سورية بالألف الممدودة تشارك في "إكسبو 2020 دبي"

سورية بالألف الممدودة تشارك في "إكسبو 2020 دبي"

26 مارس 2022
هل تكفي الجغرافية ليتشارك القاتل والضحية هوية الانتماء إلى رقعة ما؟ (كريم صاحب/فرانس برس)
+ الخط -

أحبّ كتابة سورية بالتاء المربوطة، ربما لأن التأنيث حنون، يخفّف من جمود المسائل الكبرى والقضايا التي لم تجرؤ سوى قلّة قليلة بيننا على الخوض فيها؛ مسألة الوطن والقومية والهوية والانتماء والجغرافية ووهم العيش المشترك والسلم الأهلي والمحبّة والأخوة، ومسائل أخرى.

إلا أنني رحت أكتبها بالألف الممدودة في أحيان كثيرة بعد انطلاق الثورة، فقط لأن النظام ومؤسساته يكتبونها بالتاء المربوطة، وسبق لحافظ الأسد (1930 ــ 2000) أن أصدر مرسوماً رئاسياً يقضي بكتابة الاسم بالتاء المربوطة. إلا أنني اكتشفت أن كتابة الاسم بالألف الممدودة تدلّ على سورية الطبيعية عند القوميين، مما سهّل علي كتابتها بالتاء المربوطة.

انطلاقاً من هذا الجدل الطويل الذي لم يبدأ للأسف إلا بعد انطلاق الثورة عام 2011 ــ وكأننا لم نكن معنيين سابقاً بأصل اسم البلد الذي ولدنا فيه وننتمي إليه ــ لفتني أن يُكتب "جناح سوريا"، في "إكسبو 2020 دبي"، بالألف الممدودة. من اختار لها أن تُكتب كما يكتبها معظم المعارضين للنظام؟ هل إدارة المعرض أم النظام نفسه الذي اعتاد سرقة كل ما تطاوله اليد من الملموس إلى المجازي؟

وليس هذا هو التفصيل اللافت الوحيد، فأحد شعارات المشاركة "السورية" في المعرض الضخم الذي يضمّ الاحتلال الإسرائيلي أيضاً: "بلد طموح قادر على بناء مستقبل أفضل"!

كيف يمكن لسورية المشاركة في معرض الإمارات أن تبني مستقبلاً أفضل لسورية الغارقة في الدمار والجوع وتلك المشتّتة في أصقاع العالم؟ ثم نقرأ على صفحة "جناح سوريا" دعوة عامة لـ"الاستماع إلى الأبطال السوريين الذين أنقذوا...". وإن كانت الفكرة البديهية الأولى التي تخطر في البال هي أن "الأبطال السوريين" المفترضين لا بدّ أنهم أنقذوا عائلة من النزوح، وأخرى من التهجير، وثالثة من البراميل، ورابعة من الكيميائي، وخامسة من الاعتقال والتعذيب والإخفاء القسري، وسادسة من الجوع والموت برداً، فليس هذا ما يقصده مديرو الجناح.

"فرصتك لتسمع عن الأبطال السوريين الذين أنقذوا البذور التي كانت في بنك البذور في حلب". ولا يتسع المكان هنا ولا الوعي الإنساني يحتمل أن نناقش ركاكة العبارة لغوياً. إلا أن الركاكة الفكرية والقيمية غير البعيدة عن النظام السوري تحافظ على قدرتها الهائلة على الإدهاش.

ويكتب المنظّمون أسماء تلك البذور على ألواح صغيرة تمتدّ على عرض الجدار كمن يضرب "عرض الحائط" بإجرامه (دوار الشمس، بامياء، قطن، كوسا، فول الصويا، بطاطا حلوة...)، ونقرأ تحت تلك البذور أسماء المناطق التي اشتهرت بها. فتصبح درعا ومعها حلب وريف دمشق وإدلب والرقة هي أسماء المناطق التي أنقذ "الأبطال" بذورها، وليس المناطق التي عجز العالم عن إنقاذها من الخراب والدمار والتهجير والتعذيب والتغيير الديمغرافي والإلغاء.

عمل "فني" آخر يمتدّ هذه المرة على طول وعرض الحائط يحمل عنوان "معاً المستقبل لنا"، ويضم عشرات الأعمال لفنانين سوريين. وأيضاً هنا ينبت سؤال يحمل قدراً متساوياً من الواقعية والمكر عن سوريّة المشاركين في المعرض.

هل سوريّتـ(هم) كسوريّتـ(نا)؟ هل تكفي الجغرافية ليتشارك القاتل والضحية هوية الانتماء إلى رقعة ما؟ وهل المدن السورية ما تزال هي المدن ذاتها التي ولدنا وكبرنا فيها حتى انطلاق الثورة السورية قبل أحد عشر عاماً؟ إلى أيّ حلب ننتمي؟ حلب بنك البذور أم حلب المدمّرة؟

لو تأمّلنا "العمل الفني" الضخم من بعيد، لظنّنا للوهلة الأولى أنه نسخة معدّلة عن "صور قيصر"! وهل يصعب على سارق الأوطان أن يسرق أفكار ضحاياه ممن نجوا وأخذوا على عاتقهم مهمّة التوثيق للحفاظ على الذاكرة والتاريخ والحقيقة؟!

لوحات مستطيلة تغطّي بعضها بعضاً كما الأيقونات، تحمل رسوماً وصوراً تلخّص بحسب المنظّمين تاريخ سورية الفني. تتدلّى صورة بشار الأسد منتصف اللوحة وأعلى منه بقليل إلى جهة اليسار صورة أسماء الأخرس.

تلك الصورة نفسها التي التقطها المصوّر السوري المعارض عمار عبد ربه في "معهد العالم العربي" في باريس عام 2008، إلا أنها تحمل توقيع مصوّرة أخرى اسمها: سمر خير بك! سرقوا الصورة التي التقطها عبد ربه، ومنحوها لمصوّرة أخرى تفوّقت سوريّتها بالنسبة إليهم على سوريّة عبد ربه.

ألم يعثروا على صورة أخرى لها بعدسة مصوّر موالٍ للنظام تفادياً لهذا الإحراج؟ وهل يحرجهم الأمر فعلاً، علماً أن المشاركة في معرض يستضيف جناحاً إسرائيلياً لم تفعل ذلك؟ وممن سيحرجون إن كانت لوحة الفنان السوري منير الشعراني الذي كنّا نحتفظ في بيوتنا بما يخطّه عن الكرامة والحرية والحقوق وإدانة الظلم والقمع والخنوع تتوسّط صورتي بشار وأسماء الأسد؟! لوحته المقتبسة عن محمود درويش البريء من كل هذا الدمّ السوري: "في دمشق مرآة روحي".

المساهمون