السينما المصرية 2020: شبّاك التذاكر بقي مفتوحاً

السينما المصرية 2020: شبّاك التذاكر بقي مفتوحاً

07 يناير 2021
أقيم كل من مهرجاني القاهرة والجونة رغم الظروف الوبائية (Getty)
+ الخط -

كيف يمكن أن نقرأ ما جرى للسينما المصرية عام 2020 في ظل وباء ضخم ضرب العالم وأغلق قاعات العرض؟ الصورة الواسعة، وتحديداً الخاصة بالسوق التجاري والصناعة الضخمة، هي صورة قاتمة بالطبع؛ فالوباء الذي وصل إلى القاهرة في أواخر فبراير/شباط الماضي، أدى إلى توقف تصوير الأعمال السينمائية بالكامل لفترة من الزمن، وكذلك -كما حدث في العالم كله- أدى إلى تأجيل عرض أفلام ضخمة كانت قد بدأت حملتها الدعائية. وحتى مع عودة تشغيل دور السينما، كانت بنصف سِعتها، ولم تشهد إلا عرض عدة أفلام متوسطة الميزانية والنجوم، ما ضَرب المواسم الثلاثة الأهم لعرض الأفلام في مصر: عيدَا الفطر والأضحى، وفصل الصيف. إلا أن نظرة أدق، يمكن أن نتبيّن من خلالها بعض النقاط الإيجابية لهذا العام السينمائي. الناس يحبون السينما مع تغير عادات المشاهدة بسبب جائحة كورونا، وميل العالم نحو منصات العرض الرقمية، كان من المتوقع أن يحدث ذلك أيضاً في مصر، وأن يؤدي عرض أفلام جديدة لإيرادات كارثية، لكن هذا لم يحدث.

منذ يوليو/تموز الماضي، شهدت السينما في مصر عرض سبعة أفلام جديدة، كان أكثرها إيراداً فيلم "الغسالة" (من بطولة أحمد حاتم ومحمود حميدة) وحقق 15.5 مليون جنية مصري، ثم فيلم "توأم روحي" (من بطولة حسن الرداد وأمينة خليل) وحقق 13.6 مليون جنيه، ووراءهما مباشرةً جاء فيلم "الخطة العايمة" (علي ربيع وغادة عادل) وحقق 9.5 ملايين جنيه ثم "زنزانة 7" (أحمد زاهر ونضال الشافعي) بـ 8.4 ملايين جنيه، و"الصندوق الأسود" (منى زكي ومحمد فراج) جالباً 7.7 ملايين جنيه. تلك الأرقام ليست ضخمة في ذاتها، ولكن تجب قراءتها في ظل عدة عوامل، أهمها قطعاً الظرف الوبائي، وأنها تأتي من قاعات عرض تعمل بنصف قدرتها الاستيعابية.

والأمر الآخر، أن أبطال تلك الأفلام ليسوا نجوما لشباك التذاكر من الأصل، وبالتالي فإن قرابة 30 مليون جنيه لفيلمين من بطولة حسن الرداد وأحمد حاتم، هي عائدات ممتازة، تؤكد رغبة الناس في الذهاب إلى السينما، وأنهم لا يشعرون بالرهبة، بقدر ما يحدث في أميركا مثلاً، أو في بلدان أوروبية أخرى. إقامة الجونة والقاهرة يمكن طرح العديد من الأسئلة حول درجة الالتزام بالإجراءات الوقائية التي قام بها منظمو مهرجاني "الجونة" (الذي أقيم في أكتوبر) و"القاهرة" (مطلع ديسمبر).

سينما ودراما
التحديثات الحية

ولكن مع تجاوز تلك النقطة، فإن إقامة كل منهما كانت أمراً مهماً للصناعة السينمائية في مصر؛ سواء من ناحية الورش، أو إقامة "ملتقى الأفلام" بين الصناع والمنتجين، والمِنح الإنتاجية للأعمال، وحتى عرض الأفلام ذاتها. كلا المهرجانين استفاد إلى أبعد حد كذلك من موعده، الذي أتى بعد مهرجان "فينيسيا" (أقيم في سبتمبر)، في إحدى أكثر المُدن تأثراً بوباء "كورونا" في بدايته، ما جعل إقامة مهرجانين سينمائيين في مصر أمراً مقبولاً ومُحتفى به. شيء لم يكن ليحدث إذا تأخر ميعادهما قليلاً، وتقاطع مع قرار مهرجان "برلين" بتحويل أغلب فعالياته إلى الواقع الافتراضي، مع عرض الأفلام ذاتها في الصيف. إنتاجات أصلية للمنصات شيء آخر مهم وإيجابي حدث في 2020، وهو عرض شبكة "شاهد" لإنتاجات سينمائية أصلية مباشرةً على الإنترنت، من دون عرض سينمائي؛ وهو ما بدأ مع فيلم "صاحب المقام"، من بطولة آسر ياسين ويسرا، وحقق نجاحاً وجدلاً كبيراً عند عرضه في أول أيام عيد الأضحى. ثم تكرر هذا الجدل مع فيلم "خط دم" الذي لعبت بطولته نيلي كريم وظافر العابدين، وتم تصديره باعتباره "أول فيلم مصاصي دماء مصري". الفيلمان عليهما الكثير من التحفظات الفنية، ولكن الخطوة نفسها إيجابية، ومن المتوقع أن تمنح بعض الحرية لصناع السينما لتقديم أفلامهم بعيداً عن ضغوط السوق التجاري، والاضطرار إلى تقديم تنازلات إرضاءً لشباك التذاكر. كما تعطي احتمالاً لتقديم "نوعيات سينمائية" أخرى غير السائدة تجارياً.

ولأن السينما في مصر تحتاج دائماً للحراك؛ فدخول منصات المشاهدة للإنتاج السينمائي يعد ميزة إيجابية، خصوصاً إذا وضعنا في الاعتبار بدء اهتمام تلك المنصات بإنتاج أو شراء الأفلام القصيرة، مثلما فعلت شبكتا VIU وOSN، وهو شيء قد يصنع فارقاً كبيراً في الصناعة ويخلق سوقاً مختلفاً ومهماً. صناع الهامش إذا كان هناك فيلم طويل واحد يمكن له أن يمثل السينما المصرية عام 2020، فهو الوثائقي "عاش يا كابتن"، للمخرجة مي زايد، الذي عرض في مهرجان تورنتو، وفاز بجائزة اليمامة الذهبية بمهرجان "لايبزغ"، قبل أن يعرض في مهرجان "القاهرة" ويحقق ثلاث جوائز أخرى. الفيلم هو ثمرة جهد طويل وممتد لست سنوات، لصناع سينما "مستقلين" في الإسكندرية، أنتجوا الفيلم من دون أي إمكانيات كبرى، ووصلوا لأن يكون فيلمهم الآن ضمن القائمة الطويلة للأوسكار في فئة الأفلام الوثائقية.

من جانب آخر، كان هناك حدث استثنائي، وهو فوز فيلم "ستاشر" للمخرج سامح علاء والمنتج مارك لطفي بجائزة "السعفة الذهبية" لأفضل فيلم قصير بمهرجان "كان" السينمائي. العمل أيضاً ثمرة جُهد مستقل، ومحاولة اكتشاف لغة سينمائية مختلفة، بعيداً عن السوق التجاري المعتاد في مصر.

سينما ودراما
التحديثات الحية

 زايد" و"علاء، وغيرهما من صناع السينما المستقلة، اتخذوا خطوة مهمة في عام 2020، خطوة لا تأتي أهميتها فقط من مساحة الاهتمام الواسعة التي نالوها، أو إلقاء الضوء على أفلامٍ شبيهة في تجربتها الإنتاجية، ولكن الأهم من أي أمر أنهم منحوا الصناع المستقلين الآخرين أملاً؛ أملاً في أن تعمل على فيلمك لسنوات وتنال تقديراً في النهاية، وأملاً في أن تذهب بعيداً لدرجة الحصول على سعفة ذهبية. هذا "الأمل" بمفرده يكفي كنقطة نور للسينما المصرية في 2020.

المساهمون