إسكندر صفا.. بين تجارة السلاح وإعلام اليمين المتطرّف

إسكندر صفا.. بين تجارة السلاح وإعلام اليمين المتطرّف

03 فبراير 2024
اشترى إسكندر صفا، قبل أعوام، مجلّة فالور أكتويل (إكس)
+ الخط -

في واحدة من أولى زياراته هذا العام لرمز من رموز الصناعة الحربية الفرنسية، اختار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شركة الإنشاءات الميكانيكية النورماندية التي يرأسها رجل الأعمال اللبناني الفرنسي إسكندر صفا، والواقعة في ميناء مدينة شيربور.

لم يكن إسكندر صفا حاضراً خلال تلك الزيارة التي اطّلع فيها ماكرون على تصنيع موظّفي الشركة لفرقاطة لحساب إمارة أبوظبي، وزورق إنزال لحساب دولة أنغولا. ويأتي رحيل صفا متأثّراً بالمرض، بعد عشرة أيام من زيارة ماكرون، ليشرح غيابه عن حدث كهذا لم يكن ليفوّته لو كان في كامل قواه، هو الذي سبق له أن استقبل ورافق، خلال مسيرته، العديد من الرؤساء والشخصيات السياسية، كما فعل، على سبيل المثال، مع الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند، والرئيس الموزمبيقي السابق أرماندو غيبوزا، اللذين زارا شركته هذه عام 2013.

لكنّ الرجل الذي رحل الاثنين الماضي لم يكن معروفاً، لدى الجمهور الواسع، بوصفه واحداً من أبرز الفاعلين في مجال تجارة التسليح حول العالم، بل بوصفه الملياردير الذي اشترى، قبل أعوام، مجلّة فالور أكتويل، إحدى أكثر المنشورات الفرنسية تطرّفاً وتعبيراً عن الأفكار العنصرية التي يحملها اليمين المتطرّف الفرنسي وشخصياته، مثل مارين لوبين وإريك زمور.

تخبرنا السردية الرسمية، التي بثّها صفا ومقرّبوه في الإعلام خلال المقابلات القليلة التي أجروها في السنوات الماضية، أن قراره شراء المجلّة، عام 2015، كان يهدف إلى "تنويع" المجالات التي يعمل فيها. سردية يصعب تصديقها، في الواقع، نظراً إلى ما في الاستثمار في الإعلام من خسائر اقتصادية، أو مرابح لا تُذكَر في أحسن الأحوال، مقارنةً بالعقود الضخمة التي توقّعها شركات الرجل لتصنيع سفن وقوارب عسكرية وسياحية بمئات الملايين. ونظراً، أيضاً، إلى أن رغبة صفا في استخدام هذه المنصّة الإعلامية لمصلحته لم تتأخّر في الظهور إلى العلن، إذ نشرت الأسبوعية المتطرّفة العديد من الملفّات والمقالات المدائحية في حقّ عدد من زبائن شركاته، كما فعلت عام 2017 حين خصّصت واحدة من صفحاتها الأولى لأنغولا وعدد من سياسييها، وذلك بعد أشهر قليلة فقط من توقيع البلد الأفريقي عقداً بقيمة تناهز 500 مليون يورو مع شركة الإنشاءات الميكانيكية النورماندية لتصنيع 17 سفينة حربية.

على أن التناغم بين آراء الملياردير الراحل الذي قدّرت مجلة تشالينج الفرنسية ثروته، عام 2023، بـ 1.45 مليار، وآراء المجلّة، يقودنا أبعد من هذه "الخدمة" التي قدّمها إلى بعض زبائنه. مثلاً، حين تصف "فالور أكتويل" حركة حماس وكتائب القسّام بـ"مجانين بالله" (عدد 12 أكتوبر/تشرين الأول 2023)، وحين تنتقد المقاومة الفلسطينية، فإنها تذكّرنا، على نحو ما، بقناعات صفا، الذي كان في بداية الحرب الأهلية اللبنانية محارباً في صفوف مليشيا "حرّاس الأرز" المتطرّفة، التي شاركت في ارتكاب مجزرة تل الزعتر بحق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. ومن المحتمَل أن يكون صفا من الذين شاركوا في المجزرة، إذ يقول صديقه وعضو مجلس إدارة "فالور أكتويل"، الصحافي شارل فيلنوف، في تقرير نشره موقع نيس ماتان، الخميس، إنه تعرّف إلى صفا "منذ 1975 ومعركة تل الزعتر في لبنان"، التي ذهب فيلنوف لتغطيتها لصالح إذاعة أوروبا 1 الفرنسية.

ولن تكون واقعةٌ كهذه بالأمر المفاجئ، فالرجل، المولود عام 1955 في قرية غدير، شماليّ لبنان، لم يُبدِ في يومٍ ما تحفّظاً تجاه الكيان الاستعماري، بل على العكس، تعاون معه في عديدٍ من محطّات حياته. إذ سبق لصفا أن التقى عميلاً للموساد، عام 1989، في باريس، طلب منه التدخّل للعثور على الطيّار الإسرائيلي رون أراد الذي كانت طائرته الحربية قد سقطت عام 1986 في صيدا، جنوبيّ لبنان، خلال غارة إسرائيلية على منظمة التحرير الفلسطينية. واقعةٌ أوردها أولاً الصحافي الفرنسي روجيه أوك، وعاد وأكّدها، عام 2016، منسّق شؤون أعمال الاحتلال الإسرائيلي في لبنان خلال الثمانينيات، أوري لوبراني، في حديث مع صحيفة يديعوت أحرونوت. مع العِلم أن صفا كان قد تدخّل قبل عام من ذلك، أيضاً، لإخراج الصحافي الفرنسي نفسه من الأسر في لبنان، ضمن ما عُرف حينها بـ"أزمة الرهائن".

ويبدو أن تلك اللقاءات لم تكن إلا بداية العلاقة مع دولة الاحتلال التي عاد رجل الأعمال اللبناني وقدّم لها الخدمات من باب شركة أبوظبي مار، التي كان يملك 30 في المائة من أسهمها. قامت الشركة، عام 2016، بتصنيع سفن حربية للجيش الإسرائيلي، ضمن صفة أوسع عقدتها حكومة الاحتلال حينها مع شركة ألمانية قابضة، هي "تيسن غروب".

هكذا، يصبح انتقال إسكندر صفا، في سنوات حياته الأخيرة، من عالم تجارة السلاح إلى إدارة مجلّة يمينية متطرّفة أشبه بـ"تتويج" لمساره، هو الذي لم يُرِد يوماً أن يمارس السياسة تحت الأضواء، بل في الظلّ، مستخدماً أدوات غير تلك التي يستخدمها السياسيون.

المساهمون