الممثل والمخرج... القبول والرفض

الممثل والمخرج... القبول والرفض

17 يناير 2022
شارلي شابلن (يمين وسط) ومارلون براندو وصوفيا لورين (Getty)
+ الخط -

رغم تسليمه للمخرج بقيادة العمل بكل عناصره قد يرى الممثل أنه في المآل الأخير، مجرد عنصر من تلك العناصر التي تكوّن العمل. وفي الوقت الذي يطمح فيه الممثل كي تكون له مساحته الخاصة من الإبداع، قد يقبل هذا مخرج ويرفضه آخر.

هناك منهجان في الإخراج، الأول يرى أن كل عناصر العمل الفني سواء انتمى للمسرح أو السينما، لا بد أن تخضع تماماً لإمرته قلباً وقالباً، بل يصل في أغلب الأحيان إلى أن يقيد المخرج إبداع الممثل ويختصر إبداعه، بدعوى رؤيته الشاملة للعمل.

وهذا يمثله الفنان متعدد المواهب شارلي شابلن. فهذا الفنان يؤمن بتنفيذ الممثلين لما يريده المخرج بحذافيره دونما مناقشة أو إضافة. لعل الخلاف الذي حدث بينه وبين الكبير مارلون براندو في فيلم "كونتيسة من هونغ كونغ" خير دليل على ما ذكرناه. متوقع هنا الخلاف لأننا في حقيقة الأمر أمام منهج الهيمنة المطلقة للمخرج.

شارلي شابلن كمخرج للفيلم في منهج، ومارلون براندو الذي ينتمي لمدرسة ستيلا أدلر في منهج آخر. منهج أدلر قائم على ذاتية الممثل وقدراته الإبداعية الخلاقة، والتي لا تحددها التقليدية والنمطية.

هذه المدرسة تتجاوز إلى حد خلق شكل أدائي بأسلوب يتضاد مع القولبة وتعليب الموهبة. بالطبع رفض براندو أو تحفظ على ملحوظات شابلن المخرج. فهو لا يريد أن يصبح صورة مكررة ممسوخة من خيال شابلن للشخصية والتي يقدمها له على طبق من ذهب.

موقف
التحديثات الحية

كانت صوفيا لورين بطلة الفيلم أمام براندو، تنفذ تعليمات شابلن كما الإنجيل دونما أدنى مناقشة.

المنهج الثاني في الإخراج هو استخراج ما في جعبة الممثل من إبداع لتصور الشخصية المنوط بها، وقد كان من أقطاب هذا المنهج: إيليا كازان وفرانسيس فورد كوبولا.

وبلا شك أن إيليا كازان يعود إليه الفضل لنجومية مارلون براندو، فقد عمل معه في بداياته وتفهم أسلوب براندو والذي أوصله لنجومية فن التمثيل بلا منازع.

تفهم فرانسيس فورد كوبولا المخرج المرموق مناهج تمثيل ستيلا أدلر واستوديو الممثل المعني بتطوير منهج ستنسلافسكي، والذي يقوده لي ستراسبرغ وإيليا كازان.

هذا الاستوديو الذي انحدرت منه أجيال متلاحقة صارت نجوماً بفضل اختلافها عما كان سائداً في فنون الأداء بهوليوود، نذكر منهم آل باتشينو، وروبرت دي نيرو، وجاك نيكلسون، وداستن هوفمان، وميريل ستريب وغيرهم، ممن أحدثوا ثورة في فن الأداء التمثيلي.

تفهم كوبولا كل هذا، بل وقدم بعض هؤلاء في فيلمه "الأب الروحي"، الجزء الأول والجزء الثاني، حتى أنه استعان بلي ستراسبرغ لكي يظهر بشحمه ولحمه في الجزء الثاني من فيلم "الأب الروحي".

إلا أنه اصطدم مع براندو، نجمه المفضل، في فيلم "القيامة الآن" عندما طلب منه أن يفقد عدة كيلو غرامات، من أجل أداء شخصية الكولونيل الأميركي المجنون الذي يذهب على رأس كتيبة للحرب في فيتنام، إلا أنه يعصي الأوامر ولا يرجع إلى وطنه الأم ويظل في فيتنام.

ينفصل الكولونيل عن واقعه، ويعيش حالة فصام شديدة التعقيد. وكان الاتفاق أن يلحق براندو بفريق العمل بعد ثلاثة شهور من بدء التصوير.

وبالفعل جاء براندو في موعده المقرر، ولكن كانت المفاجأة أنه لم يلتزم بتصور كوبولا للشخصية، بل أصبح زائداً في الوزن إلى حد كبير، وحليق الرأس تماماً مما أغضب المخرج.

لكن استطاع كوبولا أن يبلع غضبه، وينفذ المشاهد لبراندو التي أصبحت فيما بعد من أيقونات السينما وفن التمثيل. بلا شك، إن عمق كوبولا هو الذي انتبه إلى عمق براندو في تناول شخصية الجنرال.

وبرغم الخلاف في كل ما ذكرنا عن العلاقة بين الممثل والمخرج، ولكن تظل العلاقة خاضعة لمعطيات كثيرة، منها عمق الثقافة والاطلاع وتوهج الموهبة، وقبل كل هذا جنون وجرأة الطرح.

المساهمون