سينما الصوابية السياسية: انخفاض نسبة المشاهد الجنسية إلى 40%

سينما الصوابية السياسية: انخفاض نسبة المشاهد الجنسية إلى 40%

09 مايو 2024
لا تزال مستويات شرب الخمر والمخدرات والعنف والشتائم تشهد ارتفاعاً ملحوظاً (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- شهدت الأفلام الغربية انخفاضًا في المشاهد الجنسية، حيث ارتفعت نسبة الأفلام بدون محتوى جنسي من 20% إلى 50% منذ عام 2000 حتى 2023، مع تراجع كبير في أفلام الحركة والرومانسية.
- تأثرت هذه التغييرات بحركة Me Too، الوصول السهل للمحتوى الإباحي على الإنترنت، وتغير ذوق الجمهور، خاصة الشباب الذين يفضلون تجنب المشاهد الجنسية الصريحة إلا إذا كانت تضيف قيمة للقصة.
- العوامل الأخرى تشمل التحول في المعايير الثقافية، الحذر من الحركات الاجتماعية، و"اعتبارات السوق العالمية" التي تدفع صناع الأفلام لتقديم محتوى يتوافق مع معايير ثقافية متنوعة لتجنب التصنيفات العمرية المقيدة.

شهد العام الماضي انخفاضاً ملحوظاً في نسبة المشاهد الجنسية في الأفلام الغربية المنتجة منذ عام 2000 حتى اليوم. هذا ما أكّدته دراسة بريطانية جديدة، شاركت فيها مجلة ذا إيكونوميست، والصحافي الإنكليزي المتخصّص في السينما، ستيفن فولوز.
ووفقاً للباحثين المشاركين في الدراسة، فإن نتائجها لم تكن متوقّعة، خاصة حين كشفت عن مفاجآت أخرى، من أهمها أن عدد الأفلام التي لا تحتوي على أي محتوى جنسي ارتفع من 20 في المائة سنوياً إلى ما يقرب من 50 في المائة. ويبدو التغيير أكثر وضوحاً في أفلام الحركة، إذ انخفضت المشاهد الجنسية بنسبة 70 في المائة في عام 2023 مقارنة بعام 2000، في حين انخفضت المشاهد الجنسية الصريحة في الأفلام الرومانسية بنحو 20 في المائة.

المشاهد الجنسية في مئات الأفلام

ركز الباحثون المشاركون على دراسة 250 فيلماً دولياً، أنتجت في الفترة من عام 2000 حتى 2023، خاصة الأفلام التي تعد الأكثر ربحاً للجوائز في المهرجانات السينمائية المعترف بها. هكذا، أظهرت الدراسة هذا الانخفاض الكبير في عدد المشاهد التي كانت تحرج الرقابة سابقاً، وهو ما أرجعته الدراسة إلى عدد من الأسباب، كان من أهمها توفر المحتوى الإباحي بكثرة على شبكات الإنترنت، وكذلك التأثير الواضح لحركة Me Too على صناعة السينما خلال الأعوام السابقة، إذ حررت هوليوود من هيمنة الرجال عليها، وشكّلت نقطة تحوّل حقيقية، حتى إن العديد من الأفلام أصبحت تستعين بمتخصصين لتنفيذ المشاهد الحميمية وتصميمها، أو ما صار يعرف باسم Intimacy Coordinator، كي تضمن حماية الممثلات من أي انتهاكات كانت تحدث سابقًا في مثل هذه النوعية من المشاهد، وهو أحد نتائج حركة Me Too، التي أعادت هذه المهنة من جديد بعد أن كادت تختفي.
لم يقتصر نشر الدراسة فقط على مجلة ذا إيكونوميست البريطانية، بل شارك الصحافي البريطاني ستيفن فولوز نتائجها الكاملة على موقعه الشخصي، مشيراً إلى أن الدراسة اعتمدت على عدد كبير من البيانات التي وفرتها مصادر ومراكز بحثية ومواقع سينمائية متخصصة، وكذلك هيئات تصنيف الأفلام وقواعد بياناتها، ومن بينها OMDb وIMDb وWikipedia وCommon Sense Media وDove.org وMPAA وBBFC، موضحاً أن هذا التراجع في نسبة المشاهد الساخنة على شاشة السينما له العديد من الأسباب الأخرى التي يمكن إضافتها إلى السببين السابقين، أبرزها انحيازات الجيل زد، إذ أثبتت الأبحاث الأميركية الأخيرة أن جيل الشباب يفضّل عدم رؤية مشاهد جنسية صريحة، إذا لم تكن تضيف شيئاً حقيقياً في تطور الشخصيات الدرامية، وهو ما أسمته الدراسة "تغيّر ذوق الجمهور"، أو تأثير جيل "الصوابية السياسية" أو ما يعرف بمصطلح الـPolitical correctness.

التحوّل في المعايير الثقافية

كذلك، اعتبرت الدراسة أن هناك عاملاً آخر، ربما يكون سبباً في انخفاض نسبة المشاهد الجريئة في الأفلام الغربية الحديثة، وهو ما أطلقت عليه "التحوّل في المعايير الثقافية"، ورجحت أن الحركات الاجتماعية والمناقشات المتزايدة حول الموافقة والتمثيل بين الجنسين، ساهمت في اتباع نهج أكثر حذراً تجاه تضمين المشاهد الجنسية في الأفلام، ما يؤكد أن الأجيال السينمائية الجديدة في الغرب أصبحت أكثر حرصاً على مشاعر الأقليات العرقية والجنسية والمجتمعية، ومن ثم تتلافى الفهم الخاطئ للمحتوى الجنسي أو احتمالية إثارة الجدل.
عامل آخر اعتبرته الدراسة مؤثراً قوياً في هذه الظاهرة، ألا وهو "اعتبارات السوق العالمية"، إذ تميل الأفلام التي تحقق أداءً جيداً في شباك التذاكر الدولي إلى تفضيل المحتوى الذي يمكن ترجمته عبر معايير ثقافية مختلفة، ومن ثم يقللون من الجرعة الجنسية في الأفلام لأنها على الأغلب ستؤدي إلى تصنيفات عمرية أكثر تقييداً، أو تؤدي في بعض البلدان المتدينة إلى منع الفيلم أو خضوعه إلى الأجهزة الرقابية، ومن ثم تقليل مدى الوصول المحتمل إلى الفيلم.
ووفقاً لستيفن لفولوز، فإن هذا التطور لا يعني أن المشاهد الجنسية لم تعد ممكنة، ويشير إلى وجود أعمال سينمائية وتلفزيونية تركز خطها الدرامي كله حول الجنس، ومنها أعمال شهيرة مثل مسلسلي "نشوة" (Euphoria) و"التربية الجنسية" (Sex Education)، وهي أعمال جريئة وصريحة جداً، كما يشير إلى فيلمي: "اللعب النظيف" (Fair Play) و"كائنات تعيسة" (Poor Things)، ففي الأول هناك مشاهد خليعة في المراحيض العامة وبيوت الدعارة، وفي الثاني تكتشف الشخصية الرئيسية تطورها الداخلي من خلال تطور اكتشافها للجسد وإمكاناته.
في العام الماضي، صدر فيلم The Worst Ones. يطرح العمل سؤالاً مهماً عن مصير هؤلاء الأطفال بعد أدائهم لمهامهم وانتهاء العقود المبرمة مع شركات الإنتاج السينمائي، ويشير إلى الاستغلال المحتمل الذي قد يتعرض له الأطفال في مواقع التصوير، فضلاً عن الضغط والجهد الكبيرين خلال ساعات العمل وبعدها.

وعلى الرغم من وجود لوائح لحماية الأطفال الممثلين وتنظيم ساعات العمل، فإن عوامل الخطر ما زالت مرتفعة، خاصة على صعيد الصحة النفسية للأطفال واليافعين. في مشهد مؤلم وصادم، يبوح المخرج لإحدى الممثلات الطفلات كيف أنها ستتعود على الطاقم وتحبه، ثم ستحرم منه بعد أن ينتهي كل هذا.
بالعودة إلى الدراسة، قد لاحظت هذه الأخيرة أن انخفاض نسبة المشاهد الجنسية لم يقلل من انتشار رذائل أخرى في السينما الغربية الجديدة، إذ لا تزال مستويات شرب الخمر والمخدرات والعنف والشتائم تشهد ارتفاعاً ملحوظاً في الأعمال السينمائية الجديدة.

المساهمون