إلغاء حق الإجهاض في الصحف الأميركية: الحقوق على المحك

إلغاء حق الإجهاض في الصحف الأميركية: الحقوق على المحك

25 يونيو 2022
مخاوف من تأجيج الانقسام السياسي والعودة إلى العصور الوسطى (آنيبال مارتل/ الأناضول)
+ الخط -

سيطر القرار التاريخي الذي اتخذته المحكمة العليا الأميركية بإلغاء حق الإجهاض على الصفحات الأولى للصحف الصادرة في البلاد، إذ تخوفت من انقسام أكبر في المشهد السياسي، ومن ردّة في حقوق النساء إلى ما وصفته بـ"العصور الوسطى"، ومن "الارتباك" و"الفوضى" و"المعاناة الإنسانية"، وتقويض الثقة بالقضاة.

أنهت المحكمة العليا الأميركية الجمعة حق الإجهاض، بإصدارها قراراً له وقع مزلزل ويقضي على نصف قرن من الحماية الدستورية، في واحدة من أكثر القضايا إثارة للانقسام في المشهد السياسي الأميركي. وألغت المحكمة القرار التاريخي المعروف باسم "رو ضد ويد" الذي صدر عام 1973 ليكرس حق المرأة في الإجهاض، وقالت إن بإمكان كل ولاية أن تسمح بالإجراء أو أن تقيّده كما ترى، كما كان سائداً قبل السبعينيات.

الرئيس جو بايدن وصف الحكم بأنه "خطأ مأساوي" نابع من "أيديولوجيا متطرفة"، معتبراً أنه "يوم حزين للمحكمة والبلاد". وحذّر من أن حقوقاً أخرى قد تتعرض للتهديد مستقبلاً، مثل زواج المثليين ووسائل منع الحمل. أما الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب فأشاد بالحكم، وقال إن "الله اتخذ القرار"، علماً أن صدور الحكم لم يكن ممكناً لولا ترشيحه ثلاثة قضاة محافظين للمحكمة.

يمثل الحكم انتصاراً لخمسين عاماً من حراك اليمين الديني ضد الإجهاض، وهذا ما أشار إليه مراسل شبكة سي أن أن لدى البيت الأبيض ستيفن كولينسون الذي رأى أن القرار "سيغير الحياة بطرق عدة بعضها لا تزال مجهولة". وعلى الرغم من إقرار كولينسون بأن القرار "صادم"، خاصة أنه يتعارض مع رأي الأغلبية في هذه القضية، فإنه أكد أنه ليس "مفاجئاً"، مشيراً إلى حراك "مذهل" على المستويات السياسية كافة، "بدءاً بالناشطين الاجتماعيين والدينيين، مروراً بالقادة المؤسسين لمؤسسة قانونية يمينية، ووصولاً إلى الرؤساء الجمهوريين المتعاقبين".

هيئة التحرير في صحيفة واشنطن بوست رأت أن الحكم الذي وصفته بـ"الطائش" يطلق "حقبة جديدة خطيرة"، ورأت أن المحكمة العليا الأميركية "لم تعد مدافعة عن الحقوق الشخصية الأساسية". وأشارت إلى أن ضحايا هذا القرار هن الأميركيات الحوامل أو من قد يصبحن حوامل، وتحديداً الفقيرات منهن، وحذرت من تكاثر عمليات الإجهاض غير القانونية والخطيرة، ومن حظر ممارسات إنجابية أخرى، مثل التلقيح الصناعي أو استخدام الأجهزة داخل الرحم. ولفتت إلى أن القرار يثير "تساؤلات حول مستقبل الضمانات القانونية الأخرى، بما في ذلك الزواج من نفس الجنس، والوصول إلى وسائل منع الحمل، وحتى الزواج بين الأعراق".

وقالت الصحيفة إن المحكمة العليا الأميركية هي ضحية هذا القرار أيضاً، فـ"بضربة واحدة، قوّضت أغلبية غير مبالية مصداقية المحكمة أكثر من أي إجراء آخر اتخذته في العصر الحديث". وأضافت: "نحن ندخل حقبة جديدة من عدم الثقة والتقلب في النظام القانوني، في بلد يحتاج إلى الاستقرار في مؤسساته الحكومية، وليس إلى المزيد من السموم والاضطراب". ولفتت إلى أن الحكم تذكير للأميركيين بأنهم لا يمكنهم التعامل مع الحريات التي يتمتعون بها كأمر مسلّم به، إذ "يمكن أن تكون لقراراتهم، وخاصة كيفية التصويت وما إذا كانوا سيصوتون، عواقب مباشرة ودرامية وسلبية على حياتهم. لقد نجحت الآن حملة صليبية دامت عقوداً من الزمن لإلغاء حقوق الإجهاض الفيدرالية، لأن الجمهوريين في مجلس الشيوخ قد كدّسوا المحكمة بقضاة أثبتوا أنهم متطرفون بشكل كارثي. يجب أن توقظ هذه اللحظة المأساوية الأميركيين على أرض الواقع: يجب أن يدافعوا عن حقوقهم، وإلا فسيخسرونها".

هذه المخاوف ترددت أيضاً في موقف هيئة التحرير في صحيفة نيويورك تايمز التي كتبت أنه "اعتباراً من 24 يونيو/ حزيران 2022 أصبح لدى نحو 64 مليون امرأة أميركية في سن الإنجاب قدرة أقل على تقرير ما يحدث لأجسادهن عما كانت عليه في اليوم السابق، وسلطة أقل من أمهاتهن وحتى من بعض جداتهن. هذه هي النتيجة الأولى والأكثر أهمية لقرار المحكمة العليا". وحذرت "نيويورك تايمز" من أن تداعيات القرار ستكون "مدمرة"، إذ "ستدخل أميركا في حقبة جديدة من النضال حول قوانين الإجهاض، وهي حقبة ستتميز بالفوضى والارتباك والمعاناة الإنسانية". وأضافت أن "المهين" في الحكم الذي اتخذته المحكمة الجمعة "ليس فقط تجريده المرأة من الكرامة والمساواة، وإنما في الرفض الصريح لمعيار قانوني راسخ تمكّن على مدى عقود من تحقيق التوازن والتعبير عن آراء الأميركيين حول موضوع مشحون".

وأشارت إلى أن غالبية الأميركيين "يعتقدون أن النساء، وليس المشرعين على مستوى الولاية أو الفيدرالية، يجب أن يكون لهم الحق القانوني في تقرير ما إذا كانوا سينهون الحمل في جميع الحالات أو معظمها. في الوقت نفسه، يشعر الأميركيون بالضجر من القتال الذي دام عقوداً من أجل الإجهاض، وهي معركة قد تبدو بعيدة كل البعد عن وجهات نظرهم المعقّدة والشخصية للغاية حول هذه القضية". وحذرت قائلة: "سندفع الثمن لعقود مقبلة".

وهذا صحيح، فقرار المحكمة يتعارض بشكل حاد مع الرأي العام في بلد تدعم فيه أغلبية كبيرة من الناس حقوق الإجهاض، إذ يقول نحو 71 في المائة من الأميركيين، من بينهم أغلبية من الديمقراطيين والجمهوريين، إن قرارات إنهاء الحمل يجب أن تترك للمرأة وطبيبها بدلاً من أن تنظمها الحكومة. لكن هذا الدعم ليس مطلقاً، إذ قال نحو 26 في المائة ممن استطلعت آراؤهم إن القانون يجب أن يتيح الإجهاض في كل الأحوال، فيما قال عشرة في المائة إن القانون يجب أن يجرّمه في كل الأحوال. وقال أكثر من نصف من استطلعت رويترز/ إبسوس آراءهم، ويبلغ عددهم 4409 أشخاص، إن القانون يجب أن يتيح الإجهاض في بعض الحالات ويجرّمه في حالات أخرى.

الكاتب في مجلة بوليتيكو التي سرّبت مسودة مشروع القرار في مايو/ أيار الماضي، جون إف. هاريس، وصف الحكم بـ"الراديكالي في زمن راديكالي"، مشيراً إلى التأثير الذي خلّفته ولاية ترامب.

أما التغطية التي اعتمدتها "فوكس نيوز" فلم تخيب المتوقع منها باعتبارها قناة يمينية، حيث صوّر المضيفون الناشطين المناهضين للإجهاض على أنهم يتعرضون لهجوم من الليبراليين "الراديكاليين". وركزت القناة أيضاً على مهاجمة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما الذي وصفته بـ"التلميذ" في القانون الدستوري. واستنفرت مذيعات القناة للقول إن حق الإجهاض لم يكن دستورياً أصلاً، وإن القرار الذي اتخذته المحكمة الجمعة "لا ينتزع حقوق المرأة، بل يسمح للولايات بحماية الأجنة، وبتمكين المرأة أيضاً".

المساهمون