بيلا بورتش وساب أوربان... رقص على أنقاض البوب التقليدي

بيلا بورتش وساب أوربان... رقص على أنقاض البوب التقليدي

20 سبتمبر 2021
حققت بيلا بورتش أرقاماً قياسية بأغنيتها الأولى (جيسون كمبين/Getty)
+ الخط -

يبدو أن الحديث اليوم عن موسيقى البوب بوصفها صناعة تتحكم بها رؤوس الأموال، وتُوَجهها بما يتوافق مع مصالحها التجارية، لم يعد دقيقاً بعد اليوم؛ فقد أثبتت السنوات الماضية أن سوق موسيقى البوب من الممكن اختراقه بواسطة أفراد ومجموعات صغيرة تنتج صيغا جديدة من الفن البديل، لا تخالف بها معايير أغنية البوب وحسب، بل تتمكن فيها من منافسة الإنتاجات الباذخة لشركات الإنتاج التجارية الكبرى حول العالم، وتحطم أرقامها بعدد المبيعات والمشاهدات على المنصات الرقمية. لعل المثال الأبرز على ذلك هي التجارب التي قدمها أفراد نجحوا باستثمار منصات التواصل الاجتماعي الحديثة، مثل "تيك توك"، لحصد ملايين المتابعين قبل الانخراط في عملية الإنتاج الفني. 

آخر هذه التجارب وأكثرها إثارةً للجدل هي تجربة الفتاة الفيليبينية الأميركية بيلا بورتش، التي أصدرت قبل فترة أغنيتها الأولى Build a Bitch، لتضرب بها كل الأرقام القياسية، وتحصد 114 مليون مشاهدة خلال الأيام العشرة الأولى فقط. ثم عادت، الشهر الماضي، بأغنية الديو Inferno مع المغني الأميركي ساب أوربان، الذي يملك رحلة مشابهة من "تيك توك" إلى البوب البديل. 

الأمر المثير للاهتمام فى ما يتعلق بتجربة بيلا بورتش وساب أوربان ليس الأرقام التي يحققانها وحسب، بل ما يقدمه الثنائي من رؤية فنية جديدة غنية بصرياً وموسيقياً. ويبدو واضحاً من خلال تجاربهما المتعاقبة التي يبثانها الواحدة تلو الأخرى أنهما يمتلكان خطاً فنياً واضحاً لا يمكن التماسه لدى النجوم العرب والعالميين الذين سلكوا الطريق ذاته من الـ"تيك توك" إلى موسيقى البوب البديلة. ففي العالم العربي لا نشعر بأي أهمية لما تقدمه نور ستارز أو نارين بيوتي أو بيسان في مجال الموسيقى؛ إذ لا نشعر بأن الأغاني اللاتي ينتجنها قد تؤثر بشكل أو بآخر على معايير الإنتاج الفني في المنطقة، بينما تبدو الصيغة الجديدة التي يطرحها ساب أوربان وبيلا بورتش بكل ما تحتويه من مفاهيم تدميرية، قادرة على التأثير بشكل موسيقى البوب والكليبات البصرية إلى حد كبير.

لفهم المزايا الفنية الجديدة في أغاني الثنائي أوربان وبورتش، علينا أن نعود بالذاكرة إلى عام 2019، تحديداً إلى معرض بانكسي، حيث قام بتدمير لوحة خاصة به ذاتياً بعد بيعها، وهو ما أضفى من خلال اللمسة التدميرية بعداً فنياً جديداً على اللوحة. لا شك أن ما قام به بانكسي كان مفاجئاً وملهماً لعدد كبير من الفنانين حول العالم، الذين بدأوا منذ ذلك الوقت يبحثون بشكل جدي أكثر في جماليات التدمير؛ لينعكس ذلك مباشرة بفيديوهات طويلة بثت على مواقع التواصل الاجتماعي لأشياء تتعرض للتدمير بمكبس حديدي. وقد حظيت هذه الفيديوهات على ملايين المتابعات رغم بساطتها ونهايتها الحتمية المعروفة للجميع. 

في ضوء ذلك، يمكن فهم تجربة أوربان وبورتش، فهي قائمة بمجملها على إنتاج فيديوهات موسيقية بصرية تتمحور حول مفهوم التدمير والجماليات الناجمة عنه. ذلك لا يقتصر على الانفجارات وحجم الدمار الهائل الذي يحدثانه في كل كليب يقدمانه، وإنما على ما تحتويه هذه الأغاني أيضاً من مفاهيم قائمة على أنقاض موسيقى البوب السائدة، التي يبدو أنهما يحملان رغبة جارفة بتدميرها.

لقد كانت البداية في هذا الخط مع أوربان الذي بدأ مشروعه وحيداً قبل عام وشكّل في فضاء السيرك لوحات فنية بغرض تدميرها على أنغام موسيقى البوب السائدة المكسورة بإيقاعات الروك والجاز. وخلال أغنية Cirque، حضرت بورتش للمرة الأولى معه كموديل في الكليب لتشارك بصنع الدمار قبل شهر واحد من إصدارها أغنيتها الفردية الأولى Build a Bitch.

هذه التجربة الجديدة التي يزداد أثرها يوماً بعد يوم، لا يمكن توقع مصيرها أو حصر الاحتمالات التي قد تؤول إليها في المستقبل القريب في ظل غياب أي معايير إنتاجية تحكمها. لكن لا يمكن استبعاد احتمال استيعاب هذه الحركة التدميرية وقولبتها ضمن سوق موسيقى البوب السائدة.

المساهمون