ريموند بوندين: تنقيب في غزة وآخر في طبقات الإنسان

ريموند بوندين: تنقيب في غزة وآخر في طبقات الإنسان

31 يناير 2024
زار غزة في عام 2022 وفي عام 2023 (فيسبوك)
+ الخط -

جرت في قطاع غزة أعمال تنقيب وتأهيل في عدد من المواقع الأثرية والمباني التاريخية، مثل تل السكن، وتل العجول، وتل البالخية، ودير البلح، وتلة أم عامر في النصيرات، ورفح، وتل الرقيش، وتل قطيف وعبسان، والمغراقة. كما جرت أعمال تأهيل المباني التاريخية في مركز مدينة غـزة التاريخي في الجامع الكبير، وكنيسة برفيريوس، والقيسارية، وقصر الباشا، وحمام السمرة، وقلعة خانيونس، والعديد من المباني التاريخية، مثل سباط وبيت العلمي، وسباط كساب، وبيت السقا وبيت الغصين. إلا أن أعمال الترميم والصيانة في هذه المواقع والمباني لا تكاد تنتهي، حتى تتعرض لدمار وحشي من جديد بسبب قصف الاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي بدا جلياً خلال حرب الإبادة الأخيرة.
خلال البحث والغوص أكثر للكشف عن آثار غزة، التي لم تحظَ يوماً، ولأسباب معروفة، باهتمام المراكز العلمية والأكاديمية؛ نجد أنفسنا نمضي وقتا مع مقالات وتجارب لعدد من العلماء الآثاريين الذين عملوا هناك، متحدين كثيراً من الصعوبات والعراقيل التي واجهتهم أثناء عبورهم إلى ذلك "السجن". هذا الأخير هو التوصيف الذي عنون الخبير في التراث الثقافي، ريموند بوندين (Raymond Bondin)، مقاله الذي حُذف من الإنترنت "سجن يدعى غزة".
يشغل بوندين منصب المستشار الخاص للمدير العام لمنظمة إيكروم، ورئيس اللجنة الوطنية المالطية ليونسكو والخبير المستقل بالتراث الثقافي. انشغل بالتراث الفلسطيني، وسعى من خلال عمله في يونسكو إلى ضم العديد من المواقع الفلسطينية إلى لائحة التراث العالمي. اختتم أعماله في فلسطين قائداً لفريق دولي ومحلي لإعداد خطة صيانة وإدارة لدير هيلاريون في قطاع غزة.
في بداية مقاله، يشرح بوندين طريق رحلته: "فيما تبدأ رحلتك نحو مدينة غزة، ستصفعك حقيقة هذا السجن. بداية الأمر، سيلوح لك من بعيد معبر إيريز -النقطة الوحيدة لدخول الأجانب إلى غزة من "فلسطين المحتلة"- شعور واحد سيطغى عليك عند اقترابك الذي سيتفاقم عند الوصول، فيبدو لك كما لو أنك تدخل أكثر مطارات العالم تعقيداً وتجهيزاً بالتقنيات الذكية. إلا أن الحقيقة التي ستظهر لك لاحقاً بأنكم جميعاً هنا لشيء واحد فقط، وهو التنقيب في مسامات جسدك، قبل العبور إلى ذلك السجن المحروس بشدة. لا شيء مما سمعته أو قرأته عن هذه البقعة سيهيئك لما ستشهده".
تتضمن هذه المقابلة مع ريموند بوندين إجابات عن أسئلة كثيرة عن غزة المدينة التاريخية. نزيح فيها مشهدية الدمار والحصار، وننتقل إلى واقع يسرد لنا حكاية جغرافية منسية تقوم عمائرها على طبقات من التاريخ والذاكرة.

ما هي الأسباب التي دفعتك إلى الاهتمام بحقل التراث؟ ومتى بدأت تشق طريقك في هذا المجال؟
كرسّتُ حياتي كلها منذ عام 1987 لحماية التراث. أمضيت عشرين عاماً في مالطا مسؤولاً عن مشاريع ترميم المدن التاريخية، ثم انتقلتُ إلى هيئة تراث مالطا. شغلت منصب سفير مالطا لدى يونسكو مدة أربع سنوات، وما زلت رئيساً للجنة الوطنية ليونسكو. دولياً، شاركتُ في جميع المنظمات ذات الصلة، بما في ذلك ثماني سنوات في "إيكروم" (المركز الدولي لدراسة صون وترميم الممتلكات الثقافية)، وتسع سنوات في اللجنة التنفيذية للمجلس الدولي للمعالم والمواقع الأثرية (ICOMOS)، كما شغلتُ منصب رئيس جمعية حماية المدن التاريخية (CIVVIH) مدة سبع سنوات.

ما الذي دفعك لزيارة غزة بالرغم من كل الشائعات التي تبثها وسائل الإعلام عن هذه البقعة؟
لم تكن البداية من غزة في ما يخص ملف التراث الفلسطيني. فمسيرتي بدأت هناك منذ عام 1998، عندما أرسلني منير بوشناق لإدارة ندوة، حول مشروع إيطالي، خاصة بقصر هشام في أريحا. بعد ذلك، شاركت في إعداد القائمة الإرشادية للتراث العالمي ليونسكو. وساهمتُ في تمويل ميثاق لحماية التراث الفلسطيني، وعملت من أجل ترشيح كنيسة بيت لحم لضمها إلى قائمة التراث، وأشرفت على ترشيح قرية بتير، وكنت عضواً في الفريق الذي ساهم في ترشيح تل السلطان وقصر هشام وانضمامهما إلى قائمة التراث العالمي. أما في ما يخص زيارتي إلى غزة، فتلقيت دعوة من إحدى المنظمات غير الحكومية (Premiere Urgence International)، وهي منظمة فرنسية لديها العديد من المشاريع لمساعدة السكان المحليين، وهي أيضًا مسؤولة عن مشاريع الترميم وتدريب الشباب.

كم أطلت البقاء في زيارتك؟ وما هدف الدعوة؟
استمرت إقامتي قرابة الاسبوع. أما الهدف الأساسي من الدعوة فكان العمل على إعداد تقرير لتقييم العمل في العمائر التاريخية التي تعود للفترة المسيحية الباكرة في هذه المدينة، والتي تركز وجودها في موقعين أثريين استثنائيين شغلا أهمية تاريخية عظيمة. الموقع الأول هو دير القديس هيلاريون -في جنوب غرب غزة فوق تلة تسمى أم عامر- يعود تاريخ بنائه إلى 400 م، أدرج على لائحة التراث العالمي في عام 2012. أما الموقع الثاني فهو الكنيسة البيزنطية -موقعها في جباليا ويرجع تاريخ بنائها إلى ما يقارب 408 م- وهي من أهم الكنائس التي اكتشفت في منطقة بلاد الشام.

هل يمكنك أن تطلعنا على التنقيبات في غزة؟ من يمولها؟ وأين تحفظ المكتشفات الأثرية في ظل مدينة تعاني ويلات الحرب والفوضى؟
في ما يخص دير هيلاريون، فإن الجهات الراعية الرئيسية للمشروع هي فرنسا من خلال الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD)، والمجلس الثقافي البريطاني. ولمنظمة يونسكو دور مهم في دعم أعمال الحفاظ على دير هيلاريون. لكن هذا الدعم مقيّد بمتطلبات معينة. طُلب مني في سنة 2023 أن أكون قائداً لفريق دولي ومحلي لإعداد خطة صيانة وإدارة لدير هيلاريون، وذلك في ضوء حصول تمويل من فرنسا لمواصلة أعمال صيانة منطقة الدير، حيث تشغل المدرسة الفرنسية للكتاب المقدس والآثار موقع المسؤول عن إدارة هذه الاعمال، إلى جانب دورها الكبير في حفظ اللقى الاثرية. فبحسب معلوماتي، تحفظ هذه اللقى في مخزن محمي من قبل المدرسة ذاتها والتي يقع مركزها في القدس. ولا تتوفر لدي حالياً معلومات عما إذا كان أيٌ منها قد تعرض للتدمير.

ما هو دور السلطة الفلسطينية، والحكومة في غزة، في مجال التنقيب عن الآثار والاهتمام بحفظ التراث الفلسطيني؟
هناك انقسام في الإدارة الثقافية، فمسؤولية المواقع الأثرية تقع على عاتق وزارة السياحة والآثار في رام الله، لكن لحماس وزارة مماثلة في غزة، الأمر الذي يزيد من تعقيدات الوضع، ويعرقل جهود الحفاظ على التراث. أما في ما يخص بند التمويل، فيمكننا القول إن معظم الجهود المبذولة في سبيل الحفاظ على التراث ممولة من جهات دولية، في حين تتولى وزارة السياحة والآثار في رام الله دفع رواتب العاملين. أما بالنسبة لحكومة غزة، فهي تلعب دوراً في حماية جميع المواقع الأثرية بغض النظر عن الحقبة التاريخية أو الدين.

ما هي أهم الصعوبات التي تعترض حقل حماية التراث والحفاظ عليه في غزة؟
العائق الأهم يتركز في عدم توفر التمويل الكافي، وبالتالي سيعرقل استمرار أعمال التنقيب والحماية للمواقع الأثرية المهمة، مثل الفسيفساء المكتشفة حديثاً والمقبرة الرومانية. إضافة إلى الصعوبات اللوجستية في ما يخص حصول المختصين على إذن العمل واستيراد التجهيزات والمعدات اللازمة للدراسة. هذه الأمور مجتمعة شكلت عائقاً كبيراً في استمرارية البحث والاكتشاف.

هل هناك طاقم خبراء يعمل في غزة؟ وفي حال عدم وجوده، كيف يجرى تدريب كوادر محليين في ظل تعقيدات الوضع الذي لا يسمح بخروجهم ولا يسمح أيضاً بإدخال معدات تؤدي الدور المرجو؟
هناك خبراء يعملون في غزة، ففي المقابر الرومانية، استعانت المدرسة الفرنسية للآثار والكتاب المقدس برينيه إلتر [شهد الرجل حرب الإبادة الأخيرة وغادر القطاع من فترة قصيرة] الذي استطاع الوصول إلى نتائج مذهلة؛ إذ أدت التنقيبات إلى اكتشاف 190 قبراً، ويرافق هؤلاء الخبراء بعض المتدربين المهتمين.

ما دور المجتمع المحلي في غزة في إطار الحفاظ على التراث الثقافي؟ خاصة أنهم يعيشون في هذه البقعة الصغيرة ذات الازدحام السكاني الكبير. وهل واجهتم أي رفض من جهتهم؟
خلال زيارتي الأولى إلى غزة، صممت على مساعدة الأهالي هناك بكل ما أوتيت من قوة. لديهم كثير من التراث المهم. كان من المحزن، وهو أمر مفهوم بالنسبة لي، أن اهتمام المجتمع المحلي بحماية التراث ليس قوياً بما فيه الكفاية. الناس يعانون بشدة، خاصةً الشباب الذين لا يستطيعون الخروج. هناك نسبة فقر كبيرة. تعرضت غزة بالفعل لخسائر فادحة في مواقع التراث قبل عدوان هذا العام، إذ فقدت أكثر من 100 موقع مسجل خلال الحروب الماضية.
وتواجه البلديات ضغوطاً كبيرة لبناء المزيد من المساكن، ما يحُد من قدرتها على تخصيص الموارد لحماية المواقع الأثرية. بالنسبة للأهالي، فهم يفضلون أن تذهب هذه المساحات للإسكان وليس لأعمال الحفر والتنقيب. إلا أننا لم نواجه أبداً أي رد فعل سلبي تجاه أعمال التنقيب. وفي ظل هذه الأوضاع، لا ينخرط الأهالي في تعقيدات التراث وحمايته، إلا أنهم مهتمون جداً بتاريخهم.

في ظل الوضع الاقتصادي المتردي والحصار الخانق، تشير الأخبار إلى أعمال نهب وسرقات كبيرة للآثار في غزة. هل لديك معلومات إلى من تُهرّب القطع وكيف؟ وما الدور الذي تلعبه الحكومة الفلسطينية في غزة في هذا الملف؟
للأسف، شهدت غزة كثيراً من عمليات نهب الآثار، وشملت هذه العمليات حتى بعض الأثرياء المحليين. ومن ضمن الخسائر المأساوية، متحف خاص جميل كان جزءاً من فندق، وقد تعرض للدمار. ومن المهم توضيح عدم تورط حكومة غزة في عمليات نهب الآثار، فلم يُشِر أحد إلى ذلك الأمر. السبب الرئيسي وراء أعمال النهب هو الفقر الشديد الذي يعاني منه سكان غزة. فمنذ خطواتك الأولى في هذه المدينة، ستظهر أمامك مناطق فقر مدقع، وبقايا لمبانٍ مدمرة. تنتشر الحمير في كل مكان، فهي الوسيلة الرئيسية لنقل البضائع وبيعها في الشوارع. في هذا المكان المحاصر بشدة، ومع القيود المفروضة، كل شيء مرتفع الثمن..

ماذا يمكنك أن تخبرنا عن قطاع غزة من منظورك؟
غزة هي "موطن" لنحو مليوني فلسطيني. الغالبية العظمى لم تغادر قط هذه المنطقة الصغيرة الواقعة بين الحدود "الإسرائيلية" الخاضعة لحراسة مشددة والبحر. الإسرائيليون يحرسونها جيداً. حتى السماء محروسة بشكل مطبق؛ فإذا نظرت إلى الأعلى، يمكنك رؤية بالونات كبيرة تراقب المنطقة. وإذا ما أردت الإبحار، فهناك حاجز أيضاً. اشترطت إسرائيل ألا يبحر الصيادون إلا لمسافة 10 كيلومترات، وإلا سيكونون في مرمى النيران. الحياة بغالبيتها تعتمد على إسرائيل: الوقود، وكل الإمدادات. كما أن الكهرباء سيئة بشكل هائل. في بعض الأحيان، تُشغّل فقط ساعتين أو أربع، ممكن أن تصل إلى ثماني ساعات، ولكنه أمر نادر. يقضي أهل غزة معظم الليالي في حلكة الظلام. وهذا ما يجعلهم شعباً مبتكراً، في ظل كل هذه المأساة هم بخير، يبتدعون طرقهم الخاصة للحياة. أشخاص طيبو القلب، يرحبون بالعدد القليل من الأجانب الذين يذهبون هناك، يستقبلونهم بأدفأ العبارات.

كيف يتعايش فلسطينيو غزة مع الهجوم المستمر للاحتلال الإسرائيلي؟ وما هي وسائل الحماية لديهم؟
إنه لأكثر الأمور مأساوية، ففلسطينيو غزة يعيشون حالة استنفار وتوتر دائمين. التفكير الغالب مبني على تساؤل مخيف: متى هو الموعد التالي للهجوم الإسرائيلي؟ هم يشعرون أنهم مستباحون، خاصة أن هذا الهجوم يمكن أن يحدث في أية لحظة. والأبشع من كل ذلك هم محاصرون، ليس لديهم مكان يلجؤون إليه. لا ملاجئ للاختباء فيها. عليهم الانتظار في منازلهم، على أمل أن يخرج الصاروخ عن مساره ويتوه عنهم. وفي حال أرادوا اللجوء إلى مصر؛ فهو مكلف للغاية، قليلون هم الذين يستطيعون تحمل تكلفة العبور. يحاول شعب غزة بكل طاقاته أن يعيش حياة طبيعية.

هل هناك حركة علمية في غزة؟ ما وضع الجامعات فيها؟
الجامعتان الرئيسيتان في غزة هما الجامعة الإسلامية وجامعة فلسطين (UP). زرت كلتا الجامعيتن ولقيت ترحيباً حاراً فيهما. هناك آلاف من الطلبة الأذكياء الذين يتساءلون باستمرار عن نوع المستقبل الذي ينتظرهم. تمكن بعضهم من الحصول على منح إيراسموس والاستفادة من برامج الاتحاد الأوروبي.

في العدوان الأخير، هل تواصلت مع الطاقم الذي عملت معه؟ وهل تمكنت من الحصول على أخبار المواقع التراثية هناك؟
من المحزن أن كل ما توصلت إليه جاء عن طريق وسائل الإعلام، انقطع التواصل مع كل الذين لي صلة بهم.

كيف تنظر إلى عمليات الاحتلال الإسرائيلية الرامية إلى مسح التاريخ الفلسطيني من الأوساط العلمية؟
لا أستطيع التعليق أكثر من ذلك، لقد بذلتُ كل ما بوسعي لحماية تراث غزة، وقد كلَّفني ذلك صعوبات وشكوكاً بشأن مستقبلي. لكن نعم، لم تُعطَ غزة قط الأهمية التي تستحقها. ومع ذلك، يجب أيضاً أن نأخذ في الاعتبار الصعوبة الكبيرة في الحصول على تصريح من إسرائيل للباحثين في العمل هناك، والنقص التام في الأدوات المستوردة. الأمر ليس سهلاً على الإطلاق. الذهاب إلى غزة شديد الصعوبة لأنه يعتمد على التأشيرة الإسرائيلية، وليس في كل الزيارات باستطاعتنا الحصول عليها. وفي حال حصلتُ عليها، ففترة السماح هي أيام قليلة فقط. لقد منحوني خمسة أيام في كل زيارة من الزيارات الثلاث التي أجريتها. لقد عاينت بشكل واضح آثار الدمار الذي خلفه العدوان الأخير، رغم أنني لم أكن حاضراً وقتها. إلى جانب مرافقة طائرات الدرون والمراقبة بالبالونات لنا باستمرار.

ما رأيك في الكتاب الذي يعده عالم الآثار الألماني فولفغانغ زفييكل، الذي سيجمع فيه المواقع الأثرية في غزة؟
العالم نفسه نقب في المواقع الأثرية الخاضعة لسيطرة إسرائيل، إلا أنه لم يقم بزيارة غزة. كيف له أن يصف آثار غزة من دون أن يزورها؟ أنا منزعج جداً من اولئك الذين يكتبون عن غزة من دون زيارتها. حتى الآن لم يتواصل معي أحد، ولكن هناك آخرين يظهرون على "سي أن أن" و"يورو نيوز" ولم يكونوا هناك من قبل. ما الذي استطيع قوله؟

هناك العديد من المواقع التي توقفت فيها أعمال التنقيب بسبب نقص التمويل. كيف تقرأ قلة الدعم لهذه الحفريات في غزة؟
نعم، هناك نقص كبير في التمويل. على سبيل المثال، قبل عام، اكتُشفت في أحد المواقع فسيفساء مهمة جداً، ولكن التمويل المكرس لها كان محدوداً للغاية، وهذا ما يجعل الأعمال تتوقف.

هل هذا الأمر ينطبق أيضاً على مواقع التنقيب التي تخضع لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي؟
بالطبع لا، خلال وجودي في تل أبيب، لاحظت فرقاً كبيراً، فهم يملكون الإمكانيات والمعدات التي تُتيح القيام بأعمال تنقيب واسعة. التمويل الأكبر من نصيبهم.

في مقالك "سجن يدعى غزة"، اختتمت بالحديث عن الخروج من القطاع.
صراحة، لقد سمعت كثيراً عن صعوبات العبور إلى إسرائيل، ولكن في الحقيقة هي أسوأ بكثيرمن المتخيل، يمكنني القول إنها الأكثر إذلالا وإهانة من بين تجارب السفر في 62 دولة زرتها في حياتي. عليك اجتياز ثلاث نقاط تفتيش وبوابات دورانية. لكن هذا ليس كل شيء، فهناك أيضاً ماسح ضوئي متخصص لرؤية جسدك بالكامل عارياً، وجهاز يكشف حتى العلامات الطبية على جسمك. ثم تمشي حافياً مسافة طويلة وتسلم أمتعتك، التي تُنقل طابقين لأعلى حيث يتحكم الإسرائيليون في المعبر.

تعود الحقائب بعد انتظار طويل وهي مقلوبة رأساً على عقب ومفرغة من محتوياتها. لقد فتشوا كل عنصر، وفتحوا كل شيء وأحدثوا فوضى عارمة. شعور عارم بالإهانة والذل وكأنك عارٍ مجُرّد من كرامتك. تمر بإجراءات جواز السفر الأخيرة وتلقي التحية على الفلسطينيين القلائل الذين ينتظرون ساعات طويلة لعبور الحاجز. تخرج أخيراً، تستنشق الهواء بعمق، تود البكاء عند سماع سائقي سيارات الأجرة وهم يقولون لك "مرحباً بكم في إسرائيل!". تنظر إلى السماء، تحمد الله أنك خرجتَ بسلام من هذا المكان الذي يشبه السجن حقاً.

المساهمون