"ليل" جيانفرانكو روسي: بورتريهات أشخاصٍ عاديين في الشرق الأوسط

"ليل" جيانفرانكو روسي: بورتريهات أشخاصٍ عاديين في الشرق الأوسط

20 نوفمبر 2020
جيانفرانكو روسي: حروب الشرق الأوسط (أليسّاندرا بينيدتي/كوربيس/Getty)
+ الخط -

 

يُعتَبر المخرج الإيطالي جيانفرانكو روسي (1964)، أحد أهمّ صنّاع السينما في العالم في العقدين الأخيرين، رغم أنّه لم ينَل الشهرة الجماهيرية المناسبة لقيمة أفلامه، غالباً بسبب طبيعتها. فالسينما الوثائقية تراقب البَشر أعواماً، ولا تتابع قصّة محدّدة، ولا تنشغل بمواضيع رنّانة، مهما تكن قريبة، بل تخلق سرديّتها من يوميات الناس، وتمتلك شاعرية سينمائية لافتة للانتباه، تنبثق من أفعالٍ عادية للغاية.

فَعَل روسي هذا في Sacro Gra عام 2013، بتصويره حياة أناسٍ يعيشون على الطريق الدائرية في روما، في عامين كاملين، قبل إخراجه فيلماً بديعاً، فاز بـ"الأسد الذهبي" في الدورة الـ70 (28 أغسطس/ آب ـ 7 سبتمبر/ أيلول 2013) لـ"مهرجان "فينيسيا السينمائي"، كأول فيلم وثائقي يفوز بجائزة كهذه، والوحيد لغاية الآن. كرّر هذا، بعد 3 أعوام، في Fuocoammare، بتناوله سيرة لاجئين في الجزيرة الإيطالية "لامبيدوزا"، عاش معهم نحو 3 أعوام. فاز الفيلم بـ"الدبّ الذهبي" في الدورة الـ66 (11 ـ 21 فبراير/ شباط 2016) لـ"مهرجان برلين السينمائي".

حينها، نُشرت أخبار تفيد بأنّ "العيش" التالي لروسي سيكون في الشرق الأوسط، وهذا فعله في جديده Notturno، أو "ليل" (2020)، المعروض في الدورة الـ4 (23 ـ 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2020) لـ"مهرجان الجونة السينمائي" (مسابقة الأفلام الوثائقية)، بعد عرضه في الدورة الـ77 (2 ـ 12 سبتمبر/ أيلول 2020) لـ"مهرجان فينيسيا السينمائي" (المسابقة الرسمية).

في جديده، يتّسع جيانفرانكو روسي جغرافياً بشكلٍ أكبر. فالتصوير حصل في 4 بلدان تعاني من الحرب وآثارها: لبنان وسورية والعراق وكردستان. في 3 أعوام، تابع حياة الناس في مناطق مختلفة، مقترباً من حياتهم اليومية، ومتسائلاً: كيف يعيشون وسط هذا كلّه؟ وكيف يحاولون النجاة وسط الموت والذكريات الدامية؟

 

سينما ودراما
التحديثات الحية

 

شيئان ركّز عليهما روسي:

أولاً، قراره بإزالة الحدود، ولو لـ100 دقيقة (مدّة الفيلم)، فهو غير مهتمّ بتحديد "أين نحن؟" في البلدان الـ4، أو بتوضيح سياقٍ سياسي لما يُعرض على الشاشة، التي تكشف، أحياناً، لحظات مَبتورة وغير مُكتملة بشكل مُربِك. فالفيلم مَعنيّ بتوريط مُشاهديه مع بَشرٍ لا مع سياسة، ومَعنيّ بفتح الخيال على: "كيف يعيش هؤلاء البشر حياتهم؟"، لا على: "السبب السياسي/ الحربي وراء ذلك". إنّه ناجحٌ في هذا تماماً، فبعد دقائق، لا يُلاحق المتفرّجُ الظرفَ، بقدر ما يملك من تساؤلات ومشاعر حول الناس.

ثانياً: الابتعاد، بشكل متعمَّد، عن مناطق الحرب والاقتتال، فهذا لا يهمّه في "ليل". لعلّ أفلاماً أخرى ركّزت عليه، وتحديداً تلك المُنجزة في المنطقة العربية، في الأعوام الأخيرة. وبالاتّساق مع مشروعه السينمائي، ينشغل روسي أكثر بالعادي في حياة الناس، والعادي المقصود ليس الرصاص والموت واللحظات الكبرى المؤثّرة، بل التكيّف معهم ومع الأوقات التي تلي تجارب مؤسفة: الاستيقاظ صباحاً، والعمل والعيش، بينما الموتُ قريب منهم، أو خَطفَ أحبّاء لهم.

هناك أطفالٌ فقدوا ذويهم بعد هجوم داعشي، تظهر رسوم لهم عن تلك اللحظة؛ وأمهات في سجن شَهَدْن تعذيب أبنائهنّ وقتلهم. مبانٍ مهدّمة، يعيش فيها أناس بشكل عادي، كأنّ هذا من طبائع الأمور. حركة في شارع أو مدرسة، ومبانٍ صحّية. تركت الحرب أثرها في كلّ لحظة، لكنّ الناس "يتكيّفون" معها.

كما كان هذا مصدر القوّة في سينما جيانفرانكو روسي دائماً، فإنّه يمتد هنا لصُنع عمل مختلف للغاية في تناوله أحداثاً كبرى، لكنْ من خلال بورتريهات قصيرة لأشخاصٍ عاديين.

المساهمون