"أفلامهنّ" عن نساء مُعنّفات: السينما عادية لكنّ الخراب كثيرٌ

"أفلامهنّ" عن نساء مُعنّفات: السينما عادية لكنّ الخراب كثيرٌ

16 ابريل 2021
فانيسا مغامس في "شكوى": أين المفرّ؟ (الملف الصحافي للفيلم)
+ الخط -

 

تعاين 5 مخرجات عربيّات أحوال المرأة في بلدانهنّ، إنْ تكن المرأة شابّة أو طفلة. أحوال غير سارّة. عنف وقتل وعمالة. تعذيبٌ نفسيّ وروحيّ، يرافق المرأة في يومياتها. ممنوعات تُفرض عليها. واجبات تُلزَم بها، وعليها تنفيذها من دون تردّد أو نقاش. غياب مطلق لعيشٍ طبيعي لمرحلتي الطفولة والمراهقة، بسبب فقر وقهر وحاجة إلى مال.

هذه عناوين مُتداولة منذ سنين. اشتغالات جمّة تعرفها دول عربيّة في هذا المجال، دراساتٍ وأبحاثاً وندواتٍ وأعمالاً ميدانية وأفلاماً. أفرادٌ يعملون، وجماعات أيضاً. منظّمات غير حكومية، وأخرى تابعة لمؤسّسات دولية. لكنْ، لا شيء يتغيّر.

مشروع لـ"اليونسكو" يتمثّل بإنتاج 5 أفلام قصيرة، تُدمج في واحدٍ بعنوان "أفلامهنّ" (2020، 100 دقيقة)، المعروض في برنامج "ليالي عربية"، في الدورة الـ11 (6 ـ 11 إبريل/ نيسان 2021) لـ"مهرجان مالمو للسينما العربية (السويد)". 5 أفلام تعكس شيئاً من أحوال المرأة في الأردن ("ديانا" لميسون خالد) وتونس ("كارفور السعادة" لآمنة نجار)، ولبنان ("شكوى" لفرح شاعر، "العربي الجديد"، 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2020)، ومصر ("مائدة الرحمن" لتغريد أبوالحسن)، والمغرب ("لعبة" لريم مجدي). يقول التعريف إنّ البرنامج الإقليمي لـ"منظّمة اليونسكو"، المموَّل بالشراكة مع "الاتحاد الأوروبي"، يسعى إلى "تنمية قطاع أفلام يستجيب لقضايا النوع الاجتماعي في منطقة المغرب والمشرق". تعريفٌ يُحدِّد المطلوب اجتماعياً، ويرى في الأفلام وسيلةً لبلوغه.

وفقاً لهذا، تستجيب الأفلام الـ5 للمطلب الاجتماعي. المرأة شخصية أساسية، وللطفلة مكانٌ في فيلم واحد، كما للمراهقة في فيلمٍ آخر. جرائم الشرف معروفة في الأردن. العمالة منتشرة في دول عربية عدّة. العنف الزوجي يزداد بطشاً في لبنان. الاغتصاب فعلٌ ذكوريّ ضد جسد امرأة، يُتعامل معه كأداة متعة، أو لتنفيس غضب. الأفلام الـ5 متمكّنة من إيضاح حالاتٍ مستلّة من وقائع ويوميات. التسلّط الذكوريّ واحدٌ. ترجمة أفعاله تختلف من بيئة إلى أخرى، أحياناً. العنف الزوجي واحدٌ في "كارفور السعادة" و"شكوى"، لكنّ الترجمة البصرية تختلف بينهما. في الأول، يمارس الرجل عنفه ضد امرأته لطيفة (خديجة بكّوش) بشكلٍ واضح أمام الكاميرا، لأنّها بنظره عاقر. في الثاني، تلجأ هدى (فانيسا مغامس) إلى الشرطة لحمايتها من عنف زوجها، الحاضر بصوته عبر الهاتف فقط، فتُصاب بذكورية واستعلاء أسوأ من عنف الزوج. الاستعلاء والذكورية نوعٌ آخر من العنف أيضاً.

الحبّ مرفوض، فالمرأة الأردنية تخضع لنظام ذكوري قاسٍ، وأي اشتباهٍ بخروجها عليه يُعرّضها لعنفٍ يبلغ حدّ القتل. في "ديانا"، تروي ديانا (راكين سعد) حكاياتها، مع بثّ متتاليات بصرية تقول ما ترويه. النساء كثيرات حولها. تعنيف الأمّ أخطر من عنف الرجال. العار دافع، وهذا منبثق من ثقافة استعلائية للرجل، في اجتماعٍ قابلٍ لثقافة كهذه، رغم تبدّلاتٍ حاصلة للمرأة في وعيها ومعرفتها وسلوكها، في الأردن وتونس مثلاً. في المغرب، كما في مصر، للأطفال حضورٌ. أميرة (فريدة هاني) تبلغ 8 أعوام، وتعمل سائقة "توك توك" في شوارع محدّدة في القاهرة (مائدة الرحمن). كاميليا (آية كوبيس) مراهقة، تتعرّض لاعتداء جنسيّ ولنظرة مراهقين حادّة وقاسية (لعبة).

 

 

ترتكز الأفلام على المرأة الناضجة، باستثناء "مائدة الرحمن" و"لعبة". الفيلم المصري معنيّ بالطفولة. عنوانه مريح (مائدة الرحمن)، فالوقت شهر صيام في رمضان، والنساء يعملن من أجل الحاج (غير الظاهر بتاتاً)، الراغب في إفطار فقراء. تُدرك أميرة أنّ حدود تحرّكها قليلة، لكنّ التضحية واجبٌ، وفعل الخير أيضاً. الشرطة تمنع الـ"توك توك" من الخروج من مناطق محدّدة، فتُلبّي أميرة نداء الواجب الأخلاقي سيراً على قدميها، رفقة مراهقين "زملاء مهنة". بهذا، يتفرّد "مائدة الرحمن" بسلامٍ تعيشه النساء، رغم موانع الشرطة. كأنّ الخلاص روحيٌّ وأخلاقيّ، وهذا كافٍ، ولا بأس بعمالة طفلة، طالما أنّ هناك إمكانية دائمة لاستغلالها في شأنٍ خيّر.

القسوة والخراب والقلاقل سمات نساء، تتعرّض إحداهنّ للقتل (ديانا)، وتعاني الأخريات أهوالاً ومصاعب تبدو أنْ لا نهاية لها، ولا فرار منها (لطيفة وهدى). كاميليا تواجه صخب عمرها وقسوة بيئتها في آن واحد. أميرة تنتصر، فالإيمان أقوى من كلّ شيء، والآلام الأرضية ضرورة لخلاصٍ لاحق. "مائدة الرحمن" مكتفٍ بالإيجابيّ، فالسلبيات مخفّفة لأنّ الشهر مبارك، والصيام واجب، والتعاون مطلوب. أما الباقي، فغير مهمّ، وهذا كارثيّ. عمالة الطفلة مقبولة (أميرة دائمة الابتسامة والضحك، رغم كلّ شيء)، فالشهر هذا مختلف. ما سيحدث معها في أشهرٍ أخرى، تحجبه الكاميرا، فالمطلوب واحدٌ: إظهار الإيجابيّ في شهرٍ فضيل.

في "ديانا"، سردٌ شفهي يرافق صُوراً ومتتاليات بصرية. جمال المرأة حاضرٌ فيه، كما في "شكوى". المرأة التونسية الثلاثينية متعَبة، وملامح وجهها تشي بثقلٍ غير مُحتمل. تلجأ إلى أمّها، التي تحاول تخفيف الأمور عليها، وإلى شقيقة غاضبة ومتمرّدة، تحرّضها على بعلها العنيف. ديانا تُقتَل. هدى تختار سجن الشرطة (هناك مخالفة قديمة بحقّها غير مدفوعة) على العودة إلى منزل الزوج (لكنْ، ماذا بعد؟). المُراهقة المغربية تتجوّل في شوارع، فتنكشف فضائح وآلاماً. أميرة فَرِحَة.

للتوثيق فائدة، فالأفلام مبنية على حقائق ووقائع وأرقام. بداية كلّ واحد منها تُقدّم معلومة عن واقع الحال في بلد الحكاية. الأرقام مخيفة: جريمة من بين جريمتين مرتَكَبَتين ضد امرأة في الأردن، عام 2017، يُنفّذها أحد أفراد أسرة المرأة المقتولة (ديانا). 30 في المائة من النساء المرتبطات بعلاقة مع شريك، تعرّضن لشكلٍ معيّن من أشكال العنف الجسدي و/أو الجنسي على أيدي شركائهنّ (كارفور السعادة). 15 في المائة من النساء المعرّضات للعنف يطلبن المساعدة (شكوى). حصّة مصر من الأطفال العاملين في الدول العربية تبلغ 26 في المائة، وعددهم المُقدّر يبلغ مليونين و800 ألف طفل (مائدة الرحمن). امرأة من كلّ 3 نساء تعرّضت للعنف الجسدي أو الجنسي في حياتها (لعبة). هذه تقارير للأمم المتحدّة. هذه أرقامٍ يجب ألاّ تبقى مجرّد أرقامٍ، فالمتعرّضات لعنفٍ جسدي وجنسي ونفسي، ولقتلٍ وعمالة، نساء لهنّ كيانات حياتية ومشاعر وتفكير ورغباتٍ وهواجس ومطالب، وعليهنّ حقوق. مواجهتهنّ بالعنف مرضٌ جماعيّ في دولٍ غارقةٍ في بؤس عيشها.

 

 

أما السينما، فأقلّ من المتوقّع، رغم أنّ التعريف بالمشروع يشي، منذ البداية، بغلبة الموضوع لا الصورة. هذا لن يحول دون اشتغال سينمائي، تتفاوت أشكاله وأنماط معاينته الأحوال والانفعالات. ترجمة التقارير إلى أفلامٍ سينمائية صعبة، إنْ يُقيَّد المشروع بها. الأفلام مصنوعة بلغة نضالية، وبعض الصُور سينمائيّ يُلبّي الحاجة إلى الفعل البصريّ المتكامل.

سرد الراوية في "ديانا" متوافق، إلى حدّ، مع وقائع التفاصيل الدرامية. الارتباك واضحٌ في نقل المعطيات إلى قالبٍ سينمائي، كما في "كارفور السعادة" و"لعبة"، رغم جهدٍ واضح يتوق إلى تحرير النصّ من سطوة القضية. في "شكوى"، تكثيف درامي للحكاية، يختزل تفاصيل تتداخل فيما بينها. الانكشاف التدريجيّ للمشكلة يترافق وانكشاف معضلة أخلاقية، تتمثّل في انفضاض الشرطيّ عن فعلٍ يُفترض به أنْ يكون أخلاقياً بحتاً، فالتعامل وفق القوانين يحتاج، أحياناً، إلى حسّ إنسانيّ، يختفي في بيئةٍ غير متسامحة مع المرأة. السينما في "مائدة الرحمن" عادية للغاية، وغير مُبهِرة.

رغم هذا، يكشف "أفلامهنّ" شيئاً من راهن معطوب، مانحاً النساء الـ3 والمراهقة والطفلة مساحة قولٍ، تختلف أشكاله وآلياته ومضامينه بينهنّ.

المساهمون