العمل القسري للأطفال... ما التهمته الثورة الصناعية في إنكلترا

العمل القسري للأطفال... ما التهمته الثورة الصناعية في إنكلترا

24 مايو 2023
في عام 1845 كانت أعمار قرابة 43% من عمال القطن أقل من 18 عاماً (Getty)
+ الخط -

من خلال تحليل بقايا هياكل عظمية لـ154 طفلاً ومراهقاً، تتراوح أعمارهم بين 8 و20 عاماً، من مقبرة ريفية في شمال يوركشاير، قدّمت دراسة جديدة أدلة مباشرة على المشكلات الصحية التي واجهها الأطفال الذين ولدوا في فقر، وأجبروا على العمل في إنكلترا في القرن التاسع عشر في أوج الثورة الصناعية في غرب أوروبا.

أدّت الثورة الصناعية إلى تمدين سريع وتغير اجتماعي واقتصادي عميق في المجتمع البريطاني، في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وتركت عواقب لا يمكن تجاهلها على الصحة والرفاهية. جلب التحول من قوة عاملة ريفية محلية إلى قوة عاملة حضرية موجهة نحو العمل في المصانع والمحاجر فوائد اقتصادية، لكنّه أدى إلى زيادات كبيرة في الكثافة السكانية، وانتشار المساكن غير الصالحة للعيش، إضافة إلى تدهور الصرف الصحي، وتلوث الهواء، وخضوع العمّال إلى ظروف العمل سيئة.

ووفقاً للدراسة التي نشرت في 17 مايو/ أيار الحالي في مجلة PLOS One، كان توظيف الأطفال على نطاق واسع أمراً شائعاً في إنكلترا أثناء الثورة الصناعية. في كثير من الحالات، أُجبر الأطفال الفقراء على الخروج من المدن والعمل في المطاحن والمزارع الريفية ومصانع القطن في الشمال الإنكليزي. كان الازدهار الصناعي مدعوماً بالعمالة منخفضة الأجر للنساء والأطفال، ممّا مكّن المصانع البريطانية من المنافسة في السوق العالمية.

"في عام 1845، كانت أعمار قرابة 43% من عمال القطن في إنكلترا أقل من 18 عاماً، وكان هذا الرقم أعلى بكثير في الصناعات الأخرى. جاء النجاح الاقتصادي بتكلفة: الوثائق التاريخية والمعلقون الاجتماعيون في ذلك الوقت يرسمون صورة قاتمة لظروف المعيشة والعمل للطبقة العاملة، تتميّز بانخفاض متوسط العمر المتوقع وسوء التغذية والعدوى والأمراض المرتبطة بالعمل"، بحسب ما قالته المؤلفة الرئيسية للدراسة وأستاذة علم الآثار في جامعة دورهام البريطانية، ريبيكا غولاند، في تصريح لـ"العربي الجديد".

وأضافت غولاند أنّ النتائج قدمت أوّل دليل علمي يستند إلى الآثار البيولوجية للعمال الفقراء في الماضي، مسلطاً الضوء بشكل لا لبس فيه على الخسائر التي لحقت بأجسادهم النامية. بناءً على نتيجة التحليلات التي أجراها الباحثون على العظام، تمكنوا من التأكد من كون هؤلاء الأطفال مختلفون عن السكان المحليين، إذ ظهرت عليهم علامات توقف النمو وسوء التغذية، بالإضافة إلى أدلة على الأمراض المرتبطة بالعمل الخطير، بعد أن جرى نقلهم من لندن وتكليفهم بالعمل لساعات طويلة في مصانع شمالي إنكلترا.

وأشار تحليل نظائر السترونشيوم والأوكسجين إلى أنّ العديد من هؤلاء الأطفال لم يولدوا في منطقة شمال يوركشاير. بمقارنة هذه البقايا بتلك الخاصة بالأفراد المحليين، وجد الباحثون أن الأطفال غير المحليين أظهروا حالات أعلى من المشكلات المرتبطة بالهيكل العظمي، مثل تأخر النمو ونقص الفيتامينات وأمراض الجهاز التنفسي. بالإضافة إلى ذلك، تشير بصمات نظائر الكربون والنيتروجين للأطفال غير المحليين إلى أنهم كانوا يتناولون وجبات منخفضة البروتين.

ولفتت غولاند إلى أنّ الهدف من إجراء التحليل الكيميائي للعظام كان لدراسة النظام الغذائي. أسفر ذلك عن اكتشاف أدلة على نقص البروتين الحيواني في أجساد الأطفال مقارنة بالسكان المحليين. كما أبرز فحص العظام والأسنان الأعداد الكبيرة من الأمراض التي أصابت العمال الصغار، بما في ذلك السل وأمراض الجهاز التنفسي المرتبطة بالعمل في المطاحن، وأمراض مثل الكساح، وتأخر النمو.

"جرت إعادة دفن الرفات قبل بضع سنوات في احتفال تضمن مساهمات من المجتمع المحلي والباحثين المتطوعين والعلماء، وأحفاد بعض هؤلاء الضحايا"، وفقاً للباحثة التي تشير إلى أن نتائج الدراسة يمكن أن تسهم أيضاً في تغذية النقاش المعاصر حول الفقر وعدم المساواة في الخدمات الصحية، وأهمية الاستثمار في الأجيال الناشئة.

المساهمون