"حكاية غرزة"... فوتوغرافيا لتلك البلاد المُطرّزة

"حكاية غرزة"... فوتوغرافيا لتلك البلاد المُطرّزة

29 سبتمبر 2021
يحتفي المهرجان بالتراث التصويري الفلسطينيّ (حازم بدر/ فرانس برس)
+ الخط -

يندرج معرض "حكاية غرزة"، الذي نظّمه قبل أيامٍ قليلة مهرجان الصورة في مدينة عمّان الأردنية، للفنّانتين خلود علول وفاطمة البغدادي، فيما يُسمّى بـ "الفوتوغرافيا التراثية"، المعنيّة بتوثيق كافّة الفنون البصريّة ذات البُعد التراثي. تتماشى الأعمال مع خصوصية المعرض حول فنّ التطريز الفلسطينيّ، على خلفية الدورة الخاصّة هذه السنة بتراث فلسطين التصويريّ.
الفوتوغرافيا التراثية قليلة، وإنْ حضرت عربياً؛ فإنّها تبرز بشكلٍ أقلّ في معارض في لبنان وفلسطين والأردن وسورية. أما في البلدان المغاربيّة، فإنّ التأثير الغربي والاستشراقي، يجعل من فوتوغرافيا هذه البلدان تابعة للنسق الغربي على مُستوى الأسلوب والتركيب، والجري وراء كليشيهاتٍ ومفاهيم وتياراتٍ عبّرت عنها الفوتوغرافيا المعاصرة. مقابل بلدان أخرى، تحتل فيها الفوتوغرافيا التراثية مكانة بارزة، إذ للآخر الأجنبي علاقة خلخلة مفاهيم العروبة والتاريخ والذاكرة، ما يجهل هذا النّمط الفوتوغرافي يبرز إلى السطح، كمُقاومةٍ تهدف إلى حماية التراث الشعبي وترميمه والعناية به تشكيلياً وسينمائياً وفوتوغرافيا، كما تُطالعنا أعمال فاطمة البغدادي وخلود علول في توثيقهما لفنّ التطريز الفلسطينيّ وجماليّاته.
لقد تعدّدت الفوتوغرافيا الفلسطينيّة بين المرحلة الحديثة والمعاصرة، بحيث طغى على الحديثة نوعٌ من البساطة في أخذ المَشاهد والبورتريهات الشخصية، ذات الارتباط بالأرض والتاريخ والذاكرة، مقارنة بالجديدة المهووسة أكثر بفتنة الشكل والتجريب الفنّي في معالجة قضايا وإشكالاتٍ طاولت البلد سياسياً واجتماعياً. ومع ذلك، يشتركان فكرياً في خاصية توثيق المَشهد الفلسطينيّ، وما ألمّ به سياسياً واجتماعياً وثقافياً منذ النكبة حتى اليوم. إلا أنّ هاجس التوثيق في معرض البغدادي وعلول، لكونه يبدو أكبر من عامل التجريب الفنّي، على خلفيّة بساطة أعمالهما الفوتوغرافية وارتكازها على الإظهار، حيث الصورة مباشرة لها هدف مُعيّن يتمثّل في هاجس التأريخ لفنّ التطريز، وإبراز خصائصه ومَعالمه وجماليّاته ومُكوّناته داخل الفنّ الشعبي الفلسطيني، وما يزخر به من رموزٍ وتاريخٍ وذاكرة. لكن، بهذا المعنى، لا يُمكن اعتبار فوتوغرافيا البغدادي وعلول امتداداً للفوتوغرافيا الحديثة، إذْ السبب راجعٌ إلى أنّ هذا اللون الفوتوغرافي (التراثي) يقتصر في اشتغالاته على النقل والتوثيق والتأريخ، بدل الاضمار والرمز والتركيب والتجريب.
في هذا الأفق، يأتي احتفاء المهرجان بالتراث التصويري الفلسطينيّ ومعه تنظيم معرض "حكاية غرزة" الخاصّ بالتطريز، بوصفه فنّاً شعبياً داخل المُدوّنة البصريّة. فهذا اللون الفنّي الذي برعت فيه المرأة الفلسطينيّة مُعتمدة عليه في تزيين الملابس والأواني والزرابي، أضحى التطريز منذ منتصف القرن العشرين بمثابة حرفة مهنيّة تعيش منها العديد من العائلات الفلسطينيّة ذات النشأة الفنيّة. أما بالنسبة للفنّانتين؛ فقد وجدتا فيه ملاذاً آمناً في استخدام مَواده وألوانه لاجتراح أفقٍ بصريّ جديدٍ لأعمالهما الفوتوغرافية، حيث يتم تأطير المُنتجات اليدوية وجعلها تدخل في سيرورة المرئي الفوتوغرافي من خلال براعة تأطيرٍ يُظهر الثوب المطرّز، بوصفه صورة فوتوغرافية أو لوحةٍ فنيّة تستحق كثيراً من التأويل والتفكير، بحكم تعانق ومزج النصّ بالصورة، أيْ الخطاب المكتوب بالمرئي، بما يجعلها مُؤثّرة وذات بلاغةٍ بصريّة قويّة تستكنه عمق تاريخ هذه الممارسة ودلالات ألوانها المحلّية ورموزها البصريّة المُستشرية على سطح الثوب.

لكن في غمرة هذا التوثيق، يبرز فعل المقاومة بوصفه مفهوماً مُضمراً في كينونة الأعمال، حيث تغدو الفوتوغرافيا وسيلة من وسائل مُقاومة تصحّر الواقع العربي وميثولوجيات الاحتلال، إنّها من جهة تُرمّم ذاكرة الممارسة وتاريخها ومن جهة أخرى مدى ارتباطها وتعلّقها وجدانياً بجسد المرأة الفلسطينيّة وطريقة عيشها داخل الاجتماع الفلسطينيّ.

المساهمون