"سوخيشفيلي"... محاربون أشداء ونساء من غيم

"سوخيشفيلي"... محاربون أشداء ونساء من غيم

الدوحة

محمد هديب

محمد هديب
محمد هديب
كاتب وصحافي أردني
05 مايو 2019
+ الخط -
يحتدم القتال بين المحاربين الجورجيين ذوي الأجساد الممشوقة الصلبة والخفيفة، بسيوفهم القصيرة التي تلعب في الهواء، وتهوي فتتلقاها التروس النبيهة، وفي القتال لا بد من غالب ومغلوب.

من بعيد تأتي شابة حسناء، بثوب أبيض كأنها ريشة، أو هواء على صفحة مائية، تخترق صفوف المحاربين، وتلقي منديلها الأبيض، فيتجمدون كل في مكانه. منديل الشابة الذي أسقطته على الأرض يعني: توقفوا حالاً عن القتال.

هذا ليس قتالاً دامياً، إنما لوحة مما قدمته على مسرح دار الأوبرا في كتارا بالدوحة، فرقة الباليه الوطنية الجورجية "سوخيشفيلي"، التي تعد علامة ثقافية تفاخر بها هذه الدولة القوقازية، وتعرض فنها للعالم، فيشاهده عشرات الملايين، في أجندة عروض لم تتوقف منذ عام 1945.

إليكو سوخيشفيلي وزوجته نينو راميشفيلي هما الجيل الأول المؤسس، والآن فإن ذات الاسمين هما لحفيدين يواصلان المشروع الفني، الذي يجمع بين الرقص الشعبي الجورجي التقليدي، والباليه الكلاسيكي، والرقص الحديث، والذي أخذ اسم الجد سوخيشفيلي، ليكون اسماً لسلالة فنية، ورمزاً وطنياً.

حين ترى الشابة تحرك كتفيها برشاقة، فهذا يذكرك بتنويع جمالي على الرقص التقليدي. فالمرأة تقليدياً تتحرك سريعاً في رقصتها، على قدميها المغطاتين بثوب طويل، فتبدو كأنها تنزلق، بينما الكتفان يجب أن تكونا ثابتتين.

لا تترك فرقة سوخيشفيلي أي عرض لها دون أن تستخدم مفردات فلكلورية، وإلا فلن يكون لها خصوصية، إذا ذهبت كلياً إلى الرقص الحديث، أو الباليه الكلاسيكي.

فهذا الفارس، عليه ألا يدير ظهره للشابة التي ترقص معه، كما أنها بدورها لا ترفع ذراعيها فوق الرجل، بل تبقيهما أسفل.

وفلكلور الرقص يعطي معاني نفسية واجتماعية توازن علاقة الطرفين، وعلاقة المجموعة. القوة البدنية الضاربة في الأرض والهواء من اختصاص الفارس، والحركة الدائرية الأنيقة للمرأة. وكأن الراقصين محاربون أشداء أما الراقصات فهن نساء من غيم.

كما أن اللباس المحتشم، في رقصات مثل رقصة "التعارف" بين شاب وشابة، يتشابه في الثقافة القوقازية. إنه تعارف بالغ التهذيب، ويكشف عن الشغف بلغة روحانية. الرجل قوي وضعيف، والمرأة هشة وملكة.



كل هذه الأساسيات التراثية لا بد منها. غير أن سوخيشفيلي، طرقت أبواب العالم، من خلال تجديدها في تصميمات الرقص، وبناء أجساد الراقصين والراقصات في مدرسة باليه تقليدية.

تصاحب سوخيشفيلي فرقة موسيقية تكبر وتصغر، بحسب العرض، لكنهم يفضلون عادة حضور القيثارة الجورجية الأشبه بالبزق، والإيقاعات المتنوعة بين العميقة والخفيفة، وكذلك أكثر من أكورديون، وهي الآلة التي تبدو مناسبة دائماً لتتولى قيادة كرنفال، فما بالك بحفل على مسرح.

منذ تأسيسها، جالت سوخيشفيلي في خمس قارات، وتسعين دولة، ونفذت أكثر من 300 جولة، وشاهد عروضها خمسون مليون شخص، وشاركت في عدة أفلام روائية منها: "كيتو وكوتي"، و"إليسو"، و"لقاء في الجبال"، و"خمسة أيام في أغسطس".

يضاف إلى ذلك إنجاز عدة أفلام وثائقية عنها من بينها: "العالم يصفق"، و"انتصار في لا سكالا"، و "دوللي"، و"إعصار على المسرح"، و"مفاتيح".






ذات صلة

الصورة
ريكاردينيو خطف الأضواء في كتارا (انستغرام/Getty)

رياضة

تشهد بطولة كأس آسيا 2023 لكرة القدم في الدوحة أحداثاً مثيرة في الملاعب وخارجها، منها قصة البرازيلي ريكاردينيو الذي خطف الأضواء في كتارا.

الصورة
خلال افتتاح مهرجان التراث الفلسطيني في "كتارا" 2023 (العربي الجديد)

منوعات

افتتح مهرجان التراث الفلسطيني دورته الخامسة، مساء أمس الخميس، بعد توقف عامين بسبب جائحة كورونا، في الواجهة الجنوبية من الحي الثقافي "كتارا" بالعاصمة القطرية الدوحة، بحضور سفراء عدة دول عربية وأجنبية.

الصورة
(بول بورسيتشينكولا / فرانس برس)

منوعات

على الواجهة البحرية للحي الثقافي كتارا في الدوحة، لا تنقطع عند المساءات أصوات الغناء البحري الجماعي. فهذه المناسبة في أيام مهرجان المحامل الثاني عشر، تحتفي بفنون رافقت تراث العمل على السفن كما على السواحل، وعبر قرون استطاعت ترسيخ هُويّتها.
الصورة
يعد قوارب صغيرة (العربي الجديد)

مجتمع

ثمة سحر في الحي التراثي البحري على الواجهة البحرية لكتارا في العاصمة القطرية الدوحة. حرفٌ ومهن بحرية ما زال أصحابها يحافظون عليها ويعرضونها في هذا المكان، ليخلقوا مجتمعاً بحرياً حقيقياً

المساهمون