حملة إسرائيلية أميركية غربية: الفلسطينيون يفبركون موتهم

حملة إسرائيلية أميركية غربية: الفلسطينيون يفبركون موتهم

03 نوفمبر 2023
من تظاهرة تضامنية مع الفلسطينيين في مدريد (ماركوس ديل مازو/ Getty)
+ الخط -

بينما يواصل الاحتلال الإسرائيلي ارتكاب المجازر التي راح ضحيتها الآلاف، غالبيتهم من الأطفال والنساء، في غزة، تنهمك حسابات إسرائيلية في نشر ادعاءات مضلّلة، تُشكّك من خلالها في صدقية مشاهد استشهاد الفلسطينيين وجثث الضحايا.

وتعززت هذه المزاعم بعدما قال الرئيس الأميركي جو بايدن، في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إنه "لا يثق في الأرقام الصادرة عن الفلسطينيين" بشأن عدد الشهداء جراء القصف الإسرائيلي، من دون أن يوضح السبب. في اليوم التالي، كرّر متحدث باسم جيش الاحتلال هذه المزاعم، فقال: "أشك في أرقام القتلى التي تصدرها وزارة الصحة في غزة التابعة لحركة حماس"، مضيفاً أن وزارة الصحة في غزة "تضخم باستمرار عدد القتلى المدنيين... وتم اكتشاف كذبها في الماضي"، من دون أن يقدّم أي دليل على مزاعمه.

وكذلك فعلت الحكومة الألمانية في 27 أكتوبر، على لسان الناطق باسم وزارة الخارجية الألمانية كريستيان فاغنر الذي قال في المؤتمر الصحافي الدوري للحكومة إنها تتعامل "بنوع من الحذر" مع الأرقام التي تعلنها حركة حماس بشأن أعداد الشهداء، ثم صرّح الناطق الرسمي المساعد باسم المستشارية الألمانية فولفغانغ بوشنر بأن "حماس ليست مصدراً للمعلومات بالنسبة إلينا. لا أحد يعترض (...) على كون السكان في قطاع غزة يتكبدون معاناة رهيبة، لكن برلين لا يمكنها أن تقدم أرقاما دقيقة ولا التحقق منها". وللمفارقة، فإن موقع ذي إنترسبت الإخباري كشف نقلاً عن موظفين ووثائق داخلية، الشهر الماضي، أن تطبيق "أبداي"، المملوك للمؤسسة الإعلامية الألمانية العملاقة أكسل سبرينغر، أصدر توجيهات لصحافييه بجعل التغطية المتعلقة بالعدوان على غزة تعكس تأييداً لإسرائيل، وبإعطاء الأولوية للرواية الإسرائيلية، وبتقليل أعداد الضحايا بين المدنيين الفلسطينيين. في المقابل، قالت ممثلة "أكسل سبرينغر" ومقرها ألمانيا، جوليا سومرفيلد، لـ"ذي إنترسبت": "نحن نرفض بشدة هذه الادعاءات غير المباشرة". وأضافت: "لم نوجه صحافيينا إلى تجاهل الضحايا المدنيين في غزة، ولم نطلب من محررينا التلاعب بالتغطية الإخبارية، ولم تشارك إدارة المؤسسة في أي قرارات تحريرية".

وفي مقابل هذه المزاعم، قال المدير التنفيذي لبرنامج منظمة الصحة العالمية للطوارئ الصحية الذي يتخذ من جنيف مقراً، مايكل رايان، إن الأرقام "قد لا تكون دقيقة تماماً عند صدورها لحظة بلحظة، لكنها تعكس بشكل عام مستوى الوفيات والإصابات في جانبي هذا الصراع". وأكدت منظمة هيومن رايتس ووتش، ومقرها نيويورك، أن "أعداد القتلى موثوق بها بشكل عام"، وأنها لم تجد تناقضات كبيرة عند التحقق بشأن الضربات السابقة على غزة. كما أكدت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أن أعداد الشهداء الصادرة عن السلطات الصحية في غزة أثبتت "مصداقيتها" في نزاعات سابقة.

كما ردت وزارة الصحة في قطاع غزة، في 26 أكتوبر، بنشر وثيقة من 212 صفحة، تضم أسماء وأرقام بطاقات هوية أكثر من 7 آلاف فلسطيني استشهدوا جراء القصف الإسرائيلي. منذ ذلك اليوم، وحتى عصر أمس، ارتفع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء القصف الإسرائيلي على القطاع المحاصر إلى 9061 شهيداً، وفقاً لما أعلنته وزارة الصحة في غزة. وفي السياق نفسه، أفاد مكتب الإعلام الحكومي في غزة بأن الطواقم الطبية وثقت أكثر من 10 آلاف شهيد ومفقود منذ بدء العدوان في 7 أكتوبر، لافتاً إلى أن الاحتلال قتل 2510 طلاب من مختلف المراحل التعليمية واستهدف 212 مدرسة، منها 45 خرجت عن الخدمة. وأشار إلى أن أكثر من 200 ألف وحدة سكنية تضررت جراء القصف، 35 ألفا منها هدمت بشكل كامل.

لكن الاحتلال الإسرائيلي الذي لا تكفيه حرب الإبادة التي يرتكبها بحق الفلسطينيين، ينهمك في الترويج لادعاءات كاذبة للتشكيك في أرقام الشهداء، وكذلك صورهم وفيديوهاتهم، عبر منصات التواصل الاجتماعي. ومن بين الأساليب المتبعة الترويج لادعاءات بأنّ تلك المشاهد تمثيلية، أو أنّها كاذبة. وقادت حسابات إسرائيلية هذه الحملة الدعائية بلغات مختلفة، أهمها الإنكليزية، فيما يبدو أنّه تركيزٌ على الترويح لهذه المنشورات المضلّلة في أوساط شرائح متنوعة من الجمهور، أهمّه الجمهور الغربي.

ومن الملاحظ أيضاً أنّ حسابات إسرائيلية قادت هذه الحملة من التضليل باستخدام أسلوب يقوم على ربط مشاهد الضحايا الفلسطينيين بحركة حماس، كالتركيز على أنّ وزارة الصحة الفلسطينية في غزة هي "حماس"، واستغلال ذلك للطعن في صدقية أرقام الضحايا التي تعلن عنها. وسبقت هذا التوجه حملةُ تشويه واسعة استهدفت الحركة، إذ روّج مسؤولون إسرائيليين ووسائل إعلام غربية في وقت سابق أنّها "فصيل إجراميّ يشبه تنظيم داعش". كما حشدت إسرائيل تعاطفاً دولياً لتعزيز هذه الرواية التي وجدت صدى لدى الإعلام الغربي الذي شبّه المقاومين الفلسطينيين بالعناصر في تنظيم داعش الإرهابي، أو القول إن إسرائيل هي التي تواجه فاجعة تشبه ما واجهته الولايات المتحدة في 11 سبتمبر/ أيلول 2001.

هذه التوصيفات لم تتردد فقط على لسان محللين ومذيعين وصحافيين، بل إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عززها حين قال، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن حركة حماس هي "مجموعة إرهابية هدفها تدمير دولة إسرائيل، وهذا ينطبق أيضاً على داعش والقاعدة"، وأعلن أنه سيقترح على الشركاء الدوليين بناء تحالف دولي وإقليمي "لمكافحة الجماعات الإرهابية التي تهددنا جميعاً"، قائلاً إن فرنسا جاهزة لأن يكون التحالف ضد "داعش" مستعداً للوقوف ضد "حماس".

حديثاً، نشر حساب "إسرائيل"، التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية، مقطع فيديو لجثة فلسطينية في كفن، وزعم فيه أن الجثة تتحرك. وعلّقت الصفحة على الفيديو بالإنكليزية "وزارة الصحة في غزة = حماس، الجثث لا تستطيع تحريك رؤوسها". واحتوى مقطع الفيديو الذي بثّته القناة 12 الإسرائيلية على مشهد جثة قربها شاب وامرأة فلسطينيان، وزعم في المقطع أن رأس الجثة يتحرك. وقد حلّل موقع مسبار، المتخصص في مكافحة الشائعات والأخبار الكاذبة، الفيديو الذي يظهر تحرك رأس الجثة، وتبيّن أنّه مضلّل، فالجثة نفسها لم تتحرك، إلا أنّ تحريك الشاب الذي كان بجوارها لجزء من الكفن أدّى إلى ارتفاع الرأس قليلًا فبدا وكأنّه يتحرك. ويعود سبب تحرُّك الرأس إلى العُقد التي تُستخدم لربط الكفن، والتي تعدُّ جزءًا من العادات الجنائزية، إذ يُربط الميت بعقد تكون عادةً على خمسة مواضع هي: الرأس والقدمان، والبطن، والفخذان، والصدر. تُسمى هذه الطريقة "عصب الكفن"، وهدفها تثبيت عضلات الميت لتجنب تحرك جسده أثناء حمله داخل الكفن، ولضمان بقاء الكفن محكماً ومغلقاً إلى حين موعد الدفن. لذلك، عندما يُحرَّك جزء من الكفن، قد تتحرك أجزاءٌ مثل الرأس بسبب عُقده المترابطة، وهو ما حصل في الفيديو.

وفي السياق نفسه، روّجت حسابات عدة مشاهد مضلّلة مماثلة. فقد نشر حساب إيدي كوهين صورة شخص يستخدم الهاتف المحمول مرتدياً الكفن، وعلق عليها: "جثة في غزة ترسل رسالة من التلفون". ودقق "مسبار" في الصورة، موضحاً أنها تعود لعام 2022، والتُقطت خلال احتفالات لأطفال في تايلاند بمناسبة الهالوين.

وكذلك روج لفيديو يتضمن الادعاء نفسه، ولكن تبين أنه عرض تمثيليّ لمشهد فض اعتصام رابعة في مصر، عملت على تأديته مجموعة من شباب جامعة الأزهر ضمن فعالية تدين الحادثة.

المساهمون