حي مونمارتر الباريسي: غناء إلى العالم

حي مونمارتر الباريسي: غناء إلى العالم

25 سبتمبر 2020
منحت الفرقة الجمهور حرية التحرك في الفضاء المفتوح (Getty)
+ الخط -

لا يمكن ببساطة الحديث عن حي مونمارتر (montmartre) في باريس، المكان الأشهر الذي ارتاده البوهيميون والرسامون والمثقفون. يشكل الحي جزءاً مهمّاً من هوية باريس الثقافيّة، هذا الحي الذي اشتهر بمقاهيه واجه أزمة خلال كورونا والحجر الصحي؛ فأن نراه فارغاً، شكل صدمة لسكان باريس.

أخيراً، قامت فرقة mixity بإعادة الحياة الفنية إلى هذا الشارع في محاولة يمكن وصفها بالتجريبيّة، والاستفادة من شكل الفضاء هناك والأبنية التقليدية، إذ شغلت الفرقة الطابق الثاني من أحد الأبنية في حي مونمارتر، وحولت أربعاً من نوافذه إلى خشبات يظهر منها المؤديّ أمام الجمهور المتجمهر في الشارع.

تأتي هذه الحركة في ظل ما تشهده صالات العرض من تقنين بعدد الأفراد وقلة العروض الجديدة، إذ استفادت الفرقة من علاقة الفرجة بين الشباك والشارع لتقدم عرضاً للـ Drag queens، وهو شكل من أشكال الاستعراض الذي يقوم به الرجال المتنكرون بأزياء نساء مبالغ بها؛ أزياء مستوحاة من موسيقى البوب ونجماته، عبر المبالغة بالمكياج والأزياء وتقديم أداء يراهن على البهرجة والقدرة على التقليد الفائق، أي ذاك الذي يتجاوز الساخر أو النقدي.

يشكل الحي جزءاً مهمّاً من هوية باريس الثقافيّة، هذا الحي الذي اشتهر بمقاهيه واجه أزمة خلال كورونا والحجر الصحي

العرض لم يقتصر على الشخصيات النسائية كـ ليدي غاغا وإيمي واينهاوس، بل نرى أيضاً فريدي ميركوري، ليتحول الشارع إلى ما يشبه الحفل، يقدم فيه المؤدون الأغنيات الأشهر كاسرين احتكار النوادي الليلية والصالات الموسيقيّة، خصوصاً أن الأخيرة تواجه أزمة في عملها بسبب قوانين منع التكدس والتجمع.

عملت الفرقة على تحويل كل نافذة إلى بوابة لعوالم كل فنان، نحن لا نرى في الخلفية ما يحويه المنزل، فالإضاءة المدروسة جيّدا، جعلت كل شخصية ومؤد وكأنه يطل من عالمه الخاص، أو من حفرة تعبر المكان والزمان، ينبعث منها الرقص والغناء، ويعلق أفراد الفرقة على ذلك بقولهم إن فترة الحجر الصحي كانت قاسيّة، وكان لا بد من وسيلة إبداعية للاستمرار في العمل.

مشاهدة العرض من الشارع كانت تجربة فريدة من نوعها، إذ يطل نجوم البوب على المارّة، أولئك الغافلين، المنهمكين في إيقاع حياتهم، والذين عادة لا ينظرون إلى "الأعلى" إلا للتلصص أو الإعجاب بالأبنية التقليديّة. لكن هنا، نحن أمام ما يأسر العيون والآذان، يتوقف تدفق إيقاع الحياة الاقتصاديّ، لسماع أغنية نعرفها ونرددها دوماً. يقدم هذا الأداء شكلاً جديداً من عروض الكاباريه، تلك التي عادة ما تكون في المسارح الفخمة، وتقوم بها فئة من الراقصات ذوات التجهيز والتدريبات الخاصة، كما الحال في الطاحونة الحمراء في باريس الموجودة في نفس الحي، التي كانت تقدم هذا الشكل من العروض بصورة أسبوعيّة، وتفرض على الزوار شكلاً معيناً من اللباس ووضعية الفرجة، في حين أن فرقة ميكستي، تركت للجمهور حريّة التحرك، إذ لا قيد على الجمهور يفرضه شكل الأداء، بل يمكن المرور سريعاً أو الوقوف ومتابعة العرض بأكمله.

لم تشهد باريس إلى الآن رد فعل فنيّاً على ظاهرة الحجر الصحي بالصورة التي قدمتها فرقة ميكستي، إذ بدأ الأمر بالتصفيق اليومي للطاقم الطبي، أو بعض منسقي الأغاني الذين تركوا الموسيقى تتدفق من نوافذهم، من دون أن يكون هناك أي علاقة مع الشارع أو المارة، في حين أن فرقة ميكستي، أعادت تكوين الفضاء الرمزي للشارع والرصيف، اللذين أًصبحا مساحة خطرة ومباحة للعدوى في ظل فرض الكمامات والتباعد الاجتماعي. لكن في هذا الأداء، أصبحت الفرجة جزءا من هذا الشارع، النافذة التي كانت حفرة اللقاء مع الخارج، والتي لا تثير الاهتمام، تحولت إلى خشبة عرض تثير الفضول الذي نمتلكه تجاه الداخل، والذي يتسرب عادة خارجا، أصبحت استعراضاً فائقاً لمهارات التقليد والغناء والرقص، أشبه بحفرة نحو عالم من المخيّلة والنوستالجيا لنجومنا المفضلين.

المساهمون