دارين سلّام لـ"العربي الجديد": أصنع أفلاماً تتناول مواضيع تمسّني

دارين سلّام لـ"العربي الجديد": أصنع أفلاماً تتناول مواضيع تمسّني

08 يناير 2022
دارين سلّام: "فرحة" فتاة محرومة مراهقتَها (تيم بي. ويتْبي/Getty)
+ الخط -

بعد 5 أفلامٍ قصيرة، أنجزت الأردنية دارين ج. سلاّم (1987) فيلمها الروائي الطويل الأول "فرحة" (2021): حكاية مُراهِقةٍ فلسطينيّة تحلم بإكمال دراستها في المدينة، لكنّ نكبة 1948 تحصل حينها، فيُخبّئها والدها في قبو المنزل، ويعدها بالعودة قريباً لإنقاذها.

لم تمسّ دارين سلّام في فيلمها "فرحة" مَشاعر المُشاهد فقط، بل تأمّلت في جوهر النكبة وآلامها، محوّلة الكاميرا إلى آلةٍ تُفكّر قبل أنْ تُصوِّر الحدث، ما جعل صورتها السينمائية مُركّبة، ترتكز على إضمار وتكثيف عناصر الواقع وأبعاده الجماليّة، مُستدرجةً المُشاهد إلى عوالم النكبة والبحث في تأثيرها بالتاريخ الفلسطيني الحديث. كذلك تنأى عن عشرات الأفلام التي عالجت الموضوع، بدرجة مُختلفة من الوعي والمقاربة، فبدت أكثر اشتغالاً على السرد والصورة. فالسرد نابعٌ من هاجسٍ تخييلي، يستند إلى وضع تاريخ النكبة في قالب حكائي، ويتشابك واقعياً مع النكبة ومبتعداً عنها في آنٍ واحدٍ، على مستوى المعالجة. والصورة تُعدّ إكليل الفيلم جماليّاً، لكونها أكثر تأثيراً في المُشاهد، لما فيها من ألوان بصريّة مُذهلة، تجعل العين تسرح في أنماط صُوَرٍ مُختلفة، تُضمر في طيّاتها دلالات رمزيّة قويّة عن طبيعة المرحلة التي يتناولها "فرحة"، تاريخياً وجمالياً.

في هذه المناسبة، التقت "العربي الجديد" دارين سلاّم في هذا الحوار:

لديكِ دبلوم في الفنون الإعلانية والتواصل البصري. كيف دخلت إلى السينما؟

شغفي بالسينما موجودٌ عندما كنتُ أدرس الفنون وتصميم الغرافيك. في مرحلة الدراسة، كنتُ أفكّر في الأفلام، فأنجزتُ ثلاثة أفلام قصيرة، ثم حصلت على منحة لدراسة السينما والإخراج السينمائي.

بعد تجربة إخراج 5 أفلام قصيرة، حقّقتِ أول فيلم روائي طويل لك، "فرحة". بداية، ما الذي يعنيه لك الفيلم القصير؟

في الفيلم القصير تحدّيات خاصة، منّها أنّ لدى المخرج ـ المخرجة وقتاً قصيراً لإيصال رسالة، أو لعرض رحلة الشخصيات فيها.

هل هناك خصوصيات جماليّة ميّزت تجربتك في الفيلم القصير، قبل الانتقال إلى الروائي الطويل؟

رحلة الفيلم القصير أصغر بالتأكيد، لكن المسؤولية نفسها على المخرج.

تتفوّق الصورة بجماليّاتها على النصّ، مع أنّه قويّ، ويتميّز بكتابة مُتسلسلة وبطيئة في تقديم الشخصيات، وإعداد حواراتها. كيف تعاملت مع النصّ لحظة الكتابة؟

بخصوص "فرحة"، كُتِبَ النصّ على مراحل غير متواصلة، فكانت هناك فواصل زمنية بين نسخة وأخرى. ساعدني هذا على الرجوع إلى النصّ بعين جديدة ونظرة أنضج، كلّ مرة. كان أسهل عليّ رؤية العيوب، والعناصر المحتاجة إلى تطوير. لكنْ، كمخرجة، لا أرى ولا أتعامل مع النصّ كشيء مُقدّس. نحن ننضج يومياً. لذلك، أترك مساحةً للتغيير، ولا أخشى الارتجال أحياناً.

أترك مساحةً للتغيير، ولا أخشى الارتجال أحياناً

ماذا عن الكاستينغ؟

اختيار الممثلين من أجمل المراحل. أستمتع جداً بالعمل مع الممثلين، وأحبّ فكرة العمل مع غير الممثلين، وجعلهم طاقات إبداعية جديدة تعشقها الكاميرا.

فنّياً، يُعدّ الفيلم القصير تجربة مذهلة في التقاط العنيف في واقعنا المهزوم وذواتنا المتصدّعة. كيف عبّرت عن القصص والحكايات في أفلامك الـ5 القصيرة؟

مهمّ بالنسبة إليّ صنع أفلامٍ تتناول قضايا ومواضيع تمسّني شخصياً. أحاول دائماً صنع شخصيات يتعاطف معها الجمهور. العالم العربي غنيٌّ بالقصص والحكايات والشخصيات، وهذه كلّها مادة ملهمة لصنّاع الأفلام. في كلّ فيلمٍ، تناولت قضية مختلفة، وعالجتها بطريقتي. في كلّ تجربة وفيلم، تعلّمت شيئاً ما، ساعدني في الفيلم الذي تلاه. كذلك الحال مع "فرحة".

ماذا عن "فرحة"؟ عن مراحل كتابته وإنتاجه وإخراجه وتوضيبه؟

الفكرة موجودة في ذهني أعواماً عدّة، إلى أنْ كتبتُ معالجة درامية أولى. عام 2016، كتبتُ النسخة الأولى. لم أستطع التفرّغ تماماً للكتابة، لأنّي كنتُ أعمل في مشاريع أخرى لأعوامٍ. بين أول نسخة وعام 2019، عندما بدأت التصوير، كان "فرحة" دائماً في بالي. عندما أعود إلى النصّ، أحمل معي نظرة إلمامٍ أكبر للقصّة، ولتفاصيلها. أحمل أيضاً أفكاراً جديدة. إخراجياً، أدركتُ منذ البداية أهمية جاهزيتي لمرحلتي التصوير وما بعده، أي المونتاج والتلوين وتصميم الصوت، خاصّة أنّ معظم الأحداث تجري في غرفة.

سلّام وبطلة فيلمها "فرحة" كرم طاهر (تيم بي. ويتْبي/Getty)
سلّام وبطلة فيلمها "فرحة" كرم طاهر (تيم بي. ويتْبي/Getty)

هذه العناصر تؤدّي دوراً كبيراً في الفيلم. من أهم أولويّاتي، الفتاة التي ستؤدّي فرحة. البحثُ عنها رحلة بحدّ ذاتها، وتدريبها أيضاً، لأنّها غير ممثلة. كان هذا تحدّياً من نوع آخر، استمتعت بتفاصيله، إضافة إلى التصوير، خاصّة في الغرفة، ومن خلال عينَي فرحة. إنتاجياً، صُوِّر الفيلم في مواقع بكر في الأردن. جرى ترميم وبناء المواقع لخلق فلسطين عام 1948 بمصداقية، وهذ مُطبّق أيضاً في الملابس والشعر والديكور.

يحكي الفيلم قصّة فتاةٍ فلسطينيّة، تُفكّر في كيفية إقناع والدها بإتمام دراستها وتحقيق حلمها خارج القرية، لكنّ النكبة تجعل حياتها مضطربة. ما مدى تطابق السيناريو مع يوميّات الواقع الفلسطيني في تلك المرحلة؟

"فرحة" يتناول حدثاً مصيرياً، النكبة. هذا سبب أول لبدء معاناة الفلسطينيين إلى اليوم. النكبة جرح لم يلتئم، وأنا قرّرت أنْ أتناول أساس القصّة وبداياتها، وهذا مُهمَّش نوعاً ما في السينما العربية والعالمية.

هل تعتقدين أنّ المخرج مُطالبٌ برصد الواقع، سياسياً واجتماعياً، أم أنّ للأمر علاقة بالتخييل والتمكّن من حبكة النصّ، سينمائياً؟

على المخرج ـ المخرجة مسؤولية، خاصّة في ما يتعلّق بحقبة زمنية، أو بأحداثٍ تاريخية. لذا، يجب التأكّد من حقائق معينة وتثبيتها. ثم لك ما شئتَ من خيالٍ، ككاتب ومخرج.

يرمز اسم الفيلم إلى الفرحة المسلوبة قسراً من الفلسطينيين

لا يبدو "فرحة" تجريباً سينمائياً بالنسبة إلى مخرجة واعدة، لكنْ كقضية مركزية في وجدان الاجتماع العربي. كيف تنظرين إلى فلسطين في المُتخيّل العربي؟

أردتُ تسليط الضوء على هذه الحقبة الزمنية، وإيصال الجانب الحقيقي من السرد، المُغيّب في السينما.

تمزج صُوَر الفيلم، بطريقة ذكيّة، بين السياسة والتاريخ والواقع والمتخيّل. إلى أيّ حد يُمكن الحديث، تقنياً، عن اجتراح صورة سينمائية مُركبّة، تماشياً مع حجم الحدث وخصوصية فلسطين، كرمز للنضال والمقاومة في الوجدان؟

منذ البداية، لم أرغب في التحدّث عن فرحة، كرقمٍ، بين 700 ألف فلسطيني هُجِّروا قسراً من فلسطين عام النكبة. أردتُ سرد قصة الفتاة المحرومة مراهقتَها وأحلامَها، والمُجبرة على أنْ تكبر قبل الأوان. "فرحة" رحلة الفتاة ذات الـ14 عاماً. الفيلم لقطة مقرّبة لها، ولأحلامها وصراعها. إنّه أيضاً عن الصداقة والفراق والطموح والأحلام والطفولة والتحرّر في وجه الخسارة. أمّا الحرب، ففي الخلفية.

هناك تناقض بين اسم الفتاة ومصيرها التراجيدي كشخصية في الفيلم. ما دلالات ذلك؟

يرمز الاسم إلى الفرحة المسلوبة قسراً من الفلسطينيين. كبرْتُ وأنا أستمع إلى أجدادي يتحدّثون بحسرة عن فلسطين وأيامها، كأنّها فرحةٌ لم تكتمل. لذا، أسميتُ الفيلم باسم الشخصية الرئيسية من دون تفكير.

المساهمون