سيلفي اللقاح... الانضمام إلى أولئك الأصحّاء

سيلفي اللقاح... الانضمام إلى أولئك الأصحّاء

30 يونيو 2021
ينشر كثيرون صورهم خلال تلقيهم اللقاح أو بعده (Getty)
+ الخط -

اضطر رئيس الوزراء الفرنسي، جان كاستيكس، لأخذ اللقاح المضاد لفيروس كورونا على الهواء مباشرة، كي يقنع الفرنسيين باللقاح وجدواه، في محاولة وصفها البعض بـ"الشجاعة"، للوقوف بوجه نظريات المؤامرة التي تنفي حقيقة اللقاح والوباء. الهدف، أيضاً، كان القضاء على الرعب الذي يعتلي البعض من اللقاح، والخوف مما قد يتركه من أثر في أجسامهم. ذات الممارسة قام بها العديد من المسؤولين وقادة العالم، عدا عبد الفتاح السيسي، الذي اكتفى بمسرحيّة إيمائيّة، من دون أن يكون هناك إبرة حقيقية تدخل جسده. 

لا يهمنا رجال السلطة والرسائل السياسية وراء اللقاح، لكن ما يهمنا هو صور الأفراد العاديين، تلك التي تتكرر على وسائل التواصل الاجتماعيّ، والتي يظهر فيها الفرد، إما وهو يتلقح، أو بعد أخذ اللقاح مباشرةً، ليصبح الأمر أشبه ببيان علنيّ وعلامة على الخلاص، والانتقال من مرحلة الخوف إلى الحياة "الطبيعيّة"، حيث لا قناع ولا قيود سفر ولا فحوصات تحفر في الأنف.

هناك جانب آخر مثير للاهتمام، يرتبط بفعل "أخذ اللقاح"، وهو العلاقة بين الجسد البشري والسيادة السياسية؛ فمن تلقحوا، يمارسون واجباتهم كمواطنين، ويؤكدون ثقتهم بالمؤسسة الطبيّة وتسليمها السيادة على أجسادهم. صحيح أن اللقاحات ليست إجبارية بعد، لكن هذه الصور، هي علامة على التسليم بالسلطة الطبيّة، وأيضاً دعوة يطلقها الفرد للآخرين بأنه موثوق، أي هو غير معد ( الأمر الذي لم يؤكد فعلياً في ما يخص الملقحين).. الأهم، هو عقلاني، أي اختار ما فيه صلاحه الشخصي وصلاح "البشر" الآخرين، والذي يتثمل بإباحة اللحم الذاتي لإبرة المؤسسة الطبيّة، لتبدو الصورة أشبه ببطاقة تعريف مكتوب عليها: "أنا أثق بالعلم". 

لكن، كلمة "علم" السابقة معناها واسع جداً، فهناك رأس مال، وتلاعب بالأسعار، وحتى الآن لم تتضح بعد حقيقة الصفقات التي تمت من أجل توفير اللقاحات بين الدول المختلفة. يمكن القول إن هذه الصور/ بطاقات التعريف، تحوي حقيقة العبارة التاليّة :"أنا أثق بالشركات الدوائيّة التي ربما تمارس خدعة ما، لكن أنا شخصياً نجوت". 

الحديث عن اللقاح لا بد أن يكون سياسياً، كونه مرتبطاً بتطوير الجهاز المناعي لدى الفرد و"الأمّة"، وهنا تظهر الصورة بوصفها تسليماً بسلطة المؤسسة الطبيّة، فهي الخلاص الوحيد أو الإجباري من الوباء، وتجاوز الريبة والنقاش حول اللقاح إلى مرحلة اليقين، تلك التي ما زال الكثيرون خارجها، أي مرحلة التشكيك باللقاح. وهنا يتضح معنى "إجباري"، فما يلاحظ في بعض الصور أنها تُرفق بتعليقات مفادها التالي: "بالرغم من معاداة الرأسماليّة والهيمنة الحيويّة، إلا أني وجدت نفسي مضطرّاً للّقاح، في خيانة لمبادئي الأناركيّة".  

لا معنى للسذاجات السابقة التي يكررها البعض، خصوصاً أنها تظهر في ظل نسيان كل أشكال الهيمنة الحيويّة، والتركيز فقط على اللقاح، بوصفه شكلاً جديداً من أشكال المؤامرة وأساليب التنصت، في تجاهل تام لأساليب الهيمنة الأخطر والأشد أثراً، كوسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام، ونظام التغذية المعلّب والتعديل الجيني المرتبط به.. وكأن لحظة اللقاح نفسها، هي مفترق طرق أيديولجيّ، إما الانصياع التام، أو الرفض الأناركيّ الساذج، والحفاظ على وهم السيادة على الجسد. 

بعيداً عن التحليل الثقافي، لاقت "سيلفي اللقاح" رواجاً كونها دعاية مجانية للقاح، وتأكيد أن اللقاح آمن ولا خوف منه.. لكن، البعض استشاط غضباً، ووجد في الأمر سخرية يمارسها من نجوا أمام أولئك الذين مسهم كوفيد 19، أو أخذ من يحبون، فهذا "الاحتفال" باللقاح وصفه البعض بأنه "غير مناسب"، خصوصاً أن من حاربوا الجائحة في الصفوف الأولى، كانوا على تماس يومي مع الموت، وتهددت صحتهم وسلامتهم، أما نحن المختبئين والمحجورين، ففي احتفالنا هذا نوع من الأنانيّة، وضحك بوجه الفاجعة التي مسّت الكثيرين، الذين ما زالوا إلى الآن لم يحيوا حدادهم الشخصي. 

المساهمون