ما بين المؤلف والمخرج

ما بين المؤلف والمخرج

18 ديسمبر 2021
مارلون براندو في فيلم "عربة اسمها الرغبة" (Getty)
+ الخط -

العلاقة مديدة بين المؤلف والمخرج. أيهما أحق بأن ينسب العمل إليه؟ المؤلف يرى أنه هو أصل الإبداع، ولولاه لما كان هناك منتج فني بالأصل، والمخرج يرى أنه هو صاحب التفسير والرؤية الفنية التي تكسو عمل المؤلف وتنفذه إنتاجياً، ولولاه أيضاً لما رأى العمل النور.

انقسمت الآراء في هذا إلى ثلاثة اتجاهات: الاتجاه الأول يقول إن المؤلف هو سيد العمل، وهو صاحب الحق الكامل في اختيار المخرج والعاملين، سواء أكان مسرحياً أم تليفزيونياً أم سينمائياً. يقدس هذا التيار كلام المؤلف المكتوب، بحيث لا يجوز التعديل من قبل المخرج والممثلين ولو بحرف واحد، إلا إذا قبل المؤلف.

الاتجاه الثاني ينادي بالمخرج المؤلف، بمعنى أنه ليس بالضرورة أن يكون المنتج الفني هو نفس المؤلّف الأصلي. صحيح أن المنتج الأدبي منسوب للمؤلف، ولكن يدخل في هذا أيضاً السيناريو السينمائي، وهو مجرد عنصر من العناصر الفنية التي تخضع لرؤية المخرج النهائية. لهذا، يحق للمخرج الحذف وأحياناً الإضافة، بل والتدخل في ترتيب السرد السينمائي. يمكن للمخرج أن يقدم منتجاً في النهاية ينسب له بما أنه أعاد الصياغة الجمالية للمنتج المكتوب.

أما الاتجاه الثالث فهو: المخرج المفسر للنص. هو محور تصالحي بين المؤلف والمخرج، يكون بمقتضاه تعاوناً بين القطبين من دون تصادم أو صراع على أحقية انتساب العرض لأحد الطرفين. وقد وجدنا على مر التاريخ الكثير من الأعمال التي أنتجتها توجهات كل من التيارات الثلاثة.

على سبيل المثال لا الحصر، نجد كاتبنا الكبير يوسف إدريس دخل في صدامات عديدة مع المخرجين للوفاء لنصه المكتوب. اصطدم بالمخرج كرم مطاوع في مسرحية "الفرافير"، إلى درجة أنه تبرأ من العرض في ليلة الافتتاح. لقد أحدث ذاك الصدام دوياً كبيراً في الأوساط الثقافية والفنية في مصر في فترة الستينيات. كذلك اصطدم بالمخرج سعد أردش في مسرحية "المخططين"، بدعوى تدخّله في تغيير نهاية المسرحية.

لعل كاتبنا الكبير نجيب محفوظ أدرك دوام الإشكالية، لهذا أعلن أنه غير مسؤول عن المنتج الفني. مسؤوليته تكون فقط بالالتزام بمنتجه الأدبي.

يحضرنا أيضاً جانب من الصدام بين المخرج والمؤلف، في حالة الكاتب الكبير لينين الرملي ومخرجنا الكبير سمير العصفوري، في مسرحية "سك على بناتك"، والتي انسحب على أثرها المخرج سمير العصفوري من إخراج المسرحية، معترضاً على التمسك الحرفي للينين بنصه.

المعروف عن العصفوري أنه ينتمي للمخرج المؤلف، وهي نفس مدرسة المخرج كرم مطاوع، صاحب التعبير الشائع: المخرج هو سيد العمل الفني.

نجد على صعيد التلفزيون المؤلف أسامة أنور عكاشة يفرض سيطرته تماماً على المنتج الفني، بكل ملامحه وتفاصيله ومراحله، ولا يتبقى للمخرج إلا التنفيذ الحرفي لرغبات المؤلف.

لكن، لا شك في أن هناك أمثلة إيجابية، تشهد تعاون المخرج والمؤلف بمساحات من الثقة والاقتناع المتبادل، فمثلاً على سبيل المثال لا الحصر، التعاون المثمر بين المخرج الكبير سمير سيف والمؤلف الكبير وحيد حامد، وتفهم كل طرف لطبيعة ودور الطرف الآخر.

وهناك أمثلة عالمية، ومنها ما يشهد على التعاون المثمر بين الكاتب والمخرج، مثلاً تينيسي وليامز والمخرج إيليا كازان في أكثر من عمل. لعل المثل البارز على هذا التعاون مسرحية "عربة اسمها الرغبة"، التي قدم فيها إيليا كازان ممثله المفضل والمهم مارلون براندو. كذلك تعاون كازان مع آرثر ميلر، فكانت مسرحية "بعد السقوط".

نخلص من هذا إلى أنّ أقصر الطرق لنجاح العمل ذي العمق البنيوي هو التفاهم بين الطرفين والانسجام وإدراكهما تماماً أنهما سيصنعان قطعة فنيه سيكتب لها الخلود. لنترك تماماً فكرة: أن كل واحد يريد إوزة وحده، إوزة واحدة تكفي الجميع.

المساهمون