الجواسيس الإسرائيليين إلى أبطال هو في حد ذاته أمر مخزٍ ووقح، ناهيك عن التاريخ الطويل والقبيح لتمجيد العنف ضد الفلسطينيين والعرب والمسلمين في وسائل الإعلام الغربية، وهو ما لن ينتهي قريبًا.

زاد اسم الشخصية الخيالية من حدة الغضب العربي، إذ يحمل اسم صبرا دلالات مختلفة لكل من العرب والغرب

زاد اسم الشخصية الخيالية من حدة الغضب العربي، إذ يحمل اسم صبرا دلالات مختلفة لكل من العرب والغرب. ففي حين تعرف المعاجم الغربية، ومنها ميريام ويبستر، معنى اسم صبرا بشخص ولد في إسرائيل، تيمنًا بالثمار التي تنمو على نبات الصبار، يحمل اسم صبرا جرح الفلسطينيين ومناصريهم في شتى أنحاء العالم، ويعيدنا إلى حيث ارتُكبت أبشع مجازر التاريخ، التي راح ضحيتها أكثر من 3500 مدني، معظمهم من الفلسطينيين. ومع أن شخصية صبرا أُوجدت في قصص مارفل المصورة قبل ارتكاب المجزرة المروعة بعامين، إلا أن الإعلان الحديث عن إنتاجها للسينما، يأتي قبل أسبوع واحد فقط من الذكرى الأربعين للمجزرة، وهو أمر يمثل تجاهلًا مشينًا لمواجع الشعب الفلسطيني ومعاناته، و"ركلة يوجهها صناع الفيلم إلى شعب يعيش في ظل نظام الفصل العنصري"، كما يوضح منير لشبكة سي أن أن.
تعد نية مارفل في تصوير بطلة خارقة تتحدر من عالم الاستخبارات، جزءًا من إرث سينمائي طويل احتفى بوكالات الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية بوصفها "قوات حفظ نظام مخلصة في عملها، ترد العنف الصادر عن العرب والمسلمين"، كما يشرح وليد مهدي، وهو باحث في قضايا الاستشراق والصور النمطية العربية في الأفلام الأميركية.
ومع الدور المحوري الذي تلعبه عاصمة الترفيه العالمية في تشكيل الوعي الغربي، بالتحديد الأميركي، حول قضايا الشرق الأوسط، يخشى العديد من مناصري القضية الفلسطينية من أن تساهم الشخصية الخارقة الجديدة في عملية المحو الثقافي التي تحاول إسرائيل إدارتها في الآونة الأخيرة، وذلك عبر تزييف الحقائق الوحشية حول الاحتلال، وجعل عملية قتل الفلسطينيين وانتزاع حقوقهم من قبل الكيان المحتل أكثر قبولًا في أعين المجتمعات الغربية. أمر لا يمكن استبعاده، خاصة مع الشكوك العديدة التي تحوم حول العلاقة المشبوهة، خلف الشاشات، بين شركات الإنتاج الهوليوودية وإسرائيل، ليس عبر إنتاج الأفلام وتمويلها فحسب، وإنما من خلال تنظيم الأعمال الخيرية المشتركة، وتبادل المجاملات الدبلوماسية، ومناصرة بعض المشاهير الأميركيين للكيان المحتل بأجندة واضحة ومحددة.
نجحت تلك الممارسات الممنهجة على مدار العقود الماضية في نفض الغبار عن الصور النمطية لليهود في الأفلام الهوليوودية، خاصة تلك التي تبرزهم كمجموعة من الأثرياء النافذين، المتحدرين عن سلالة تاجر البندقية سيئ السمعة، أو ضحايا الاحتلال النازي وجرائمه العديدة، الباحثين عن أرض جديدة للعيش بسلام، واستبدلتها بشخصيات أخرى أكثر استقرارًا ومدنية، مهمتها دفع المشروع السياسي الإسرائيلي العصري وإبراز الكيان الغاصب كدولة قوية ذات قيم ومبادئ، تدافع عن حقوق المهمشين، وتحمي مصالحهم أينما كانوا.
أما الشخصية الفلسطينية في سينما هوليوود، فهي تتراجع منذ ظهورها في فيلم (1960) Exodus الدعائي، الذي يتحدث عن بدايات الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. الفلسطينيون ليسوا شعبًا اجتماعيًا في أفلام هوليوود، وهم يجعلون حياة الغرب صعبة ومعقدة لمجرد وجودهم فيها، بوصفهم الأعداء الفطريين غير الحضاريين، المدمنين على العنف والوحشية، والمفتقرين بشكل كامل إلى الأخلاق واللياقة.

سينما ودراما
التحديثات الحية

يؤكد المؤلف الراحل جاك شاهين، في كتابه "العرب السيئون جدًا"، أن الأفلام الهوليوودية تحاول جعل "الصراع" العربي الإسرائيلي يبدو كحرب على الإرهاب، كما يُوصف الفلسطينيون بأنهم امتداد للتهديد النازي، يتفاقم مع ظهور النفط في الشرق الأوسط، وهي صورة كرستها هوليوود نفسها، خاصة بعد نشوب الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ووقوع هجوم 11 سبتمبر/ أيلول عام 2001.
ليس من المعروف بعد كيف يمكن أن تنتهي العاصفة التي افتعلتها استديوهات مارفل، إلا أن جماهير هذه الأخيرة تنتظر ردًا حاسمًا على مطالبها الواضحة. ومع أن استديوهات الترفيه أثبتت مرارًا أن ولاءها الأول هو لأرباحها، يأمل العالم بأن يكون موقف مارفل مراعيًا في هذه القضية الحساسة، أو أننا فعلًا أمام "نظام عالمي جديد"، كما يقترح اسم الفيلم القادم، تُضرب فيه الحقائق بعرض الحائط، وتعطى الحريات صوتًا ما دامت تنسجم مع مصالح رأس المال فقط.

المساهمون