الاتصالات في غزة: لا يمكن الوصول إلى الرقم المطلوب حالياً

الاتصالات في غزة: لا يمكن الوصول إلى الرقم المطلوب حالياً

23 يناير 2024
محاولة لالتقاط شبكة في رفح (فرانس برس)
+ الخط -

يضطر النازح الفلسطيني سمير أبو عيشة إلى قطع مسافات طويلة للوصول إلى شقيقته سمر، للاطمئنان عليها، بفعل انقطاع الاتصالات والإنترنت في مُعظم الأحيان، نتيجة التدمير الذي طاول الشبكات بسبب القصف الإسرائيلي، وتخريب الشبكات وأعمدة الإرسال في كل مُحافظات قطاع غزة.
وإلى جانب عدم القدرة على التواصل مع العالم الخارجي بسبب انقطاع شبكات الاتصالات والإنترنت، يعيش الفلسطينيون حالة من العُزلة الداخلية بين المُحافظات والمُدن، نتيجة عدم قُدرتهم على التواصل، بسبب الفشل المُتكرر في الاتصال نتيجة رداءة الخطوط.
ولا يقتصر تأثير تدمير أعمدة الاتصالات على القطع الكامل للإرسال والشبكات، إذ تتواصل الأزمة حتى في ظل عودة الاتصالات، لتعود ضعيفة، لا تُمكن الفلسطينيين من التواصل بشكل طبيعي، نتيجة العودة الجزئية والضعيفة، والتي لا تُتيح الاتصال إلا بعد مُحاولات عديدة، وفي ظروف وأوقات مُحددة.

الاتصالات للاطمئنان

وتدفع حالة النزوح وتهجير الفلسطينيين من مُحافظتي غزة والشمال، نحو المُحافظات الوسطى والجنوبية، كذلك التهجير القسري لمدينة خانيونس نحو مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، والتهجير لمُربعات وبلوكات كاملة في المنطقة الوُسطى نحو المناطق الجنوبية، الفلسطينيين إلى الاستعاضة بالاتصالات للاطمئنان على بعضهم بعضا، بعد أن فرقتهم ظروف العدوان الإسرائيلي المُتواصل مُنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلا أنهم يصطدمون بانقطاع شبكات الاتصال والإنترنت، والفشل المتواصل في الشبكات.
وتتراكم الأزمات أمام المواطنين الفلسطينيين مُنذ بداية العدوان الإسرائيلي، بداية بقصف البيوت، والمُنشآت السكنية، والمدنية الآمنة، والتهجير القسري، وانقطاع مُختلف مقومات الحياة وفي مُقدمتها المواد الغذائية، والماء الصالح للشرب، والاستخدام اليومي، إلى جانب شُح المُساعدات الإنسانية الإغاثية، وانقطاع الأدوية، والمُستهلكات الطبية، ومُشتقات البترول، والتيار الكهربائي، والكهرباء البديلة، وصولاً إلى انقطاع شبكة الإنترنت والتواصل.
ويلفت الفلسطيني سمير أبو عيشة إلى أن الاحتلال الإسرائيلي لم يترُك سبيلاً إلا واستغله للتنغيص على الفلسطينيين طوال الشهور الأربعة من العدوان المتواصل، سواء بالاستهداف المُباشر للمدنيين، وبيوتهم، ومصادر رزقهم، أو باستهداف تفاصيل حياتهم الطبيعية، وعاداتهم اليومية، وذلك لمُضاعفة الأثر النفسي السيئ للحرب وتبِعاتها.
يُشير أبو عيشة، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن الاتصال يُمكن أن يحل مكان الزيارة المُتعبة لشقيقته في ظل حالة الازدحام الشديد في الشوارع، وانعدام وسائل النقل، ما يدفعه إلى المُجازفة للاطمئنان عليها وعلى أفراد أسرتها، رُغم الظروف الصعبة والخطيرة، خصوصاً في ظل حالة القلق نتيجة الاستهداف المتواصل للمدنيين.
ويُبين أن الاحتلال يسعى عبر سياساته إلى التضييق على الفلسطينيين بشتى الطُرق لزيادة كُلفة الحرب التي يدفع ثمنها المدنيون. ويقول إن "الاحتلال لو استطاع قطع الهواء الذي نتنفس فسيفعل ذلك، في ظل غياب المُحاسبة، وسط حالة الصمت الدولي والعالمي تجاه الجرائم المُرتكبة بحق المدنيين العُزل".
لا يختلف حال الفلسطينية سُعاد شرف عن غيرها من سُكان قطاع غزة، إذ اضطرت إلى النزوح برفقة أسرتها من شارع الصناعة جنوبي مدينة غزة، نحو بيت عائلتها في مدينة الزهراء بعد تدمير منزلها، إلا أنهم نزحوا مُجددا بعد الطلب من سكّان محافظتي غزة والشمال، المغادرة نحو المناطق الجنوبية، لكنها افترقت عن عائلتها لضيق المنزل الذي نزحوا إليه.
وتقول شرف لـ"العربي الجديد" إن الفلسطيني في قطاع غزة يتعرض لمُختلف أشكال الانتهاكات والتهديدات، بدءاً بحياته، وصولاً إلى المُنغصات والتضييق من كافة النواحي، سواء المُتعلقة بطوابير الخبز والماء والدواء، وباقي المتطلبات الأساسية، وصولاً إلى الانقطاع الكامل، أو شبه الكامل في الاتصالات، والإنترنت.
وتلفت إلى أن انقطاع الإنترنت والاتصالات، يُشكل تحدياً أمامها، إذ يمنعها من التواصل مع أهلها، في الوقت الذي لا تتمكن فيه من زيارتهم بفعل ضراوة الحرب، والاستهداف الإسرائيلي المُباشر للمدنيين، علاوة على انعدام وسائل المواصلات، بسبب انقطاع الوقود، بسبب إغلاق الاحتلال الإسرائيلي للمعابر، ومنع دخول المواد الأساسية، ومنها مُشتقات البترول.
تُضيف شرف: "تنتابني مشاعر مُختلفة، بين الشوق الشديد لعائلتي، والتوتر والقلق على والدي المُصاب بعدة أمراض مُزمنة، ويحتاج إلى رعاية كبيرة، فيما لا أتمكن من زيارتهم، أو حتى من التواصل معهم والاطمئنان على أحوالهم".
لا يقتصر التأثير السلبي لانقطاع الاتصال على الجانب الاجتماعي فقط، وإنما طاول الجوانب الصحية والإنسانية كافة، في ظل عدم قدرة المواطنين على التواصل مع الطواقم الطبية وسيارات الإسعاف لإجلاء الجرحى أو المرضى، أو مع طواقم الدفاع المدني، أو مع الطواقم الصحافية.

تعثّر الاتصالات

بدوره، يستذكر الفلسطيني عبد الرحمن ضهير موقفاً صعباً حدث أمامه خلال العدوان الإسرائيلي، حين قصف الاحتلال أربع شقق سكنية في أحد أبراج مخيم النصيرات للاجئين الفلسطينيين، وسط قطاع غزة، إذ كانت جثامين الشهداء مُلقاة على الأرض، وبجانبها الحُطام والجرحى الذين سقطوا نتيجة شدة الانفجارات في الطوابق المُستهدفة، في الوقت الذي لم يتمكن فيه أحد من الاتصال بسيارات الإسعاف نتيجة سقوط شبكة الاتصال، ما استدعى المواطنين إلى نقلهم عبر السيارات، والعربات التي تجرها الأحصِنة.

يلفت ضهير لـ "العربي الجديد"، إلى أن المشهد ذاته ما زال يتكرر حتى اللحظة: "يتواصل الاستهداف الإسرائيلي للمدنيين، بينما نشهد تعثراً في الاتصالات معظم الوقت، ما يتسبب بزيادة أعداد الضحايا، بسبب تقلص فُرص إنقاذ حياتهم مع مرور الوقت".
ويوضح ضهير أن "انقطاع الإنترنت أو الاتصال لدقائق معدودة قبل العدوان، كان يتسبب بحالة من الضيق والتعطُل، فما بالك بالانقطاع الكامل خلال فترة العدوان الحرجة، والتي تتضاعف فيها حالة الضيق، الممزوج بالخطر".

المساهمون