رحيل إحسان المنذر... مايسترو الذاكرة الجميلة

رحيل إحسان المنذر... مايسترو الذاكرة الجميلة

بيروت

ربيع فران

4799B026-3E78-41C5-8399-60873AE95BA6
ربيع فران
صحافي وناقد فني لبناني. من فريق صحيفة موقع العربي الجديد قسم المنوعات.
03 اغسطس 2022
+ الخط -

رحل اليوم الموسيقي والملحن اللبناني إحسان المنذر (1947 ــ 2022) بعد عقود من العمل الفني ساهم خلالها بتشكيل هوية الساحة الموسيقية اللبنانية الحديثة.

برز اسم المنذر على الساحة الفنية، بينما كانت المدرسة الرحبانية تسيطر بشكل شبه كامل على المشهد، إلى جانب بعض الملحنين الذين خاضوا تجربة منفردة مثل الراحلين زكي ناصيف وملحم بركات. وقد نجح فعلياً في شق خط موسيقي خاص به، ابتعد خلاله عن تقليد ملحنين سبقوه، مركزاً على العزف والجمع والتأليف الموسيقي الذي جمع بين أصوله المشرقية، ودروسه التي تلقاها في أوروبا. وبذلك تحول إلى واحد من أنجح مؤسسي الأغنية اللبنانية الحديثة منذ مطلع الثمانينيات وصولاً إلى اليوم، بعد تعاونه مع فنانين كانوا وقتها في بداياتهم، مثل راغب علامة وجوليا بطرس، ومع أسماء كانت قد شكلت لنفسها حيّزاً من النجومية مثل صباح وماجدة الرومي...

لم يكن إحسان المنذر ملحناً عادياً، بل شكّل الدافع الأقوى خلف الانقلاب الموسيقي في لبنان والعالم العربي في الفترة التي تلت السبعينيات ورحيل كبار نجوم الأغنية العربية الكلاسيكية. ومن دون مغالاة، يصح القول إن المنذر غيّر خريطة الأغنية اللبنانية لسنوات وعقود، واستطاع أن يكون الرجل الحاضر بقوة لتسجيل وتحصين مجموعة لا بأس بها من كبار المغنين في البلاد.

هرب الموسيقي الراحل من دراسة الحقوق ولجأ إلى إيطاليا، وهناك حاول أن ينمّي موهبته الموسيقية. وبالفعل، عاد إلى لبنان مطلع الثمانينيات، متأثراً بثقافة موسيقية فذة دفعت المخرج الراحل سيمون أسمر إلى تكليفه قيادة فرقة برنامج "استديو الفن"، أشهر برنامج موسيقي غنائي خاص بالمواهب العربية في تلك الفترة.

ولعل تجربته الأبرز تبقى مع ماجدة الرومي التي عرف كيف يحرك صوتها في "ريبرتوار" يبقى الأجمل في مسيرتها، وعلى رأسها أغنية "كلمات" (كلمات نزار قباني) التي لحنها المنذر، وكانت تحولاً آخر في مسارها. ثم عاد ورسخ التجربة مع الفنانة اللبنانية من خلال مجموعة أعمال مثل "نبع المحبة" و"مطرحك بقلبي"، التي جعلت منها نجمة على الساحة العربية. كذلك عاد وقدّم معها عام 1989 أسطوانة خاصة بالأطفال كتبها الشاعر جوزف أبي ضاهر بعنوان "طيري طيري يا عصفورة"، لترتبط أغاني العمل، بطفولة جيل كامل من اللبنانيين، حاصدة في العام نفسه جائزة الموسيقى العالمية في بولونيا.

أما مع راغب علامة، فوضع المنذر أساسات النجاح لمسيرة طويلة عرفها الفنان اللبناني، مع مجموعة أغانٍ مثل "عن جد" و"لو شباكك ع شباكي"، و"الكتب العتيقة"، و"بكرا بيبرم دولابك" وغيرها من الأغاني التي لحنها بتقنيات عالية، وتحولت إلى محاجات كبيرة في ذلك الزمن، جاعلة من علامة نجماً حقيقياً.

وإلى جانب الألحان، شارك في مجموعة كبيرة من البرامج والفعاليات الفنية والموسيقية اللبنانية والعالمية، متبنياً العزف إلى جانب التلحين، ليلتصق لقب "مايسترو" باسمه طوال مسيرته. مسيرة لم يفرق خلالها بين مغنٍّ هاوٍ أو محترف، بل كان يتعاون مع الجميع، لحن للفنانة صباح، ولوليد توفيق، كذلك تعاونت معه سميرة سعيد.

لكن مسيرته بدأت بالتراجع، مع الألفية الجديدة، ووضع شركات الإنتاج العربية يدها على السوق الفنية، واتجه يومها إلى عالم البرامج في عزّ صحوة أو قفزة الإعلام الفضائي إلى العالم.
من 2004 إلى 2006 استعانت محطة أم بي سي السعودية به لتقديم واحد من أهم البرامج الغنائية التي كسبتها المكتبة أو الأرشيف العربي "دندنة". وقد قدمه إحسان المنذر مع المذيعة نانسي معماري، ليصبح واحداً من أهم البرامج التي استضافت كبار النجوم من العالم العربي. لعل حلقة الفنانة الراحلة وردة التي عُرضت بجزأين تُعتبَر واحدة من أشهر الحلقات التي تحولت مع الوقت إلى مرجعية مهمة في مسيرة الفنانة الجزائرية، ومسيرة إحسان المنذر كذلك، نظراً لفرادة الأغاني التي قدّمت خلالها.

يطوي رحيل إحسان المنذر مرحلة موسيقية تكاد تكون ذهبية، مثله مثل زميله الراحل منذ سنوات ملحم بركات، ويخسر لبنان والعالم العربي مرجعية في التوثيق والتأليف الموسيقي كانت منفردة بعيدة عن كل ما هو تقليدي وسائد.
 

ذات صلة

الصورة
يوسف سلامة (1946-2024)

ثقافة

رحل أستاذ الفلسفة المعاصرة والباحث الفلسطيني السوري يوسف سلامة (1946 – 2024)، أمس الاثنين، في مدينة مالمو السويدية.
الصورة
هبة أبو ندى - القسم الثقافي

ثقافة

استشهدت، أول أمس الجمعة، الشاعرة والمدوّنة الفلسطينية هبة أبو ندى عن اثنين وثلاثين عاماً، بعد قصف همجي لقوات الاحتلال الإسرائيلي على أحد الأحياء السكنية في غزة. صدر للراحلة رواية واحدة بعنوان "الأكسجين ليس للموتى"، كما شاركت في إصدارات شعرية مختلفة.
الصورة
نجاح سلام مطربة لبنانية ( يوتيوب)

منوعات

قبل سنوات اعتزلت نجاح سلام الغناء، لكنها لم تعتزل الأصدقاء الذين استمروا بزيارتها في منزلها البيروتي. صاحبة "برهوم حاكيني"، لم تغضب أحداً خلال مسيرتها، فعاشت حتى أيامها الأخيرة شغوفة بالفنون.
الصورة
خالد خليفة - القسم الثقافي

ثقافة

رحل، مساء أمس السبت، الروائي وكاتب السيناريو السوري خالد خليفة (1964)، بعد مسيرة أدبية بدأها مطلع عقد التسعينيات، وقدّم خلالها أعمالاً روائية ومسلسلات تلفزيونية قرأت التحوّلات الاجتماعية والسياسية لبلاده، خاصة في فترة حكم حزب البعث.

المساهمون